ما هو المطلوب من المسلم فعله في هذه الأيام التي ينتشر فيها فيروس كورونا -كوفيد-19 وكيف يرفع الله عز وجل عنا هذا البلاء؟
ما المشروع للمسلم فعله تجاه وباء الكورونا ؟
السؤال: 334353
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.
إذا نزل البلاء والوباء فالعلاج في التوبة إلى الله تعالى والتضرع إليه، ورد المظالم، مع كثرة الاستغفار والتسبيح والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، وسؤال الله العافية، وأخذ أسباب الوقاية والعلاج، كالحجر الصحي، والتطعيم والعلاج إن وجدا.
1-أما التوبة والتضرع:
فقد قال تعالى: وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ فَأَخَذْنَاهُمْ بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ (42) فَلَوْلَا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا وَلَكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ الأنعام/42، 43
قال ابن كثير رحمه الله في تفسيره (3/ 256): "وقوله: ولقد أرسلنا إلى أمم من قبلك فأخذناهم بالبأساء يعني: الفقر والضيق في العيش والضراء وهي الأمراض والأسقام والآلام لعلهم يتضرعون أي: يدعون الله ويتضرعون إليه ويخشعون.
قال الله تعالى: فلولا إذ جاءهم بأسنا تضرعوا أي: فهلا إذ ابتليناهم بذلك تضرعوا إلينا وتمسكنوا إلينا ولكن قست قلوبهم أي: ما رقت ولا خشعت وزين لهم الشيطان ما كانوا يعملون أي: من الشرك والمعاصي" انتهى.
وقال تعالى: (أَوَلَا يَرَوْنَ أَنَّهُمْ يُفْتَنُونَ فِي كُلِّ عَامٍ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ لَا يَتُوبُونَ وَلَا هُمْ يَذَّكَّرُونَ) التوبة/126
والبلاء لا ينزل إلا بذنب، ولا يكشف إلا بتوبة، كما قال العباس رضي الله عنه في دعائه في الاستسقاء.
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله في الفتح (2/ 497): " وقد بين الزبير بن بكار في الأنساب صفة ما دعا به العباس في هذه الواقعة والوقت الذي وقع فيه ذلك، فأخرج بإسناد له أن العباس لما استسقى به عمر قال: اللهم إنه لم ينزل بلاء إلا بذنب ، ولم يكشف إلا بتوبة" انتهى.
2-وأما الاستغفار فإنه سبب في الصحة والقوة والحياة الحسنة.
قال الله عز وجل: وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُمْ مَتَاعًا حَسَنًا إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ هود/3
وقال سبحانه: وَيَاقَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ وَلَا تَتَوَلَّوْا مُجْرِمِينَ هود/52
3-وأما التسبيح، فقد أخبر الله أنه به نجا يونس عليه السلام من الكرب، وأشار أنه بذلك ينجو المؤمنون.
قال سبحانه : وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ * فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ الأنبياء / 87 – 88
وقال تعالى : فَلَوْلَا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ * لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ الصافات /143
وروى أحمد (1462) والترمذي (3505) عَنْ سَعْدٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: دَعْوَةُ ذِي النُّونِ إِذْ دَعَا وَهُوَ فِي بَطْنِ الحُوتِ: لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ، فَإِنَّهُ لَمْ يَدْعُ بِهَا رَجُلٌ مُسْلِمٌ فِي شَيْءٍ قَطُّ إِلَّا اسْتَجَابَ اللَّهُ لَهُ وصححه الألباني.
قال ابن القيم رحمه الله: "وقال ابن مسعود: ما كرب نبي من الأنبياء، إلا استغاث بالتسبيح" انتهى من الجواب الكافي، ص14
4-وأما الصلاة على النبي صلى الله وسلم، فإنها أعظم أسباب زوال الهم والكرب.
روى أحمد (21242) والترمذي (2457) واللفظ له عن أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا ذَهَبَ ثُلُثَا اللَّيْلِ قَامَ فَقَالَ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُوا اللَّهَ اذْكُرُوا اللَّهَ جَاءَتِ الرَّاجِفَةُ تَتْبَعُهَا الرَّادِفَةُ جَاءَ المَوْتُ بِمَا فِيهِ جَاءَ المَوْتُ بِمَا فِيهِ ، قَالَ أُبَيٌّ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي أُكْثِرُ الصَّلَاةَ عَلَيْكَ فَكَمْ أَجْعَلُ لَكَ مِنْ صَلَاتِي؟ فَقَالَ: مَا شِئْتَ. قَالَ: قُلْتُ: الرُّبُعَ، قَالَ: مَا شِئْتَ فَإِنْ زِدْتَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكَ، قُلْتُ: النِّصْفَ، قَالَ: مَا شِئْتَ، فَإِنْ زِدْتَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكَ، قَالَ: قُلْتُ: فَالثُّلُثَيْنِ، قَالَ: مَا شِئْتَ، فَإِنْ زِدْتَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكَ، قُلْتُ: أَجْعَلُ لَكَ صَلَاتِي كُلَّهَا قَالَ: إِذًا تُكْفَى هَمَّكَ، وَيُغْفَرُ لَكَ ذَنْبُكَ.
ولفظ أحمد: أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: قَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَرَأَيْتَ إِنْ جَعَلْتُ صَلَاتِي كُلَّهَا عَلَيْكَ؟ قَالَ: إِذَنْ يَكْفِيَكَ اللهُ مَا أَهَمَّكَ مِنْ دُنْيَاكَ وَآخِرَتِكَ .
والحديث حسنه الألباني ومحققو المسند.
وقد سئل شيخ الإسلام ابن تيمية، فيما نقله ابن القيم في "جلاء الأفهام" ص 79، عن تفسير هذا الحديث فقال: "كان لأُبي بن كعب دعاءٌ يدعو به لنفسه، قال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: هل يجعل له منه ربعَه صلاةً عليه، فقال: "إنْ زِدْتَ فهو خيرٌ لك" فقال: النصفَ؟ فقال: "إن زدتَ فهو خير لك " إلى أن قال: أجعل لك صلاتي كلَّها، أي: أجعلُ دعائي كلَّه صلاةً عليك، قال: " إذاً تُكفَى همَّك، ويُغفَر لك ذنبُك" لأن مَن صلَّى على النبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صلاةً صلَّى الله عليه بها عشراً، ومن صلَّى الله عليه، كفاه همَّه، وغفر له ذنبه" انتهى.
5-وأما سؤال العافية فهو مشروع صباحا ومساء، ويتأكد عند انتشار الوباء.
روى أحمد (4785) وأبو داود (5074) وابن ماجه (3871) عن عَبْد اللهِ بْن عُمَرَ قال: لَمْ يَكُنْ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدَعُ هَؤُلَاءِ الدَّعَوَاتِ حِينَ يُصْبِحُ وَحِينَ يُمْسِي: اللهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ الْعَافِيَةَ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، اللهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ الْعَفْوَ وَالْعَافِيَةَ فِي دِينِي وَدُنْيَايَ وَأَهْلِي وَمَالِي، اللهُمَّ اسْتُرْ عَوْرَاتِي، وَآمِنْ رَوْعَاتِي، اللهُمَّ احْفَظْنِي مِنْ بَيْنِ يَدَيَّ، وَمِنْ خَلْفِي، وَعَنْ يَمِينِي، وَعَنْ شِمَالِي، وَمِنْ فَوْقِي، وَأَعُوذُ بِعَظَمَتِكَ أَنْ أُغْتَالَ مِنْ تَحْتِي ، قَالَ: يَعْنِي الْخَسْفَ.
وروى أحمد (20430) وأبو داود (5090) عن عَبْد الرَّحْمَنِ بْن أَبِي بَكْرَةَ، أَنَّهُ قَالَ لِأَبِيهِ: يَا أَبَتِ إِنِّي أَسْمَعُكَ تَدْعُو كُلَّ غَدَاةٍ اللَّهُمَّ عَافِنِي فِي بَدَنِي، اللَّهُمَّ عَافِنِي فِي سَمْعِي، اللَّهُمَّ عَافِنِي فِي بَصَرِي، لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ، تُعِيدُهَا ثَلَاثًا، حِينَ تُصْبِحُ، وَثَلَاثًا حِينَ تُمْسِي، فَقَالَ: إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدْعُو بِهِنَّ فَأَنَا أُحِبُّ أَنْ أَسْتَنَّ بِسُنَّتِهِ.
ومن الأدعية النافعة في هذا المقام ما جاء في هذه الأحاديث:
روى الترمذي عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدْعُو فَيَقُولُ: اللَّهُمَّ مَتِّعْنِي بِسَمْعِي وَبَصَرِي وَاجْعَلْهُمَا الوَارِثَ مِنِّي، وَانْصُرْنِي عَلَى مَنْ يَظْلِمُنِي، وَخُذْ مِنْهُ بِثَأْرِي
(واجعلهما الوارث مني) أي أبقهما صحيحين سليمين إلى أن أموت.
وروى أحمد (13004) وأبو داود (1554) والنسائي (5493) عَنْ أَنَسٍ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقُولُ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ البَرَصِ، وَالْجُنُونِ، وَالْجُذَامِ، وَمِنْ سَيِّئِ الْأَسْقَامِ .
وروى أحمد (528) وأبو داود (5088) والترمذي (3388) وابن ماجه (3869) عن عُثْمَانَ ابْن عَفَّانَ، قال: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: مَنْ قَالَ : بِسْمِ اللَّهِ الَّذِي لَا يَضُرُّ مَعَ اسْمِهِ شَيْءٌ، فِي الْأَرْضِ، وَلَا فِي السَّمَاءِ، وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ، ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، لَمْ تُصِبْهُ فَجْأَةُ بَلَاءٍ، حَتَّى يُصْبِحَ، وَمَنْ قَالَهَا حِينَ يُصْبِحُ ثَلَاثُ مَرَّاتٍ، لَمْ تُصِبْهُ فَجْأَةُ بَلَاءٍ حَتَّى يُمْسِيَ .
6-وأما اتخاذ الأسباب كالحجر الصحي، والتداوي، فقد دل عليه هدي نبينا صلى الله عليه في الأمر بالتداوي، والإشارة إلى التحصين من المرض، والأمر بعدم ورود الممرض على المصح ،
وعدم السفر إلى بلد وقع به الطاعون .
قال صلى الله عليه وسلم: تَدَاوَوْا فَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ لَمْ يَضَعْ دَاءً إِلَّا وَضَعَ لَهُ دَوَاءً غَيْرَ دَاءٍ وَاحِدٍ ، الْهَرَمُ رواه أحمد (17726) وأصحاب السنن وأبو داود (3855) والترمذي (2038) وابن ماجه (3436) وصححه الألباني في صحيح أبي داود.
وقال صلى الله عليه وسلم: مَنْ تَصَبَّحَ سَبْعَ تَمَرَاتٍ عَجْوَةً، لَمْ يَضُرَّهُ ذَلِكَ اليَوْمَ سُمٌّ وَلاَ سِحْرٌ رواه البخاري (5769) ومسلم (2057).
وروى البخاري (5771) ومسلم (2221) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَا يُورِدَنَّ مُمْرِضٌ عَلَى مُصِحٍّ .
وقال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِذَا سَمِعْتُمْ بِالطَّاعُونِ بِأَرْضٍ فَلَا تَدْخُلُوهَا ، وَإِذَا وَقَعَ بِأَرْضٍ وَأَنْتُمْ بِهَا فَلَا تَخْرُجُوا مِنْهَا رواه البخاري (5728)، ومسلم (2218).
نسأل الله تعالى أن يرفع عنا البلاء والوباء.
والله أعلم.
هل انتفعت بهذه الإجابة؟
المصدر:
موقع الإسلام سؤال وجواب