كيف لنا أن نفهم رأي العلماء في مسألة العشر الأواخر واختلاف ليلة القدر بين الليال الفردية بناءً على ما ورد في الكتاب والسنة؟ في حال سفر شخص وقضائه ليلتين فرديتين متتاليين بين بلدين يختلف فيهما رؤية القمر، وأيضاً إذا كانت تلك الليلتين هي ليلة القدر بناءً على العلامات الدالة في النهار الذي يليها في كلا البلدين، فهل هناك احتمال أن يكون هذا الشخص محظوظا لإدراك ليلة القدر مرتين في رمضان واحد؟ بالإضافة إلى ما سبق، ما هي طبيعة التحديد بين الليال الفردية والزوجية في العشر الأواخر، إذ أنها تختلف في فرديتها أو زوجيتها بالأخذ بعين الاعتبار البداية، أي ماذا انقضى؟ أو بالأخذ بعين الاعتبار النهاية، أي ماذا يبقى؟
تحديد ليلة القدر، وهل يمكن لشخص أن يدرك ليلة القدر مرتين في رمضان واحد؟
السؤال: 339526
ملخص الجواب
1. إذا اختلفت البلدان في دخول الشهر، فإن الليلة الفردية في بلد تكون زوجية في أخرى، لكن هذا لا يعني وجود ليلتين بحيث يمكن للإنسان أن يدرك واحدة في بلده ثم يسافر فيدرك الاخرى في بلد آخر! وإنما هي ليلة واحدة. 2. بقيت صورة يمكن أن يدرك الإنسان فيها نفس الليلة مرتين، كما لو كانت ليلة الثلاثاء، فأدركها أو أدرك جزءا منها، ثم سافر جهة الغرب، فإنه يدركها مرة أخرى، لأن الليلة تدخل في المشرق أولا.
Table Of Contents
أولا:
تحديد ليلة القدر
ليلة القدر تكون في العشر الأواخر من رمضان، وتكون في الليالي الوترية (الفردية) أي ليلة إحدى وعشرين، وثلاث وعشرين، وخمس وعشرين، وسبع وعشرين، وتسع وعشرين، كما تكون في الزوجية، لأن الليالي الزوجية هي فردية باعتبار الحساب بما بقي من الشهر إذا كان الشهر تاما، كما روى البخاري (2022) عن ابْن عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: هِيَ فِي العَشْرِ الأَوَاخِرِ، هِيَ فِي تِسْعٍ يَمْضِينَ، أَوْ فِي سَبْعٍ يَبْقَيْنَ يَعْنِي لَيْلَةَ القَدْرِ، وَعَنْ خَالِدٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ: التَمِسُوا فِي أَرْبَعٍ وَعِشْرِينَ.
فحساب الليالي يكون باعتبار ما مضى، ويكون أيضا باعتبار ما بقي، وكما روى البخاري (2021) عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: التَمِسُوهَا فِي العَشْرِ الأَوَاخِرِ مِنْ رَمَضَانَ لَيْلَةَ القَدْرِ، فِي تَاسِعَةٍ تَبْقَى، فِي سَابِعَةٍ تَبْقَى، فِي خَامِسَةٍ تَبْقَى .
وروى مسلم (1167) عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، قَالَ: " اعْتَكَفَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْعَشْرَ الْأَوْسَطَ مِنْ رَمَضَانَ، يَلْتَمِسُ لَيْلَةَ الْقَدْرِ قَبْلَ أَنْ تُبَانَ لَهُ، فَلَمَّا انْقَضَيْنَ أَمَرَ بِالْبِنَاءِ فَقُوِّضَ، ثُمَّ أُبِينَتْ لَهُ أَنَّهَا فِي الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ، فَأَمَرَ بِالْبِنَاءِ فَأُعِيدَ، ثُمَّ خَرَجَ عَلَى النَّاسِ، فَقَالَ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّهَا كَانَتْ أُبِينَتْ لِي لَيْلَةُ الْقَدْرِ، وَإِنِّي خَرَجْتُ لِأُخْبِرَكُمْ بِهَا، فَجَاءَ رَجُلَانِ يَحْتَقَّانِ مَعَهُمَا الشَّيْطَانُ، فَنُسِّيتُهَا، فَالْتَمِسُوهَا فِي الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ مِنْ رَمَضَانَ، الْتَمِسُوهَا فِي التَّاسِعَةِ وَالسَّابِعَةِ وَالْخَامِسَةِ قَالَ قُلْتُ: يَا أَبَا سَعِيدٍ، إِنَّكُمْ أَعْلَمُ بِالْعَدَدِ مِنَّا، قَالَ: "أَجَلْ، نَحْنُ أَحَقُّ بِذَلِكَ مِنْكُمْ"، قَالَ قُلْتُ: مَا التَّاسِعَةُ وَالسَّابِعَةُ وَالْخَامِسَةُ؟ قَالَ: "إِذَا مَضَتْ وَاحِدَةٌ وَعِشْرُونَ، فَالَّتِي تَلِيهَا ثِنْتَيْنِ وَعِشْرِينَ وَهِيَ التَّاسِعَةُ، فَإِذَا مَضَتْ ثَلَاثٌ وَعِشْرُونَ، فَالَّتِي تَلِيهَا السَّابِعَةُ، فَإِذَا مَضَى خَمْسٌ وَعِشْرُونَ فَالَّتِي تَلِيهَا الْخَامِسَةُ" – وقَالَ ابْنُ خَلَّادٍ مَكَانَ يَحْتَقَّانِ: يَخْتَصِمَانِ -.
ولهذا من أراد إدراك ليلة القدر فعليه بقيام العشر كاملة.
قال ابن عطية رحمه الله في تفسيره (5/ 505): " وليلة القدر مستديرة في أوتار العشر الأواخر من رمضان، هذا هو الصحيح المعول عليه، وهي في الأوتار بحسب الكمال والنقصان في الشهر، فينبغي لمرتقبها أن يرتقبها من ليلة عشرين، في كل ليلة، إلى آخر الشهر، لأن الأوتار مع كمال الشهر، ليست الأوتار مع نقصانه، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لثالثة تبقى، لخامسة تبقى، لسابعة تبقى، وقال: التمسوها في الثالثة والخامسة والسابعة والتاسعة، وقال مالك: يريد بالتاسعة ليلة إحدى وعشرين، وقال ابن حبيب: يريد مالك إذا كان الشهر ناقصا. فظاهر هذا أنه عليه السلام احتاط في كمال شهر ونقصانه، وهذا لا تتحصل معه الليلة إلا بعمارة العشر كله" انتهى.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "ليلة القدر في العشر الأواخر من شهر رمضان. هكذا صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "هي في العشر الأواخر من رمضان". وتكون في الوتر منها. لكن الوتر يكون باعتبار الماضي، فتطلب ليلة إحدى وعشرين وليلة ثلاث وعشرين وليلة خمس وعشرين وليلة سبع وعشرين وليلة تسع وعشرين. ويكون باعتبار ما بقي، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم "لتاسعة تبقى لسابعة تبقى لخامسة تبقى لثالثة تبقى".
فعلى هذا: إذا كان الشهر ثلاثين يكون ذلك ليالي الأشفاع، وتكون الاثنين والعشرين تاسعة تبقى وليلة أربع وعشرين سابعة تبقى. وهكذا فسره أبو سعيد الخدري في الحديث الصحيح. وهكذا أقام النبي صلى الله عليه وسلم في الشهر. وإن كان الشهر تسعا وعشرين كان التاريخ بالباقي كالتاريخ الماضي.
وإذا كان الأمر هكذا فينبغي أن يتحراها المؤمن في العشر الأواخر جميعه، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم "تحروها في العشر الأواخر" وتكون في السبع الأواخر أكثر" انتهى من "مجموع الفتاوى"(25/ 284).
ثانيا:
هل تختلف ليلة القدر باختلاف البلدان؟
إذا اختلفت البلدان في دخول الشهر، فإن الليلة الفردية في بلد تكون زوجية في أخرى، لكن هذا لا يعني وجود ليلتين بحيث يمكن للإنسان أن يدرك واحدة في بلده ثم يسافر فيدرك الاخرى في بلد آخر! وإنما هي ليلة واحدة.
فلو كانت ليلة القدر هي ليلة 27 من رمضان مثلا، فإن يوم 27 قد يكون الثلاثاء أو الأربعاء، لاختلاف البلدان في دخول الشهر، فتكون ليلة القدر واحدة منهما، فإن كانت ليلة الثلاثاء، فلن تكون ليلة الأربعاء، والعكس صحيح.
فلو كانت ليلة الثلاثاء، فهي ليلة 27 عند قوم، وليلة 26 عند قوم، وهذا يؤكد عدم الاستهانة بالليالي الزوجية؛ لأنها قد تكون في الحقيقة فردية، وحصل خطأ في معرفة دخول الشهر.
بقيت صورة يمكن أن يدرك الإنسان فيها نفس الليلة مرتين، كما لو كانت ليلة الثلاثاء، فأدركها أو ادرك جزءا منها، ثم سافر جهة الغرب، فإنه يدركها مرة أخرى، لأن الليلة تدخل في المشرق أولا.
والله أعلم.
هل انتفعت بهذه الإجابة؟
المصدر:
موقع الإسلام سؤال وجواب
موضوعات ذات صلة