قرأت كلاما للشيخ ابن عثيمين في شرحة لحلية طالب العلم ما نصه :" والحاصل أنه لا يستقيم أن يقال على سبيل الإطلاق: كل من ترك مسنونا فقد وقع في مكروه، أو كل من ترك واجبا فقد وقع في محرم بل يقيد هذا"، فأشكلت علي الجملة الثانية، كيف لا يكون كل من ترك واجبا وقع في محرم؟ فهل كلام الشيخ صحيح؟
هل يصح القول: بأن ليس كل ترك لواجب يعد حراما؟
السؤال: 345470
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.
أولا:
لا شك أن ترك الواجب، من حيث هو : موجب للذم والعقاب، وهذا من علامات الواجب عند الأصوليين.
قال الشيخ ابن عثيمين، رحمه الله في كتابه : "الأصول من علم الأصول"(11) :
" فالواجب لغة: الساقط واللازم.
واصطلاحاً: ما أمر به الشارع على وجه الإلزام؛ كالصلوات الخمس.
فخرج بقولنا: ما أمر به الشارع؛ المحرم والمكروه والمباح.
وخرج بقولنا: على وجه الإلزام؛ المندوب.
والواجب يثاب فاعله امتثالاً، ويستحق العقاب تاركُه." انتهى.
وينظر : "شرح الأصول من علم الأصول" للشيخ رحمه الله ص (51-52).
وقد ذكر الشيخ رحمه الله: أن "العفو" إنما يكون عن استحقاق ذنب، بترك واجب، أو فعل محرم. قال: " قال العلماء: العفو هو المتجاوز عن سيئات عباده سواء كان ذلك بالعفو عن ترك واجب أو العفو عن فعل محرم؛ لأن استحقاق الذنوب يكون بأمرين: إما بترك الواجب، وإما بفعل المحرم، فإذا عفا الله عن إنسان عن ترك الواجب أو فعل المحرم، فمعناه: أنه تجاوز عنه ولم يعاقبه عن ترك الواجب ولا على فعل المحرم، وقوله: "فاعف عني"، أي: تجاوز عني ما اكتسبته بترك الواجب أو فعل المحرم، والأمر هنا للدعاء.
"شرح بلوغ المرام" (3/309).
ولذلك قال الشيخ رحمه الله:
"ما الفرق بين ترك الواجب وفعل المحرم؟.
الجواب: لا فرق" انتهى من "الشرح الممتع"(8/86).
وقال أيضا: " ترك الواجب لا شك أنه يتضمن فعل المحرم"انتهى من"الشرح الممتع" (14/207).
ثانيا:
هذا الكلام صحيح باعتبار ما، وهو النظر إلى "الفاعل المعين"، وما قد يعرض لتركه للواجب الأصلي من عوارض وأعذار، وموانع للحوق الوعيد له على ما تركه من واجب.
فالنظر الأول، في اعتبار "ترك الواجب" فعلا لمحرم، أو مساويا له ، أو آيلا إليه في استحقاق الذم والوعيد ؛ إنما هو باعتبار الواجب من حيث هو ، بغض النظر الشخص المعين المكلف بذلك الواجب الواجب.
والقول المذكور للشيخ ، بأنه ليس كل ترك وقوعا في محرم، ملتفت إلى الفاعل المعين، وما قد يعرض له من العوارض والأعذار.
فمن ذلك : أن يكون المسلم تاركا للواجب متأولا، حيث ترجح عنده عدم وجوب ذلك الأمر.
قال ابن حجر رحمه الله تعالى:
"قال العلماء: كل متأول معذور بتأويله : ليس بآثم إذا كان تأويله سائغا في لسان العرب ، وكان له وجه في العلم" انتهى من"فتح الباري"(12/304).
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى:
" المتأول الذي قصده متابعة الرسول لا يكفر، بل ولا يفسق إذا اجتهد فأخطأ " انتهى من" منهاج السنة"(5/239).
فالمخطئ في فهم النصوص إذا كان قد اجتهد وفق قواعد الشرع في الاجتهاد، فأخطأ فهو معذور.
قال الله تعالى: وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُم بِهِ وَلَكِن مَّا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا الأحزاب/5.
ومن ذلك : أن يترك الواجب للجهل بوجوبه.
راجع جواب سؤال : (الجهل الذي يعذر صاحبه هو الجهل بالحكم لا بالعقوبة).
ومن ذلك : أن يترك الواجب لوجود عذر يمنعه من فعله، كالعجز أو الإكراه، أو النسيان.
عَنْ أَبِي ذَرٍّ الْغِفَارِيِّ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ اللَّهَ تَجَاوَزَ عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأَ، وَالنِّسْيَانَ، وَمَا اسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ رواه ابن ماجه (2043)، وصححه الألباني في "إرواء الغليل"(1/123).
وقال الله تعالى: لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا البقرة/286.
وقال الله تعالى: فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ التغابن/16.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى:
" فمن استقرأ ما جاء به الكتاب والسنة تبين له أن التكليف مشروط بالقدرة على العلم والعمل، فمن كان عاجزا عن أحدهما سقط عنه ما يعجزه ولا يكلف الله نفسا إلا وسعها…؛ ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم لعمران بن حصين: (صل قائما، فإن لم تستطع فقاعدا، فإن لم تستطع فعلى جنب)" انتهى من"مجموع الفتاوى" (21/634).
راجع مثالا لذلك في جواب السؤال رقم: (166788).
ومن ذلك : أن يكون الشرع قد رخص له في ترك الواجب، كمن يترك صيام رمضان في السفر.
ومن ذلك : أن يكون الواجب من واجبات الكفاية إذا قام بها بعض أفراد الأمة سقط الإثم عن الباقين، كالتفقه في الدين وتبليغه للناس.
راجع للفائدة جواب سؤال: (ماذا يعني فرض عين وفرض كفاية؟ ).
والله أعلم.
هل انتفعت بهذه الإجابة؟
المصدر:
موقع الإسلام سؤال وجواب
موضوعات ذات صلة