عندما كنت في١٤ من عمري، جائني فتى قال لي: لا أعرف السباحة، وأود أن أعبر النهر، حيث كنا على النهر، تعاطفت معه لأساعده، وأنا أنقله للضفة الثانية لم أعد أستطيع السباحة، فبدأنا نغرق، وكان علي أن أختار إما أن نموت معا، أو أتركه، وأنجي بنفسي، فأخترت أن أنجو بنفسي، خرجت من الماء، وهربت، لم أستطع الرجوع من شدة الخوف، أي إنني لا أعرف أهله، وكنت بالغا على ما أعتقد وقتها. فما هي كفارتي؟ أو ما هو عقابي؟ وكيف لي أن أكفر عن هذا؟
لم يعلم أي شخص في الدينا بالذي حدث، ولم أستطع إخبار أحد من الخوف حينها، ونسيت الأمر، والآن تذكرته، وأتمنى أن تجاوبني، وأن تقول لي ماذا علي أن أفعل، حتى لو سألت لا أستطيع الوصول لوالديه، أو أحد يخصه؛ بسبب ظروف البلاد حاليا، أرجو الإجابة بالتفصيل.
ساعد صبي في عبور النهر فغرق، فماذا يلزمه؟
السؤال: 349417
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.
أولا:
ما قمت به من نقل الفتى وإعانته على عبور النهر: تفريط ظاهر، فتضمنه.
قال في “كشاف القناع” (6/ 17): “(وإن سلم ولدَه الصغير، أو سلم بالغٌ عاقلٌ نفسَه إلى سابح حاذق، ليعلمه السباحة؛ فغرق: لم يضمنه) السابح؛ (إذ لم يفرط السابح)؛ لأنه فعل ما جرت العادة به، لمصلحته؛ كضرب المعلم الصبي الضربَ المعتاد” انتهى.
فظهر من ذلك: أنهم يشترطون في حق الصغير أن يسلمه أبوه، وهذا في شأن تعلم السباحة، وهو أيسر بكثير من عبور النهر.
بل قال بعض الفقهاء بتضمين المعلم، حتى لو كان الأب هو من سلمه الولد، وهو قول بعض الحنابلة، والمذهب عند الشافعية.
ونص الشافعية على مسألتنا وهي ما لو أدخل بالصبي في الماء ليعبر به، فغرق: أنه يضمنه.
قال في “مغني المحتاج” (8/ 431): ” وإن سلم ولده الصغيرَ إلى السابح، ليعلمه السباحة، فغرق: فالضمان على عاقلة السابح؛ لأنه سلمه إليه ليحتاط في حفظه، فإذا غرق، نُسب إلى التفريط في حفظه” انتهى.
وقال في “أسنى المطالب” (4/ 70): ” (ولو علم ولي، أو غيرُه، بإذنه) أي الولي، (صبيا)، ولو مراهقا (السباحةَ)، أي العوم، (أو الفَراسة) – بفتح الفاء، لغة في الفُرُوسَة والفُروسِيَّة، كما مر – (فهلك: فشبه عمد)؛ فتلزمه ديته، (كضرب المعلم الصبي تأديبا)، إذا هلك به؛ ولأنه هلك بإهماله…
(وإن أدخله الماء ليعبر به، فكما لو ختنه)، وسيأتي بيانه في ضمان المتلفات” انتهى.
ومن ختن صبيا بغير إذن وليه، فمات: ضمنه.
قال الشافعي في “الأم” (6/ 64): ” وإذا أمر أبو الصبي، أو سيد المملوك، الختَّان بختنهما، ففعل، فماتا: فلا عقل، ولا قود، ولا كفارة على الختّان.
وإن ختنهما بغير أمر أبي الصبي أو أمر الحاكم ولا سيد المملوك، وماتا: فعليه الكفارة، وعلى عاقلته دية الصبي، وقيمة العبد” انتهى.
ثانيا:
يترتب على الضمان أمران:
1-الدية وهي على عاقلتك.
2-الكفارة وهي صيام شهرين متتابعين.
والعاقلة هم العصبة، وهم أقاربك الذكور من جهة أبيك.
فإن لم توجد عاقلة، أو امتنعت عن الدفع، فهل تسقط الدية، أم تلزم القاتل؟ في ذلك خلاف.
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: ” مسألة: إذا لم يكن للجاني عاقلة تحمل، لكونهم إناثاً، أو فقراء، أو ما أشبه ذلك فعلى من تجب الدية؟
قالوا: على بيت المال، وإن كان [القاتل] غير مسْلِم، ففي مال الجاني.
قال العلماء: وإذا تعذر بيت المال سقطت الدية.
والصحيح: أنه إذا لم يكن له عاقلة: فعليه.
فإن لم يكن هو واجداً أخذنا من بيت المال؛ وذلك لأن الأصل أن الجناية على الجاني، وحُمِّلَت العاقلة من باب المعاونة والمساعدة” انتهى من “الشرح الممتع” (14/179).
والظاهر: أنه يسعك القول بسقوط الدية إذا لم يكن لك عاقلة، أو وجدت وامتنعت، ولم يكن عندك مال يسعها؛ لا سيما مع عدم التمكن من الوصول إلى ورثة الفتى.
وحينئذ؛ تبقى الكفارة عليك؛ فتصوم شهرين متتابعين؛ لقول الله تعالى: (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِناً إِلا خَطَأً وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِناً خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ إِلا أَنْ يَصَّدَّقُوا فَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ تَوْبَةً مِنَ اللَّهِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً) النساء/92.
والله أعلم.
هل انتفعت بهذه الإجابة؟
المصدر:
موقع الإسلام سؤال وجواب