ما حكم فسخ الإجارة إذا تعذر استيفاء المنفعة التي وقع الاستئجار من أجلها سواء كانت إجارة أعيان أو إجارة أشخاص بأن حصل عذر طارئ يمنع من الانتفاع بالعين، أو بالشخص؟
حكم فسخ الإجارة بالأعذار المانعة من استيفاء منفعة العين أو الشخص المستأجر.
السؤال: 350012
ملخص الجواب
الراجح والله أعلم جواز فسخ عقد الإجارة بالأعذار المانعة من استيفاء المنفعة من العين المستأجرة أو الشخص المستأجر.
Table Of Contents
أولا: الإجارة عقد لازم
الإجارة بنوعيها- إجارة الأشخاص والأعيان- عقدٌ لازم، لا ينفسخ إلا برضا الطرفين، ويجب الوفاء فيها بالعقد إلى تمام مدته.
فمن استأجر موظفا مدة سنة مثلا، كان عليه أن يمكن الموظف من العمل، وكان على الموظف أن يسلم نفسه، ويتفرغ للعمل في وقته المتفق عليه، وبهذا يستحق الأجرة ولو لم يأته عمل.
قال في “كشاف القناع” (4/ 33): “ويستحق الأجير الخاص الأجرة بتسليم نفسه، عمل أو لم يعمل؛ لأنه بذل ما عليه ” انتهى.
هذا هو الأصل العام في أنواع الإيجارات.
ثانيا: هل تنفسخ الإجازة إذا حصل عذر طارئ؟
إذا حصل عذر طارئ يمنع من الانتفاع بالعين، أو بالشخص، فهل تنفسخ هذه الإجارة أم تبقى لازمة للطرفين؟
ومن أمثلة ما ذكروه في تعذر الانتفاع بالعين: ما لو استأجر دارا، ثم نُقل من عمله إلى بلد آخر، فصار لا يمكنه الانتفاع بالدار، أو استأجر أرضا ليزرعها، فانقطع المطر الذي يعتمد عليه في الزراعة، أو استأجر دكانا فاحترقت بضاعته ولم يعد بحاجة للدكان.
ومن أمثلة تعذر الانتفاع بالشخص: ما لو استأجر شخصا، فمرض الشخص ولم يعد يمكنه العمل، أو استأجر مرضعة لترضع طفلا، فمرضت أو صارت حاملا، ويتضرر الطفل بلبنها، أو استأجر طبيبا لخلع ضرس، فزالت علة الضرس.
ومن أمثلة ذلك : ما لو مُنعت المؤسسة من ممارسة العمل، ولديها موظفون، لا تحتاج إليهم، أو لا يمكنها سداد رواتبهم، أو استؤجر من ينقل الطلاب للمدارس ثم أغلقت المدارس بسبب وباء ونحوه، أو استؤجر معلم لتدريس مادة، فألغيت المادة، وغير ذلك من الصور التي يتعذر فيها استيفاء منفعة العين أو منفعة الشخص.
فكل هذه أعذار طارئة على عقد الإجارة، فاختلف أهل العلم في حكمها:
والأصل عند الجمهور لزوم الإجارة، وتوسع الحنفية في اعتبار الأعذار الطارئة.
جاء في الموسوعة الفقهية (1/ 271): ” فسخ الإجارة للعذر:
الحنفية، كما سبق، يرون جواز فسخ الإجارة لحدوث عذر بأحد العاقدين، أو بالمستأجَر (بفتح الجيم) ولا يبقى العقد لازما ويصح الفسخ؛ إذ الحاجة تدعو إليه عند العذر؛ لأنه لو لزم العقد حينئذ للزم صاحب العذر ضرر لم يلتزمه بالعقد. فكان الفسخ في الحقيقة امتناعا من التزام الضرر، وله ولاية ذلك. وقالوا: إن إنكار الفسخ عند تحقق العذر خروج عن الشرع والعقل؛ لأنه يقتضي أن من اشتكى ضرسه، فاستأجر رجلا ليقلعها، فسكن الوجع، يجبر على القلع. وهذا قبيح شرعا وعقلا.
ويقرب منهم المالكية في أصل جواز الفسخ بالعذر، لا فيما توسع فيه الحنفية، إذ قالوا: لو كان العذر بغصب العين المستأجرة أو منفعتها أو أمر ظالم لا تناله الأحكام بإغلاق الحوانيت المكتراة، أو حمل ظئر – لأن لبن الحامل يضر الرضيع – أو مرضها الذي لا تقدر معه على رضاع، حق للمستأجر الفسخ أو البقاء على الإجارة.
وجمهور الفقهاء على ما أشرنا لا يرون فسخ الإجارة بالأعذار؛ لأن الإجارة أحد نوعي البيع، فيكون العقد لازما، إذ العقد انعقد باتفاقهما، فلا ينفسخ إلا باتفاقهما. وقد نص الشافعية على أنه ليس لأحد العاقدين فسخ الإجارة بالأعذار، سواء أكانت على عين أم كانت في الذمة، ما دام العذر لا يوجب خللا في المعقود عليه. فتعذر وقود الحمام، أو تعذر سفر المستأجر، أو مرضه، لا يخوله الحق في فسخ العقد، ولا حط شيء من الأجرة.
وقال الأثرم من الحنابلة: قلت لأبي عبد الله: رجل اكترى بعيرا، فلما قدم المدينة قال له: فاسخني. قال: ليس ذلك له. قلت: فإن مرض المستكري بالمدينة، فلم يجعل له فسخا، وذلك لأنه عقد لازم. وإن فسخه لم يسقط العوض” انتهى.
وقد اختار شيخ الإسلام ابن تيمية انفساخ الإجارة بالأعذار الطارئة، كما اختار نقص الأجرة إذا نفصت منفعة العين، ويأتي نصه.
واختار الشيخ ابن عثيمين رحمه الله انفساخ الإجارة إذا كان سبب تعذر استيفاء المنفعة ظاهرا، فقال :
“قوله: ولا بضياع نفقة المستأجر ونحوه إنسان ـ مثلاً ـ استأجر دكاناً من أجل أن يبيع فيه أموالاً، فاحترقت الأموال، المؤلف يقول: لا تنفسخ الإجارة، ويُلزم هذا الذي احترق ماله بدفع الأجرة؛ لأنه بإمكانه إذا لم ينتفع هو بالدكان أن يؤجره، وربما تكون الأسعار قد ارتفعت بعد، فلهذا لا تنفسخ باحتراق متاع مستأجر الدكان، واختار شيخ الإسلام ـ رحمه الله ـ أنها تنفسخ؛ لأن هذا عذر لا حيلة فيه، والدكان قد يؤجر وقد لا يؤجر، وقاسه ـ رحمه الله ـ على وضع الجوائح، فإن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: إذا بعت من أخيك ثمراً فأصابته جائحة فلا يحل لك أن تأخذ منه شيئاً، بم تأخذ مال أخيك بغير حق؟ وهذا الرجل الذي احترق متاعه لم يقبض المنفعة؛ لأن المنفعة في الإجارة تأتي شيئاً فشيئاً، وهو لم يقبضها وتعذر قبضه إياها بأمر لا قِبَلَ له به، فيكون كالثمر الذي أصابته جائحة، وما ذهب إليه الشيخ ـ رحمه الله ـ أولى، لا سيما إذا كان المؤجر يعلم أن هذا إنما استأجر البيت لبيع هذا المتاع الذي احترق، أما إذا كان لا يدري، مثل لو جاءه إنسان واستأجر منه الدكان ولم يقل له شيئاً، فهنا قد يتوجه ما قاله المؤلف ـ رحمه الله ـ أن الإجارة لا تنفسخ؛ لأن المؤجر لا يعلم.
مثله ـ أيضاً ـ ضياع نفقة المستأجر، مثل لو استأجر رجلٌ بعيراً ليحج عليه، فأراد الله ـ عزّ وجل ـ أن تضيع نفقته، وإذا ضاعت النفقة لا يمكن أن يحج، اللَّهم إلاّ بقرض، والقرض لا يلزمه، يقول المؤلف: إن الإجارة لا تنفسخ؛ لأن العذر هنا لا يتعلق بنفس المعقود عليه، ونقول لهذا الذي ضاعت نفقته وترك الحج: بإمكانك أن تؤجر البعير.
والقول الراجح في هذه المسألة أن الإجارة تنفسخ؛ لأن صاحب البعير حيث علم أن الرجل استأجرها ليحج عليها، وأن نفقته ضاعت فالعذر هنا واضح ولا قِبَلَ له به، فهو كوضع الجوائح” انتهى من “الشرح الممتع” (10/72).
وقال الدكتور وهبة الزحيلي: ” أما فسخ الإجارة بالأعذار، فقد أجازه فقهاء الحنفية كما تقدم، فقالوا: تفسخ الإجارة بالأعذار؛ لأن الحاجة تدعو إلى الفسخ عند العذر؛ لأنه لو لزم العقد عند تحقق العذر للزم صاحب العذر ضرر لم يلتزمه بالعقد.
والعذر: هو كل ما يكون أمراً عارضاً، يتضرر به العاقد في نفسه أو ماله مع بقاء العقد، ولا يندفع بدون الفسخ.
والأعذار ثلاثة أنواع:
أـ عذر من جانب المستأجر: كإفلاسه أو انتقاله من حرفة إلى أخرى؛ لأن المفلس أو المنتقل من عمل لا ينتفع به إلا بضرر، فلا يجبر على البقاء في الحرفة الأولى مثلاً.
ب ـ عذر من جانب المؤجر: كأن يلحقه دين فادح لا يجد طريقاً لوفائه إلا ببيع الشيء المأجور وأدائه من ثمنه، بشرط أن يثبت الدين بالبينة أو الإقرار.
ج ـ عذر راجع للعين المؤجرة أو الشيء المأجور: كأن يستأجر شخص حماماً في قرية ليستغله مدة معلومة، ثم يهاجر أهل القرية، فلا يجب عليه الأجر للمؤجر. ومثل استئجار مرضع لإرضاع طفل، ثم يأبى الصبي لبنها، أو إمساك الثدي، أو تمرض هي، أو يريد أهل الصبي السفر، فامتنعت، كان هذا عذراً في فسخ الإجارة” انتهى من الفقه الإسلامي وأدلته (4/ 3232).
وقد أخذت هيئة المعايير الشرعية بفسخ الإجارة للأعذار الطارئة.
جاء في معيار الإجارة: “يجوز فسخ عقد الإجارة باتفاق الطرفين، ولا يحق لأحدهما فسخها إلا بالعذر الطارئ، كما يحق للمستأجر الفسخ بسبب العيب الحادث في العين المخل بالانتفاع” انتهى من المعايير الشرعية، ص 141
والحاصل:
أن الراجح والله أعلم جواز فسخ عقد الإجارة بالأعذار المانعة من استيفاء المنفعة من العين المستأجرة أو الشخص المستأجر.
والله أعلم
هل انتفعت بهذه الإجابة؟
المصدر:
موقع الإسلام سؤال وجواب