0 / 0

هل السآمة من المداومة على طعام واحد مكروهة؟

السؤال: 351378

هناك نوع من الدجاج المتبل يوزع علي المسلمين من قبل المسجد؛ لأن تخزينه مكلف، والدي يجلب لنا دوما هذا الدجاج المتبل، فقامت أمي بالتعبير عن السأم من تكرار نفس نوع الدجاج كل يوم، حينها خطر ببالي سؤال له علاقة بقصص بني إسرائيل، قال الله عزوجل:  وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَىٰ لَنْ نَصْبِرَ عَلَىٰ طَعَامٍ وَاحِدٍ … ، سؤالي هو ما الشيء المعيب في أن يسأم الإنسان من التكرار في نفس صنف الطعام ؟ حتي إن كثرة أنواع الطعام وأصنافه مما من الله تعالى به علي المسلمين في الجنة إذ يقول عزوجل: (لَكُمْ فِيهَا فَاكِهَةٌ كَثِيرَةٌ مِنْهَا تَأْكُلُونَ)، فما هو ذنب بني إسرائيل تحديدا؟ وما هو جرمهم حين أرادوا التغيير في طعامهم؟

الجواب

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.

أولا:

قال الله تعالى: ( وَإِذْ قُلْتُمْ يَامُوسَى لَنْ نَصْبِرَ عَلَى طَعَامٍ وَاحِدٍ فَادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُخْرِجْ لَنَا مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ مِنْ بَقْلِهَا وَقِثَّائِهَا وَفُومِهَا وَعَدَسِهَا وَبَصَلِهَا قَالَ أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنَى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ اهْبِطُوا مِصْرًا فَإِنَّ لَكُمْ مَا سَأَلْتُمْ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقِّ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ ) البقرة/61.

سياق الآية يشير إلى أن التوبيخ الذي نالوه، لم يكن بمجرد طلب طعام غير الذي يأتيهم، وإنما انضافت إليه أمور جعلت طلبهم هذا سوء أدب منهم:

فهذا النعيم الذي كان يأتيهم من غير كد ولا شقاء، أنعم الله تعالى عليهم به وهم في التيه.

قال القرطبي رحمه الله تعالى:

” قوله تعالى: ( وَإِذْ قُلْتُمْ يَامُوسَى لَنْ نَصْبِرَ عَلَى طَعَامٍ وَاحِدٍ ) كان هذا القول منهم في التّيه، حين ملوا المنّ والسّلوى، وتذكروا عيشهم الأول بمصر ” انتهى من “تفسير القرطبي” (2/ 142).

وكان سبب التّيه هو عنادهم وعصيانهم لما أمروا به من دخول الأرض المقدسة.

قال الله تعالى: ( وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَاقَوْمِ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَعَلَ فِيكُمْ أَنْبِيَاءَ وَجَعَلَكُمْ مُلُوكًا وَآتَاكُمْ مَا لَمْ يُؤْتِ أَحَدًا مِنَ الْعَالَمِينَ ، يَاقَوْمِ ادْخُلُوا الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَلَا تَرْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خَاسِرِينَ ، قَالُوا يَامُوسَى إِنَّ فِيهَا قَوْمًا جَبَّارِينَ وَإِنَّا لَنْ نَدْخُلَهَا حَتَّى يَخْرُجُوا مِنْهَا فَإِنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا فَإِنَّا دَاخِلُونَ ، قَالَ رَجُلَانِ مِنَ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمَا ادْخُلُوا عَلَيْهِمُ الْبَابَ فَإِذَا دَخَلْتُمُوهُ فَإِنَّكُمْ غَالِبُونَ وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ، قَالُوا يَامُوسَى إِنَّا لَنْ نَدْخُلَهَا أَبَدًا مَا دَامُوا فِيهَا فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلَا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ ، قَالَ رَبِّ إِنِّي لَا أَمْلِكُ إِلَّا نَفْسِي وَأَخِي فَافْرُقْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ ، قَالَ فَإِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ أَرْبَعِينَ سَنَةً يَتِيهُونَ فِي الْأَرْضِ فَلَا تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ ) المائدة/20 – 26.

ومَنْ هذه حاله؛ فالذي يقتضيه الأدب مع الله تعالى: أن يقابلوا هذه النعمة بالشكر بأن لم يكلهم إلى أنفسهم بلا طعام ولا شراب، في هذا التّيه، بل قابل الله تعالى عنادهم برحمته ولطفه، فقابلهم بطعام طيب لا شقاء فيه، وهذه الحال تستدعي منهم الحياء من الله تعالى، لا العناد والشكوى.

كما أن هذا الطلب ورد بصيغة تدل على العناد والغطرسة.

قال الشوكاني رحمه الله تعالى:

” وقوله: ( لَنْ نَصْبِرَ عَلَى طَعَامٍ وَاحِدٍ ) تضجُّر منهم بما صاروا فيه من النعمة والرزق الطيب والعيش المستَلَذِّ، ونزوع إلى ما ألفوه قبل ذلك من خشونة العيش:

إن الشقي بالشقاء مولع … لا يملك الرد له إذا أتى

ويحتمل أن لا يكون هذا منهم تشوقا إلى ما كانوا فيه، ونظرا لما صاروا إليه من العيشة الرافهة، بل هو باب من تعنتهم، وشعبة من شعب تعجرفهم، كما هو دأبهم، وهجّيراهم في غالب ما قص علينا من أخبارهم ” انتهى من “فتح القدير” (1/200).

ومما يؤكد أن طلبهم كان بعناد، أنهم لما أمروا أن يدخلوا الأرض المقدسة، ويأكلوا من الخير الذي فيها، عاندوا ودخلوا بصفة غير الصفة التي أمروا بها.

قال الله تعالى:

( وَإِذْ قُلْنَا ادْخُلُوا هَذِهِ الْقَرْيَةَ فَكُلُوا مِنْهَا حَيْثُ شِئْتُمْ رَغَدًا وَادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا وَقُولُوا حِطَّةٌ نَغْفِرْ لَكُمْ خَطَايَاكُمْ وَسَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ * فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا قَوْلًا غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ فَأَنْزَلْنَا عَلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا رِجْزًا مِنَ السَّمَاءِ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ ) البقرة/58 – 59.

فهم لم يحمدوا الله تعالى على هذه النعمة التي كانوا فيها ثم يطلبوا المزيد بخضوع وتذلل لله تعالى، بل جاهروا بعدم الصبر؛ حيث قالوا: ( لَنْ نَصْبِرَ عَلَى طَعَامٍ وَاحِدٍ ).

قال الشيخ الطاهر ابن عاشور رحمه الله تعالى:

” في صيغة طلبهم من الجفاء وقلة الأدب مع الرسول ومع المنعم إذ قالوا: ” لن نصبر”؛ فعبروا عن تناول المن والسلوى بالصبر المستلزم الكراهية، وأتوا بما دل عليه ” لن ” في حكاية كلامهم، من أنهم لا يتناولون المن والسلوى من الآن…

وفي ذلك إلجاء لموسى أن يبادر بالسؤال، يظنون أنهم أيأسوه من قبول المن والسلوى بعد ذلك الحين ” انتهى من “التحرير والتنوير” (1/521).

وكذلك في صيغة الخطاب فلم يقابلوا نعمة الله تعالى بالشكر، بل بالكفران حيث لم يقولوا: “ربنا” وهم في حال دعاء وطلب، بل قالوا لموسى عليه السلام: ( فَادْعُ لَنَا رَبَّكَ ).

قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى:

” وكلمة: (فَادْعُ لَنَا رَبَّكَ): تدل على جفاء عظيم منهم؛ فهم لم يقولوا: “ادع لنا ربنا”، أو “ادع الله”؛ بل قالوا: “ادْعُ لَنَا رَبَّكَ”، وكأنهم بريئون منه، والعياذ بالله؛ وهذا من سفههم، وغطرستهم، وكبريائهم ” انتهى من “تفسير سورة البقرة” (ص 211).

ثم كان الذي طلبوه أقل شأنا من الطعام الذي يأتيهم وهو “المن والسلوى”، وهذا سوء اختيار منهم لأنفسهم.

قال الشوكاني رحمه الله تعالى:

” والمراد: أتضعون هذه الأشياء التي هي دونٌ، موضعَ المن والسلوى اللذين هما خير منها، من جهة الاستلذاذ والوصول من عند الله بغير واسطة أحد من خلقه، والحِلِّ الذي لا تطرقه الشبهة، وعدم الكُلْفة بالسعي له والتعب في تحصيله ” انتهى من “فتح القدير” (1 / 201).

فمثلهم كمثل الذي يسأل زوال النعمة، وهو نوع من كفران النعم، كما حصل للقوم الذين سهّل الله عليهم السفر، فطلبوا حصول المشقة، وهذا في قوله تعالى:

( وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْقُرَى الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا قُرًى ظَاهِرَةً وَقَدَّرْنَا فِيهَا السَّيْرَ سِيرُوا فِيهَا لَيَالِيَ وَأَيَّامًا آمِنِينَ * فَقَالُوا رَبَّنَا بَاعِدْ بَيْنَ أَسْفَارِنَا وَظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ فَجَعَلْنَاهُمْ أَحَادِيثَ وَمَزَّقْنَاهُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ ) سبأ/18 – 19.

ثانيا:

أما مجرد طلب الشخص ممن يعوله تغيير الطعام، أو إظهار الملل من طعام واحد، من غير كفران لهذه النعمة، فلا يعلم ما يدل على تحريمه، وإنما هو خلاف كمال شكر النعمة، وخلاف الأدب مع نعم الله عز وجل، وخلاف هدي النبي صلى الله عليه وسلم.

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: ( مَا عَابَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طَعَامًا قَطُّ، إِنِ اشْتَهَاهُ أَكَلَهُ، وَإِنْ كَرِهَهُ تَرَكَهُ ) رواه البخاري (5409)، ومسلم (2064).

قال أبو العباس القرطبي رحمه الله تعالى:

” هذا من أحسن آداب الأكل، وأهمها، وذلك: أن الأطعمة كلها نعم الله تعالى، وعَيْبُ شيءٍ من نعم الله تعالى مخالف للشكر الذي أمر الله تعالى به عليها.

وعلى هذا: فمن استطاب طعاما فليأكل، ويشكر الله تعالى؛ إذ مكنه منه، وأوصل منفعته إليه. وإن كرهه؛ فليتركه، ويشكر الله تعالى؛ إذ مكنه منه، وأعفاه عنه، ثم قد يستطيبه، أو يحتاج إليه في وقت آخر فيأكله، فتتم عليه النعمة، ويسلم مما يناقض الشكر ” انتهى من “المفهم” (5 / 344).

ويزداد قبح هذه الحال: إذا كان هذا القائل، من زوجة أو ولد، يحمل كاسبهم على أن يتكلف فوق ما يطيق، أو يطلب لهم ما يشتهون، وماله لا يسع ذلك؛ فمثل هذا من يكون من سوء العشرة المذموم، وبطر العيش؛ ولا يكلف الله نفسا إلا وسعها، وليس على راعي الأسرة أن يطلب لهم ما يشتهون، مما لا يقدر عليه، ولا يسعه ماله. وقد قال الله عز وجل: ( لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آتَاهَا سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا ) الطلاق/7.

ومهما مل الآكل من هذه المطاعم، ونظر إليها بنظرة الازدراء والاستقلال، وصغرت عليه؛ فليؤدب نفسه بالنظر إلى من لا يجد شيئا منها، بل من لا يكاد يجد ما يملأ بطنه من طعام، إيِ طعام؛ وما أكثرها حتى في هذا الزمان الذي يمل فيه الناس ما يملون من النعم!!

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( انْظُرُوا إِلَى مَنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ، وَلَا تَنْظُرُوا إِلَى مَنْ هُوَ فَوْقَكُمْ، فَهُوَ أَجْدَرُ أَنْ لَا تَزْدَرُوا نِعْمَةَ اللهِ – قَالَ أَبُو مُعَاوِيَةَ – عَلَيْكُمْ ). متفق عليه، وهذا لفظ مسلم (2963).

ثالثا:

لا عَتْبَ على الشخص أن تكره نفسه طعاما ما، من غير أن يشتكي كما يشير قوله: ( وَإِنْ كَرِهَهُ تَرَكَهُ ).

وفي هذه الحال ليس عليه أن يجبر نفسه على الأكل مما يكره.

قال ابن هبيرة رحمه الله تعالى:

” وفيه: أن النبي صلى الله عليه وسلم لا يأكل إلا ما يشتهيه، لقوله: ( كان إذا اشتهى شيئا أكله )، وهذا يدل على أنه يستحب للإنسان ألا يأكل من الطعام إلا ما يشتهيه، ولا يجاهد نفسه على تناول ما لا يريده ” انتهى من “الإفصاح” (7 / 166).

وأما إن كان طلب التغيير بسبب تضرر البطن منه: فهذا أولى بالعذر.

وفي حديث أَبِي حَرْبٍ، أَنَّ طَلْحَةَ حَدَّثَهُ، وَكَانَ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: أَتَيْتُ الْمَدِينَةَ وَلَيْسَ لِي بِهَا مَعْرِفَةٌ، فَنَزَلْتُ فِي الصُّفَّةِ مَعَ رَجُلٍ، فَكَانَ بَيْنِي وَبَيْنَهُ كُلَّ يَوْمٍ مُدٌّ مِنْ تَمْرٍ، فَصَلَّى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ يَوْمٍ، فَلَمَّا انْصَرَفَ، قَالَ رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِ الصُّفَّةِ: يَا رَسُولَ اللهِ أَحْرَقَ بُطُونَنَا التَّمْرُ، وَتَخَرَّقَتْ عَنَّا الْخُنُفُ، فَصَعِدَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَخَطَبَ ثُمَّ قَالَ:

( وَاللهِ لَوْ وَجَدْتُ خُبْزًا، أَوْ لَحْمًا لَأَطْعَمْتُكُمُوهُ، أَمَا إِنَّكُمْ تُوشِكُونَ أَنْ تُدْرِكُوا، وَمَنْ أَدْرَكَ ذَاكَ مِنْكُمْ أَنْ يُرَاحَ عَلَيْكُمْ بِالْجِفَانِ، وَتَلْبَسُونَ مِثْلَ أَسْتَارِ الْكَعْبَةِ ) رواه الإمام أحمد في “المسند” (25 / 364)، وصحح إسناده محققو المسند.

(الخنف) نوع من الثياب، يقصدون بذلك شكوى الفقر والحاجة ، وأنهم لا يجدون طعاما ولا ثيابا.

والله أعلم.
 

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر

موقع الإسلام سؤال وجواب

at email

النشرة البريدية

اشترك في النشرة البريدية الخاصة بموقع الإسلام سؤال وجواب

phone

تطبيق الإسلام سؤال وجواب

لوصول أسرع للمحتوى وإمكانية التصفح بدون انترنت

download iosdownload android