ما حكم المسلم المؤمن الذي يكره بداخل نفسه بعضا من إخوانه المسلمين، أو ينزعج منهم، وذلك لضعف همتهم سوءا في الدين، أو في طلب العلم، أو سوء أخلاقهم، أو جبنهم، أو غبائهم، أو ضعف شخصيتهم .
فهل هذا يعد من احتقار المؤمنين الذي نهينا عنه؟ وهل هو تحسس و وسوسة من الشيطان؟ وإن كانوا أفرادا من عائلته فكيف يتعامل معهم؟
هل كرهه لبعض المسلمين الذين تقع منهم ذنوب ومعاصي من الاحتقار؟
السؤال: 352461
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.
أولا:
اشتمال قلب المسلم على كره وانزعاج ممن يراه على معصية أو إسراف وهدر للوقت أو تفريط في العلم النافع، هو نوع من إنكار المنكر بالقلب؛ فالمسلم الصادق يكره أن يرى تقصيرا أو تفريطا في أمر الدين.
عن أَبي سَعِيدٍ الخدري، قال: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُول: (مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرًا فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ، وَذَلِكَ أَضْعَفُ الْإِيمَانِ) رواه مسلم (49).
وروى ابن أبي شيبة في “المصنف” (19/340) بإسناد رجاله ثقات، قال: حدثنا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنِ الْمُسَيِّبِ بْنِ رَافِعٍ، قَالَ: قَالَ عَبْدُ اللَّهِ: ( إِنِّي لَأَمْقُتُ الرَّجُلَ أَنْ أَرَاهُ فَارِغًا لَيْسَ فِي شَيْءٍ مِنْ عَمَلِ الدُّنْيَا وَلَا عَمَلِ الْآخِرَةِ ).
لكن المسيب لم يسمع من ابن مسعود كما نص على هذا عدد من أئمة الحديث.
ورواه الإمام أحمد في “الزهد” (874) من كلام المسيب بن رافع.
وليس هذا من الكبر؛ لأن الكبر هو احتقار الناس ، والترفع عليهم .
عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ( لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ مِنْ كِبْرٍ.
قَالَ رَجُلٌ: إِنَّ الرَّجُلَ يُحِبُّ أَنْ يَكُونَ ثَوْبُهُ حَسَنًا وَنَعْلُهُ حَسَنَةً، قَالَ: إِنَّ اللهَ جَمِيلٌ يُحِبُّ الْجَمَالَ، الْكِبْرُ بَطَرُ الْحَقِّ، وَغَمْطُ النَّاسِ ) رواه مسلم (91).
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى:
” فإن النبي صلى الله عليه وسلم قد فسّر الكبر في الحديث الصحيح بأنه بطر الحق وغمط الناس…
وبطر الحق: جحده ودفعه، وغمط الناس احتقارهم وازدراؤهم ” انتهى من “مجموع الفتاوى” (7/ 625).
لكن يجب أن ينضبط هذا الكره بالشرع، فلا يهدر الكاره حق الأخوة الإسلامية، فإن المسلم العاصي يبغض لمعصيته، ويحب لإيمانه.
ففي “الجامع” لمعمر بن راشد – ملحق مصنف عبد الرزاق (20267) – ، ومن طريقه: البيهقي في “الشعب” (6264)، والبغوي في “شرح السنة” (3559)، عَنْ أيُّوبَ، عَنْ أبِي قِلابَةَ، أنَّ أبا الدَّرْداءِ مَرَّ عَلى رَجُلٍ قَدْ أصابَ ذَنْبًا، فَكانُوا يَسُبُّونَهُ، فَقالَ: أرَأيْتُمْ لَوْ وجَدْتُمُوهُ فِي قَلِيبٍ ألَمْ تَكُونُوا مُسْتخْرِجِيهِ؟، قالُوا: بَلى، قالَ: فَلا تَسُبُّوا أخاكُمْ واحْمَدُوا اللَّهَ الَّذِي عافاكُمْ، قالُوا: أفَلا تَبْغَضُهُ؟ قالَ: إنَّما أبْغَضُ عَمَلَهُ، فَإذا تَرَكَهُ فَهُوَ أخِي.
ورواه أيضا: أبو داود في “الزهد” (232).
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى:
” وإذا اجتمع في الرجل الواحد خير وشر، وفجور وطاعة ومعصية، وسنة وبدعة:
استحق من الموالاة والثواب؛ بقدر ما فيه من الخير.
واستحق من المعاداة والعقاب؛ بحسب ما فيه من الشر.
فيجتمع في الشخص الواحد: موجبات الإكرام، والإهانة؛ فيجتمع له من هذا، وهذا، كاللص الفقير تقطع يده لسرقته، ويعطى من بيت المال ما يكفيه لحاجته.
هذا هو الأصل الذي اتفق عليه أهل السنة والجماعة ” انتهى من “مجموع الفتاوى” (28/209).
فيجب عليك مع انزعاجك منهم، أن تؤدي إليهم حقوقهم الشرعية، من السلام عليهم، ونصحهم، ونصرتهم، وعدم احتقارهم، وعدم ظلمهم .
عَنِ أَبي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: ( حَقُّ المُسْلِمِ عَلَى المُسْلِمِ خَمْسٌ: رَدُّ السَّلاَمِ، وَعِيَادَةُ المَرِيضِ، وَاتِّبَاعُ الجَنَائِزِ، وَإِجَابَةُ الدَّعْوَةِ، وَتَشْمِيتُ العَاطِسِ ) رواه البخاري (1240)، ومسلم (2162).
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ، لَا يَظْلِمُهُ، وَلَا يَخْذُلُهُ، وَلَا يَحْقِرُهُ … بِحَسْبِ امْرِئٍ مِنَ الشَّرِّ أَنْ يَحْقِرَ أَخَاهُ الْمُسْلِمَ، كُلُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ حَرَامٌ، دَمُهُ، وَمَالُهُ، وَعِرْضُهُ ) رواه مسلم (2564).
بل وفوق ذلك، وذلك: مقام نصحهم، والشفقة عليهم، ودعوتهم إلى مكارم الأخلاق، ومعالي الأمور، بحسب الوسع والطاقة.
ثانيا:
وأما من ابتلي بجبن أو بلادة ذهن أو ضعف، فهذا لم يفعل ما يوجب معاقبته بالبغض، بل يشفق عليه بالنصح والمساعدة، كما أشار إلى هذا حديث أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( لَا يَفْرَكْ مُؤْمِنٌ مُؤْمِنَةً، إِنْ كَرِهَ مِنْهَا خُلُقًا رَضِيَ مِنْهَا آخَرَ ) رواه مسلم (1469) والفرك هو شدة البغض .
قال الشيخ عبد الرحمن السعدي رحمه الله تعالى:
” وهذا الأدب الذي أرشد إليه صلّى الله عليه وسلم، ينبغي سلوكه واستعماله مع جميع المعاشرين والمعاملين؛ فإن نفعه الديني والدنيوي كثير، وصاحبه قد سعى في راحة قلبه، وفي السبب الذي يدرك به القيام بالحقوق الواجبة والمستحبة؛ لأن الكمال في الناس متعذر.
وحسب الفاضل أن تعدَّ معايبه. وتوطين النفس على ما يجيء من المعاشرين مما يخالف رغبة الإنسان: يسهل عليه حسن الخلق، وفعل المعروف والإحسان مع الناس. والله الموفق ” انتهى. “بهجة قلوب الأبرار” (ص 112).
والله أعلم.
هل انتفعت بهذه الإجابة؟
المصدر:
موقع الإسلام سؤال وجواب