كان زوجي يؤم بي في الصلاة وهو جالس في الفروض؛ بسبب ألم في ركبه لفترة من الزمن، ثم تحسنت حالته، وصار يستطيع الصلاة بدون كرسي، وصلى بي على كرسي ناسياً لعدة أيام، ولم أعلم، فما حكم صلاتي وصلاته؟
صلى بها زوجها جالسا أثناء مرضه ثم صلى أسبوعا جالسا بعد شفائه ناسيا وصلت خلفه جالسة
السؤال: 355576
Table Of Contents
أولا:
يجوز الجلوس له عجز عن القيام في صلاة الفريضة
من لم يستطع القيام في الفرض، أو كان القيام يضره، أو يؤخر برءه بشهادة طبيب مسلم ثقة، جاز له أن يصلي قاعدا.
والدليل على ذلك ما رواه البخاري (1050) عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : “كَانَتْ بِي بَوَاسِيرُ فَسَأَلْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الصَّلَاةِ فَقَالَ: (صَلِّ قَائِمًا، فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فَقَاعِدًا، فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فَعَلَى جَنْبٍ).
قال ابن قدامة رحمه الله : ” ( والمريض إذا كان القيام يزيد في مرضه صلى قاعدا).
أجمع أهل العلم على أن من لا يطيق القيام له أن يصلي جالسا.
وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم لعمران بن حصين : (صل قائما، فإن لم تستطع فقاعدا، فإن لم تستطع فعلى جنب). رواه البخاري وأبو داود والنسائي وزاد : (فإن لم تستطع فمستلقيا لا يكلف الله نفسا إلا وسعها).
وروى أنس قال : سقط رسول الله صلى الله عليه وسلم عن فرس فخُدِش أو جُحش شقه الأيمن فدخلنا عليه نعوده، فحضرت الصلاة فصلى قاعدا، وصلينا خلفه قعودا. متفق عليه.
وإن أمكنه القيام إلا أنه يخشى زيادة مرضه به، أو تباطؤ برئه، أو يشق عليه مشقة شديدة، فله أن يصلي قاعدا. ونحو هذا قال مالك وإسحاق ” انتهى من “المغني” (1/443) .
وقال النووي رحمه الله : ” أجمعت الأمة على أن من عجز عن القيام في الفريضة صلاها قاعدا ولا إعادة عليه، قال أصحابنا : ولا ينقص ثوابه عن ثوابه في حال القيام؛ لأنه معذور، وقد ثبت في صحيح البخاري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : (إذا مرض العبد أو سافر كتب له ما كان يعمل صحيحا مقيما) .
قال أصحابنا : ولا يشترط في العجز أن لا يتأتّى القيام ، ولا يكفي أدنى مشقة ، بل المعتبر المشقة الظاهرة ، فإذا خاف مشقة شديدة أو زيادة مرض أو نحو ذلك ، أو خاف راكب السفينة الغرق ، أو دوران الرأس صلى قاعدا ولا إعادة ” انتهى من “المجموع” (4/201).
ثانيا:
حكم إمامة الجالس بغيره في الصلاة
يجوز أن يؤم القاعد في الفرض قاعدا مثله، ولا يجوز أن يؤم الصحيح –عند كثير من الفقهاء إلا بشرطين-:
1-أن يكون إمام الحي أو الإمام الراتب.
2-أن يرجى زوال علته.
ورجح الشيخ ابن عثيمين رحمه الله أنه لا يشترط ذلك، وأن الإمام القاعد إذا كان هو الأقرأ جاز أن يؤم الأصحاء، سواء كان إمام الحي أو غيره، وسواء رجي زوال علته أم لا.
قال رحمه الله: “إنَّ المؤلِّفَ اشترط شرطين لصلاةِ المأمومينَ القادرينَ على القيامِ خلفَ الإِمامِ العاجزِ عنه.
الشرط الأول: أن يكون إمامَ الحي.
الشرط الثاني: أن تكون عِلَّتُه مرجوةَ الزوال.
ومِن المعلومِ أن القاعدة الأصولية: أن ما وَرَدَ عن الشارع مطلقاً، فإنَّه لا يجوز إدخال أيِّ قيدٍ مِن القيود عليه إلا بدليل؛ لأنه ليس لنا أن نقيِّد ما أطلقه الشرعُ. وهذه القاعدةُ تفيدك كثيراً في مسائلَ؛ منها المسحُ على الخُفَّينِ، فقد أطلقَ الشارعُ المسحَ على الخُفَّينِ، ولم يشترط في الخُفِّ أن يكون مِن نوعٍ معيَّنٍ، ولا أن يكون سليماً مِن عيوبٍ ذكروا أنها مانعة مِن المسحِ كالخرق وما أشبهه، فالواجبُ علينا إطلاقُ ما أطلقَه الشرعُ؛ لأننا لسنا الذين نتحكَّمُ بالشرعِ، ولكن الشرعُ هو الذي يَحكمُ فينا، أمَّا أن نُدخِلَ قيوداً على أمْرٍ أطلقه الشرعُ فهذا لا شَكَّ أنه ليس مِن حَقِّنا، فلننظرْ إلى المسألة هنا، فقد قال النَّبيُّ صلّى الله عليه وسلّم: إنَّما جُعِلَ الإِمامُ ليؤتمَّ به، فإذا كبَّر فكبِّروا، وإذا ركعَ فاركعوا، وإذا سَجَدَ فاسجدوا، وإذا صَلَّى قائماً فصلّوا قياماً، وإذا صلّى قاعداً فصلّوا قعوداً أجمعون هل هذه الأحكام التي جعلها الشارعُ في مسارٍ واحدٍ تختلفُ بين إمامِ الحيِّ وغيرِه أو لا؟
فهل نقولُ إذا كبّر إمام الحَيِّ فكبِّرْ، وإذا رَكَعَ فاركعْ، وإذا كَبَّرَ غيرُ إمامِ الحَيِّ فأنت بالخيارِ، وإذا رَكَعَ فأنت بالخيارِ؟
الجواب: لا، فالأحكامُ هذه كلُّها عامةٌ لإِمامِ الحَيِّ ولغيرِه، وعلى هذا يتبيَّنُ ضعفُ الشرطِ الأولِ الذي اشترطه المؤلِّفُ، وهو قوله: إمام الحي، ونقول: إذا صَلَّى الإِمامُ قاعداً فنصلِّي قعوداً، سواء كان إمامَ الحَيِّ أم غيره، وقد قال النَّبيُّ عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ: يَؤمُّ القومَ أقرؤهم لكتابِ الله، فإذا كان هذا الأقرأُ عاجزاً عن القيام، قلنا: أنت إمامُنا فَصَلِّ بنا. وإذا صَلَّى بنا قاعداً فإننا نصلِّي خلفَه قُعوداً بأمرِه صلّى الله عليه وسلّم في كونه إمامَنا، وبأمره في كوننا نصلِّي قعوداً.
والشرط الثاني: المرجو زوال عِلَّتِهِ.
هذا أيضاً قيدٌ في أمرٍ أطلقَه الشارعُ، فإنَّ النَّبيَّ صلّى الله عليه وسلّم لم يقل: إذا صَلَّى قاعداً وأنتم ترجون زوالَ عِلَّته فصلُّوا قعوداً، بل قال: إذا صلّى قاعداً فصلّوا قعوداً أجمعون وعلى هذا؛ فإننا نصلِّي قعوداً خلفَ الإِمامِ العاجزِ عن القيامِ، سواءٌ كان ممن يُرجى زوالُ عِلَّتِهِ، أو ممن لا يُرجى زوالُ عِلَّتِه.
والدليل: عمومُ النَّصِّ، فالدليلُ عامٌّ مطلقٌ، فإذا كان عاماً مطلقاً ، فليس لنا أن نخصِّصَهُ ولا أن نقيّدَه؛ لأننا عبيدٌ محكومٌ علينا، ولسنا بحاكمين، وليس هناك دليلٌ يدلُّ على هذا القيد مِن الكتابِ والسُّنَّةِ ولا الإِجماعِ، فإذا انتفى ذلك وَجَبَ أن يبقى النَّصُّ على إطلاقِهِ فلا يُشترطُ أن يكونَ عجزُ الإِمامِ عن القيامِ مرجوَّ الزَّوالِ” انتهى من “الشرح الممتع (4/ 233-235).
ثالثا:
هل يجوز للمأموم أن يصلي قائما خلف إمام جالس؟
إذا صلى الإمام جالسا، صلى من خلفه جلوسا، استحبابا، ولو صلوا قياما: صح، وهذا مذهب الإمام أحمد رحمه الله، وذهب الجمهور إلى وجوب أن يصلوا قياما.
واحتج الإمام أحمد بما روى البخاري (689)، ومسلم (411) عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ : “أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَكِبَ فَرَسًا، فَصُرِعَ عَنْهُ، فَجُحِشَ شِقُّهُ الْأَيْمَنُ، فَصَلَّى صَلَاةً مِنْ الصَّلَوَاتِ وَهُوَ قَاعِدٌ، فَصَلَّيْنَا وَرَاءَهُ قُعُودًا، فَلَمَّا انْصَرَفَ قَالَ:
(إِنَّمَا جُعِلَ الْإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ، فَإِذَا صَلَّى قَائِمًا فَصَلُّوا قِيَامًا، فَإِذَا رَكَعَ فَارْكَعُوا، وَإِذَا رَفَعَ فَارْفَعُوا، وَإِذَا قَالَ : سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ ، فَقُولُوا : رَبَّنَا وَلَكَ الْحَمْدُ، وَإِذَا صَلَّى قَائِمًا فَصَلُّوا قِيَامًا، وَإِذَا صَلَّى جَالِسًا فَصَلُّوا جُلُوسًا أَجْمَعُونَ).
واحتج الجمهور بأن النَّبيَّ صلّى الله عليه وسلّم خَرَجَ في مَرَضِ موتِه والناسُ يصلُّون خلفَ أبي بكرٍ، فتقدَّمَ حتى جَلَسَ عن يسارِ أبي بكرٍ، فجعل يُصلِّي بهم عليه الصَّلاةُ والسَّلام قاعداً وهم قيام، هم يَقتدون بأبي بكرٍ، وأبو بكر يقتدي بصلاةِ النَّبيِّ صلّى الله عليه وسلّم.
قالوا: وهذا في آخرِ حياتِهِ، فيكون ناسخاً لقولِ النَّبيِّ صلّى الله عليه وسلّم: (إذا صَلَّى قاعداً فصلُّوا قعوداً أجمعون).
والذي يظهر أن المأموم ينبغي أن يصلي قائما، خروجا من الخلاف؛ لئلا تبطل صلاته على قول الجمهور.
رابعا:
ماذا يلزم من صلى ناسياً وهو جالساً في الفرض؟
إذا عوفي زوجك ثم صلى الفرض قاعدا، فصلاته لا تصح؛ لأن القيام مع القدرة ركن، والنسيان عذر في إسقاط الإثم، وعذر في فعل المحظور، وليس عذرا في ترك المأمور عند جمهور العلماء، فلا تبرأ الذمة إلا بالإتيان به.
وإذا كنت قد صليت خلفه جالسة، لم تصح صلاتك أيضا، وعليكما إعادة ما وقع من ذلك بعد برئه.
واختار بعض العلماء كشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، أن من فعل عبادة على هيئة غير صحيحة لجهله بواجباتها أنه يطالب بإعادتها ما دام وقتها باقيا، فإن خرج وقتها فإنه لا يلزمه الإعادة.
وقول الجمهور أحوط، وأبرأ للذمة.
وينظر: جواب السؤال رقم: (117779)، (97501)، (45647).
والله أعلم.
هل انتفعت بهذه الإجابة؟
المصدر:
موقع الإسلام سؤال وجواب
موضوعات ذات صلة