0 / 0

هل يجوز أخذ دواء قد يحسن من فرص الإنجاب ولكن له آثار جانبية؟

السؤال: 355928

أعاني من العقم بسبب بعض الأمراض الأنثوية لكن لعلاجها يجب أن أزيل الأعضاء الإنجابية. أنا وزوجي نريد أطفالًا لذلك لن نفعل ذلك. هناك دواء يمكن تناوله وله العديد من الآثار الجانبية قصيرة وطويلة المدى ويمكن أيضا أن يؤثر على الطفل. قد يحسّن الدواء أو لا يحسّن فرصي في الحمل. هل يجوز تناول هذا الدواء نظرا لمخاطره؟ هل يجوز التخلّي عن الدواء والدعاء من أجل الحصول على معجزة أم يجب علي كمسلمة أن أتعالج؟

الجواب

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.

أولا:

التداوي مشروع، ولا يجب في قول جماهير أهل العلم، وهو مستحب عند أكثرهم؛ لما روى أبو داود (3874) عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ الدَّاءَ وَالدَّوَاءَ، وَجَعَلَ لِكُلِّ دَاءٍ دَوَاءً، فَتَدَاوَوْا، وَلَا تَدَاوَوْا بِحَرَامٍ) صححه الألباني.

قال السفاريني رحمه الله في “غذاء الألباب” (1/ 457): ” وقيل فعل التداوي أفضل من تركه , وبه قال بعض الشافعية. وذكر الإمام النووي في شرح مسلم أنه مذهب الشافعية وجمهور السلف وعامة الخلف , وقطع به ابن الجوزي من أئمتنا في المنهاج والقاضي وابن عقيل وغيرهم , واختاره الوزير ابن هبيرة في الإفصاح. قال: ومذهب أبي حنيفة أنه مؤكد حتى يداني به الوجوب. ومذهب مالك أنه يستوي فعله وتركه , فإنه قال لا بأس بالتداوي ولا بأس بتركه ” انتهى.

ويجوز تركه، والاقتصار على الدعاء؛ لما روى البخاري (5652) ومسلم (2576) عن عَطَاءُ بْنُ أَبِي رَبَاحٍ قَالَ : قَالَ لِي ابْنُ عَبَّاسٍ : (أَلَا أُرِيكَ امْرَأَةً مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ؟ قُلْتُ : بَلَى . قَالَ : هَذِهِ الْمَرْأَةُ السَّوْدَاءُ ، أَتَتْ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَقَالَتْ : إِنِّي أُصْرَعُ ، وَإِنِّي أَتَكَشَّفُ ، فَادْعُ اللَّهَ لِي . قَالَ : إِنْ شِئْتِ صَبَرْتِ وَلَكِ الْجَنَّةُ ، وَإِنْ شِئْتِ دَعَوْتُ اللَّهَ أَنْ يُعَافِيَكِ . فَقَالَتْ : أَصْبِرُ . فَقَالَتْ : إِنِّي أَتَكَشَّفُ ، فَادْعُ اللَّهَ لِي أَنْ لَا أَتَكَشَّفَ ، فَدَعَا لَهَا) .

قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: ” وَفِي الْحَدِيث فَضْل مَنْ يُصْرَع , وَأَنَّ الصَّبْر عَلَى بَلَايَا الدُّنْيَا يُورِث الْجَنَّة , وَأَنَّ الْأَخْذ بِالشِّدَّةِ أَفْضَل مِنْ الْأَخْذ بِالرُّخْصَةِ، لِمَنْ عَلِمَ مِنْ نَفْسه الطَّاقَة وَلَمْ يَضْعُف عَنْ اِلْتِزَام الشِّدَّة , وَفِيهِ دَلِيل عَلَى جَوَاز تَرْك التَّدَاوِي.

وَفِيهِ أَنَّ عِلَاج الْأَمْرَاض كُلّهَا بِالدُّعَاءِ وَالِالْتِجَاء إِلَى اللَّه: أَنْجَع وَأَنْفَع مِنْ الْعِلَاج بِالْعَقَاقِيرِ, وَأَنَّ تَأْثِير ذَلِكَ وَانْفِعَال الْبَدَن عَنْهُ أَعْظَم مِنْ تَأْثِير الْأَدْوِيَة الْبَدَنِيَّة .

وَلَكِنْ إِنَّمَا يَنْجَع بِأَمْرَيْنِ: أَحَدهمَا مِنْ جِهَة الْعَلِيل، وَهُوَ صِدْق الْقَصْد . وَالْآخَر مِنْ جِهَة الْمُدَاوِي وَهُوَ قُوَّة تَوَجُّهه، وَقُوَّة قَلْبه بِالتَّقْوَى وَالتَّوَكُّل. وَاَللَّه أَعْلَم ” انتهى من فتح الباري (10/ 115).

وقال شيخ الإسلام رحمه الله: ” ليس بواجب عند جماهير الأئمة، إنما أوجبه طائفة قليلة من أصحاب الشافعي وأحمد ” نقله السفاريني في غذاء الألباب (1/459).

ثانيا:

يجوز أخذ الدواء إذا كان بإشراف الطبيب، وكانت منافعه أكثر من مضاره، وهذا الشأن العام في تناول الأدوية التي لا تخلو من آثار جانبية، فإنه يجوز تناولها إذا احتاج لها الإنسان، وغلبت منافعها على مضارها.

فإن كان ضررها أكثر من نفعها أو مساويا لم يجز تناولها؛ لأن من قواعد الشريعة أن “الضرر لا يزال بمثله”.

قال العز ابن عبد السلام رحمه الله: ” إذا اجتمعت مصالح ومفاسد: فإن أمكن تحصيل المصالح ودرء المفاسد: فعلنا ذلك امتثالا لأمر الله تعالى فيهما؛ لقوله سبحانه وتعالى: فاتقوا الله ما استطعتم [التغابن: 16].

وإن تعذر الدرء والتحصيل:

فإن كانت المفسدة أعظم من المصلحة، درأنا المفسدة ولا نبالي بفوات المصلحة، قال الله تعالى: يسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما إثم كبير ومنافع للناس وإثمهما أكبر من نفعهما [البقرة: 219]. حرمهما لأن مفسدتهما أكبر من منفعتهما؛ أما منفعة الخمر فبالتجارة ونحوها، وأما منفعة الميسر فبما يأخذه القامر من المقمور. وأما مفسدة الخمر فبإزالتها العقول، وما تحدثه من العداوة والبغضاء، والصد عن ذكر الله وعن الصلاة. وأما مفسدة القمار فبإيقاع العداوة والبغضاء، والصد عن ذكر الله وعن الصلاة، وهذه مفاسد عظيمة لا نسبة إلى المنافع المذكورة إليها.

وإن كانت المصلحة أعظم من المفسدة، حصّلنا المصلحة مع التزام المفسدة.

وإن استوت المصالح والمفاسد، فقد يتخير بينهما، وقد يتوقف فيهما، وقد يقع الاختلاف في تفاوت المفاسد” انتهى من قواعد الأحكام في مصالح الأنام (1/ 98).

فيلزم الرجوع إلى أكثر من طبيب لمعرفة منفعة الدواء المتوقعة، والآثار الجانبية، ثم الموازنة بينهما.

ونسأل الله أن ييسر لكما الخير، وأن يهيئ لكما من أمركما رشدا.

والله أعلم.

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر

موقع الإسلام سؤال وجواب

at email

النشرة البريدية

اشترك في النشرة البريدية الخاصة بموقع الإسلام سؤال وجواب

phone

تطبيق الإسلام سؤال وجواب

لوصول أسرع للمحتوى وإمكانية التصفح بدون انترنت

download iosdownload android