أردت أن أشتري عقارا، عبارة عن قطعة أرض من تاجر، ولكن الوثيقة التي لديه ليست وثيقة ملكية، بل كتب عليها: ‘ يمنع منع باتا بيع هذه القطعة الأرضية وشرائها’، أخبرني التاجر أن المعاملة التي سنقوم بها، والتي يسري بها العرف هنا هي: عقد تنازل عن حق استغلال هذه القطعة عند موثق عقود، بالمقابل المادي الذي اتفقنا عليه، فما حكم هذه المعاملة شرعا؟
ما حكم التنازل عن حق استغلال عقار أو أرض محجرة بعوض؟
السؤال: 355976
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.
أولا:
الظاهر من السؤال أن من بيده الأرض يملك حق الانتفاع فقط.
ومن ملك حق الانتفاع، لم يكن له ليعطيه لغيره، لا مجانا ولا بمقابل، إلا أن تأذن له الدولة في ذلك. فحق الانتفاع لا يباع ولا يؤجر ولا يعار.
قال القرافي رحمه الله: “الفرق الثلاثون بين قاعدة تمليك الانتفاع وبين قاعدة تمليك المنفعة:
فتمليك الانتفاع: نريد به أن يباشر هو بنفسه فقط، وتمليك المنفعة هو أعم وأشمل، فيباشر بنفسه، ويمكّن غيره من الانتفاع بعوض كالإجارة، وبغير عوض كالعارية.
مثال الأول: سكنى المدارس والرباط والمجالس في الجوامع والمساجد والأسواق ومواضع النسك كالمطاف والمسعى ونحو ذلك: فله أن ينتفع بنفسه فقط، ولو حاول أن يؤاجر بيت المدرسة أو يسكن غيره أو يعاوض عليه بطريق من طرق المعاوضات: امتنع ذلك. وكذلك بقية النظائر المذكورة معه.
وأما مالك المنفعة: فكمن استأجر دارا، أو استعارها: فله أن يؤاجرها من غيره، أو يسكنه بغير عوض، ويتصرف في هذه المنفعة تصرف المُلَّاك في أملاكهم، على جري العادة على الوجه الذي ملكه، فهو تمليك مطلق في زمن خاص” انتهى من “الفروق” (1/330).
وقال السيوطي رحمه الله: “وقد يملك الانتفاع دون المنفعة، كالمستعير، والعبد الذي أوصى بمنفعته مدة حياة الموصى له، وكالموصى بخدمته وسكناها، فإن ذلك إباحة له لا تمليك. وكذا الموقوف على غير معين كالرُّبُط والطعام المقدم للضيف، وكل من ملك المنفعة فله الإجارة والإعارة. ومن ملك الانتفاع فليس له الإجارة قطعا ولا الإعارة في الأصح” انتهى من “الأشباه والنظائر”، ص 326
تنبيه: اختلف في العارية، من أي القسمين هي، بحسب اختلاف المذهبين – المالكي (= القرافي) والشافعي (السيوطي) – فيها، كما يظهر من النقلين السابقين.
ثانيا
إذا كانت الدولة قد أقطعت هذا الشخصَ أرضا، ولم يُحيِها، فإنه لا يملكها، ولا يملك بيعها.
ذكر الفقهاء فيمن تحجر أرضا، أي شرع في إحيائها ولم يتمه، بأن حفر بئرا ولم يصل إلى مائها، أو أدار حول الأرض ترابا أو أحجارا، أو جدارا صغيرا لا يمنع ما وراءه؛ أنه لا يملكها، ولكنه يكون أحق بها هو ووارثه، وليس لها بيعها.
قال في “كشاف القناع” (4/193): ” (وليس له) أي المتحجر، أو وارثه، أو من انتقل إليه من أحدهما: بيعه؛ لأنه لم يملكه وشرط المبيع أن يكون مملوكا” انتهى.
وقال في “مغني المحتاج” (3/504): ” ولما كانت أحقية المتحجر ما يحجره قد تُوهِم أحقيةَ الملك؛ استدرك المصنف بقوله: (لكن الأصح) المنصوص: (أنه لا يصح بيعه)؛ أي أحقية اختصاص المتحجر كما قاله الإمام وغيره، ولا هبته، كما قاله الماوردي، خلافا للدارمي؛ لأن حق التملك لا يباع ولا يوهب، كحق الشفعة، ولكن له نقله إلى غيره، وإيثاره به، كإيثاره بجلد الميتة قبل الدباغ، ويصير الثاني أحق به ويورث عنه” انتهى.
ثالثا:
من أُقطع أرضا، ومنعناه من بيعها، هل له أن يتنازل عنها لغيره بعوض؟
في ذلك خلاف.
قال في “شرح المنتهى” (2/368): “(أَوْ آثَرَ شَخْصًا بِمَكَانِهِ فِي الْجُمُعَةِ) ، فَالْمُؤْثَرُ -بِفَتْحِ الْمُثَلَّثَةِ- أَحَقُّ بِهِ، (وَلَيْسَ لَهُ) أَيْ: لِمَنْ قُلْنَا إنَّهُ أَحَقُّ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ السَّابِقِ: (بَيْعُهُ) ; لِأَنَّهُ لَمْ يَمْلِكْهُ، كَحَقِّ الشُّفْعَةِ قَبْلَ الْأَخْذِ، وَكَمَنْ سَبَقَ إلَى مُبَاحٍ.
لَكِنَّ النُّزُولَ عَنْهُ بِعِوَضٍ، لَا عَلَى وَجْهِ الْبَيْعِ: جَائِزٌ؛ كَمَا ذَكَرَهُ ابْنُ نَصْرِ اللَّهِ، قِيَاسًا عَلَى الْخُلْعِ”.
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: ” مسألة: هل يجوز لمن أُقطع أن يتنازل عن إقطاعه بعوض؟
الجواب: في هذا خلاف، فمن العلماء من قال: لا يجوز لاحتمال ألا يحصل للثاني؛ لأن الثاني إذا لم يُحيِه، قيل له: ارفع يدك.
وقال بعض أهل العلم: بل يجوز ذلك؛ لأن هذا الذي أُقطع، تنازل عن حقه بعوض، والأصل في العقود الحل والإباحة، وليس في ذلك محظور؛ لأنه إذا تنازل عنه، نزل الثاني منزلة الأول، وهذا لا مانع منه، وهذا القول هو الصحيح” انتهى من “الشرح الممتع” (10/ 335).
لكن إذا كانت الدولة تمنع هذا التنازل، فليس له أن يتنازل، فإن سمحت به، فلا حرج حينئذ أن يكون بعوض.
والله أعلم.
هل انتفعت بهذه الإجابة؟
المصدر:
موقع الإسلام سؤال وجواب