سأل شخص إمام المسجد عندنا، وقال: إنه عند دخوله في الصلاة كان الإمام راكعا وعندما أراد المأموم أن يشترك معه في الركوع كان الإمام قد رفع واعتدل قائما، والمأموم أتم ركوعه ثم تابع الإمام، والذي أعلمه أن هذه الركعة لا تحتسب، لكن الإمام أفتاه بأن الركعة تحتسب، فهل هناك رأي لأحد العلماء قال بهذا وهو قد أخذ به أم لا؟ حتى يكون الإنكار عليه عن بينة.
أقوال العلماء فيمن ركع أثناء رفع الإمام من الركوع هل تحسب له ركعة؟
السؤال: 356373
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.
أولا:
أحوال إدراك المأموم للإمام في الركوع
إدراك المأموم لركوع الإمام، له أحوال:
1-أن يدرك الإمام راكعا، فيطمئن معه قبل أن يقوم الإمام من ركوعه، وهذا إدراك للركعة عند الجمهور.
2-أن يركع المأموم بعد قيام الإمام من الركوع، وهذا غير مدرك.
3-أن يركع المأموم، ويشك هل أدرك الإمام راكعا أم لا، فلا يعتد بركوعه.
4-أن يأتي المأموم بالركوع المجزئ، وهو الانحناء بحيث تمس يداه ركبتيه، قبل أن يزول الإمام عن قدر الإجزاء هذا، فإنه يكون مدركا للركعة. حتى ولو لم يأت بالطمأنينة إلا بعد رفع الإمام.
فلو انحنى المأموم الانحناء المجزئ، وأدرك الإمام وقد شرع في القيام، لكن كان في الانحناء الذي يجزئ ركوعا، فقد أدرك الركعة.
هذا مذهب الحنابلة.
قال في “كشاف القناع” (1/ 347): ” (وقدر الإجزاء) في الركوع : (انحناؤه ، بحيث يمكنه مس ركبتيه بيديه ، نصا [ أي : نص عليه الإمام أحمد] ، إذا كان وسطا من الناس، لا طويل اليدين، ولا قصيرهما) ؛ لأنه لا يسمى راكعا بدونه ، ولا يخرج عن حد القيام إلى الركوع إلا به” انتهى.
وقال في (1/ 460): ” (ومن أدرك الركوع معه) أي الإمام ، (قبل رفع رأسه) من الركوع، بحيث يصل المأموم إلى الركوع المجزئ ، قبل أن يزول الإمام عن قدر الإجزاء منه ، (غير شاك في إدراكه) أي الإمام (راكعا : أدرك الركعة ؛ ولو لم يدرك معه الطمأنينة، إذا اطمأن هو) – أي المسبوق – ثم لحقه، لحديث أبي هريرة مرفوعا : إذا جئتم إلى الصلاة ونحن سجود فاسجدوا، ولا تعدوها شيئا ، ومن أدرك الركوع فقد أدرك الركعة رواه أبو داود بإسناد حسن. ولأنه لم يفته من الأركان غير القيام ، وهو يأتي به مع التكبيرة، ثم يدرك مع الإمام بقية الركعة.
وعُلم منه : أنه لو شك: هل أدركه راكعا أو لا؟ لم يعتد بها ، ويسجد للسهو . وتقدم في بابه.
وإن كبر والإمام في الركوع، ثم لم يركع حتى رفع إمامه : لم يدركه ، ولو أدرك ركوع المأمومين. وإن أتم التكبيرة في انحنائه انقلبت نفلا ، وتقدم .
(وأجزأته) – أي من أدرك الإمام راكعا – (تكبيرةُ الإحرام عن تكبيرة الركوع ، نصا [أي : نص عليه الإمام أحمد]) ” انتهى.
وقال في (1/ 407): ” (ولو أدرك) المأموم (الإمام راكعا ، ثم شك بعد تكبيره) للإحرام ، (هل رفع الإمام رأسه قبل إدراكه راكعا؟ لم يعتد بتلك الركعة) ، لاحتمال رفعه من الركوع قبل إدراكه فيه . (وحيث بنى) المصلي (على اليقين ، فإنه يأتي بما بقي عليه) من صلاته، ليخرج من عهدته ، (فإن كان مأموما أتى به بعد سلام إمامه) ، كالمسبوق ، ولا يفارقه قبل ذلك لعدم الحاجة إليه ، (وسجد للسهو) ، ليجبر ما فعله مع الشك ؛ فإنه نقص في المعنى” انتهى.
ثانيا:
ما ذكره الحنابلة ، نص الشافعية على مثله، لكن اشترطوا أن يأتي المأموم بالطمأنينة قبل ارتفاع الإمام عن حد الركوع المجزئ.
قال النووي رحمه الله: ” قال الشافعي والأصحاب : إذا أدرك مسبوقٌ الإمام راكعا ، وكبر وهو قائم ثم ركع، فإن وصل المأموم إلى حد الركوع المجزئ, وهو أن تبلغ راحتاه ركبتيه قبل أن يرفع الإمام عن حد الركوع المجزئ، فقد أدرك الركعة ، وحسبت له.
قال صاحب البيان: ويشترط أن يطمئن المأموم في الركوع قبل ارتفاع الإمام عن حد الركوع المجزئ.
وأطلق جمهور الأصحاب المسألة، ولم يتعرضوا للطمأنينة ؛ ولا بد من اشتراطها كما ذكره صاحب البيان.
قال الرافعي : قال أصحابنا : ولا يضر ارتفاع الإمام عن أكمل الركوع ، إذا لم يرتفع عن القدر المجزئ “.
ثم قال: ” فإذا قلنا بالمذهب , وهو أنه يدركها ، فشك : هل بلغ حد الركوع المجزئ واطمأن قبل ارتفاع الإمام عنه ، أم بعده ؟ فطريقان :
( أحدهما ) , وهو المذهب وبه قطع الجمهور في الطريقتين , ونص عليه الشافعي في الأم : لا يكون مدركا للركعة ; لأن الأصل عدم الإدراك , ولأن الحكم بالاعتداد بالركعة بإدراك الركوع رخصة ، فلا يصار إليه إلا بيقين.
( والثاني ) : فيه وجهان . حكاه إمام الحرمين ، وجعلهما الغزالي قولين ، والصواب وجهان ؛ (أصحهما ) : هذا . ( والثاني ) : يكون مدركا ; لأن الأصل عدم ارتفاع الإمام , والله أعلم” انتهى من “المجموع” (4/ 215).
ثالثا:
مذهب الحنفية، كالحنابلة.
قال في “الفتاوى الهندية” (1/ 120) : ” ذكر الجلابي في صلاته: أدرك الإمام في الركوع ، فكبر قائما ثم شرع في الانحطاط ، وشرع الإمام في الرفع: الأصح أن يعتد بها ، إذا وجدت المشاركة قبل أن يستقيم قائما ، وإن قل . هكذا في معراج الدراية ” انتهى.
لكن ذهب زفر من الحنفية إلى أن المأموم لو انتهى إلى الإمام في ركوعه، فكبر ، ووقف حتى رفع الإمام رأسه، يكون مدركا للركعة؛ لأنه شارك الإمام فيما له حكم القيام-وهو الركوع- فصار كما لو أدركه في حقيقة القيام. ويجيب الحنفية بأنه لابد أن يشاركه في أفعال الصلاة ، وهذا لم يوجد، لا في القيام ولا في الركوع. وينظر: “فتح القدير” (1/ 482).
رابعا:
ولا يختلف قول المالكية عن قول الحنابلة.
قال العدوي في “حاشيته على شرح كفاية الطالب الرباني” (1/ 302): ” إدراك الركعة يكون بالانحناء قبل أن يقيم الإمام صلبه، أي قبل أن يرفع من ركوعه، ولو لم يطمئن إلا بعد رفع الإمام” انتهى.
وتبين بهذا أن مذاهب الفقهاء متقاربة، وبينها خلاف يسير وهو فيما إذا أتى المأموم بالركوع المجزئ ، لكن لم يطمئن حتى رفع الإمام، فهذا مدرك عند الجمهور، خلافا للشافعية.
وأما زفر رحمه الله فقوله مخالف للجمهور.
ولعل إمام المسجد اعتمد على قوله، أو فهم أن المأموم أتى بالركوع المجزئ قبل زوال الإمام عن القدر المجزئ.
والحاصل:
أن هذا المأموم: لم يدرك الركعة مع الإمام، كما هو قول جماهير أهل العلم؛ لأنه لم يركع حتى اعتدل الإمام قائما، فلا تحسب له هذه الركعة .
والله أعلم.
هل انتفعت بهذه الإجابة؟
المصدر:
موقع الإسلام سؤال وجواب