هل قال أحد العلماء أن التبرج من الصغائر؟ ولماذا لم يذكره الإمام الذهبي في كتابه عن الكبائر؟ وهل يوجد خلاف بين العلماء في هذه المسألة مع بيان الخلاف؟
هل تبرج المرأة من الكبائر؟
السؤال: 357098
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.
أولا:
التبرج هو إظهار المرأة محاسنها ومفاتنها أمام الرجال الأجانب، ككشف شعرها، أو وضعها المساحيق والزينة، أو لبس ما لا يسترها أو يشف عن بدنها، وهو خلاف ما أمر الله به المؤمنة من الحجاب وترك الزينة أمام الرجال الأجانب.
قال تعالى: وَالْقَوَاعِدُ مِنَ النِّسَاءِ اللَّاتِي لَا يَرْجُونَ نِكَاحًا فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُنَاحٌ أَنْ يَضَعْنَ ثِيَابَهُنَّ غَيْرَ مُتَبَرِّجَاتٍ بِزِينَةٍ وَأَنْ يَسْتَعْفِفْنَ خَيْرٌ لَهُنَّ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ النور/60.
قال القرطبي رحمه الله: " قوله تعالى: (غير متبرجات بزينة) أي غير مظهرات، ولا متعرضات بالزينة، لينظر إليهن، فإن ذلك من أقبح الأشياء، وأبعده عن الحق.
والتبرج: التكشُّف، والظهور للعيون، ومنه: بروج مشيدة. وبروج السماء والأسوار، أي لا حائل دونها يسترها" انتهى من "تفسير القرطبي" (12/ 309).
وقال تعالى: وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى الأحزاب/33.
قال القرطبي: " وحقيقته [أي التبرج] إظهار ما سَتْرُه أحسنُ…
وأن المقصود من الآية : مخالفة من قبلهن ؛ من المشية على تغنيج وتكسير وإظهار المحاسن للرجال، إلى غير ذلك مما لا يجوز شرعا.
وذلك يشمل الأقوال كلها ويعمها ؛ فيلزمن البيوت، فإن مست الحاجة إلى الخروج ، فليكن على تبذُّل وتستُّرٍ تامٍّ " انتهى من "تفسير القرطبي" (14/179).
وقال تعالى: يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا الأحزاب/59.
وقال تعالى: وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ الآية، النور/31.
وروى أحمد (6850) عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، قَالَ: جَاءَتْ أُمَيْمَةُ بِنْتُ رُقَيْقَةَ، إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تُبَايِعُهُ عَلَى الْإِسْلَامِ، فَقَالَ: أُبَايِعُكِ عَلَى أَنْ لَا تُشْرِكِي بِاللهِ شَيْئًا، وَلَا تَسْرِقِي وَلَا تَزْنِي، وَلَا تَقْتُلِي وَلَدَكِ، وَلَا تَأْتِي بِبُهْتَانٍ تَفْتَرِينَهُ بَيْنَ يَدَيْكِ وَرِجْلَيْكِ، وَلَا تَنُوحِي، وَلَا تَبَرَّجِي تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى.
وصححه أحمد شاكر ومحققو المسند.
وإدخال هذا في البيعة ، وقرنه بالشرك والسرقة والزنى والقتل : دليل على عِظَمه، وخطره، وأنه من الكبائر كما سيأتي.
ثانيا:
جاء في الوعيد على التبرج: قوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: صِنْفَانِ مِنْ أَهْلِ النَّارِ لَمْ أَرَهُمَا، قَوْمٌ مَعَهُمْ سِيَاطٌ كَأَذْنَابِ الْبَقَرِ يَضْرِبُونَ بِهَا النَّاسَ، وَنِسَاءٌ كَاسِيَاتٌ عَارِيَاتٌ مُمِيلَاتٌ مَائِلَاتٌ، رُءُوسُهُنَّ كَأَسْنِمَةِ الْبُخْتِ الْمَائِلَةِ، لَا يَدْخُلْنَ الْجَنَّةَ، وَلَا يَجِدْنَ رِيحَهَا، وَإِنَّ رِيحَهَا لَيُوجَدُ مِنْ مَسِيرَةِ كَذَا وَكَذَا رواه مسلم (2128).
وجاء في لعن المتبرجة: ما روى ابن حبان (5753)، والحاكم (8346) عن عَبْد اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، قال: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: سَيَكُونُ فِي آخِرِ أُمَّتِي رِجَالٌ يَرْكَبُونَ عَلَى سُرُوجٍ كَأَشْبَاهِ الرِّحالِ، يَنْزِلُونَ عَلَى أَبْوَابِ الْمَسَاجِدِ، نِسَاؤُهُمْ كَاسِيَاتٌ عَارِيَاتٌ، عَلَى رُءُوسِهِنَّ كَأَسْنِمَةِ الْبُخْتِ الْعِجَافِ؛ اِلْعَنُوهُنَّ فَإِنَّهُنَّ مَلْعُونَاتٌ، لَوْ كَانَ وَرَاءَكُمْ أُمَّةٌ مِنَ الْأُمَمِ خَدَمَهُنَّ نِسَاؤُكُمْ، كَمَا خَدَمَكُمْ نِسَاءُ الْأُمَمِ قَبْلَكُمْ .
قال الحاكم: "هذا حديث صحيح على شرط الشيخين، ولم يخرجاه"، وحسنه الألباني في "صحيح الترغيب والترهيب" برقم (2043).وروى البيهقي في "السنن الكبرى" (7/131) عن أبي أذينة الصدفي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
خير نسائكم الودود الولود، المواتية المواسية، إذا اتقين الله.
وشر نسائكم المتبرجات المتخيلات ، وهن المنافقات ، لا يدخل الجنة منهن إلا مثل الغراب الأعصم
.
والحديث صححه الألباني في "سلسلة الأحاديث الصحيحة" (1849).
والغراب الأعصم: غراب أحمر المنقار والرجلين، وهو كناية عن قلة من يدخل الجنة من النساء؛ لأن هذا الوصف في الغربان قليل.
وعَنْ أَبِي مُوسَى رضي الله عنه عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: إِذَا اسْتَعْطَرَتْ الْمَرْأَةُ فَمَرَّتْ عَلَى الْقَوْمِ لِيَجِدُوا رِيحَهَا ؛ فَهِيَ كَذَا وَكَذَا ، قَالَ قَوْلًا شَدِيدًا- يَعْنِي: زَانِيَةً رواه أبو داود (4173)، والترمذي (2786)، وصححه الألباني في "صحيح الترمذي".
ثالثا:
الكبيرة: ما ترتب عليها حد، أو تُوعد عليها بالنار أو اللعنة أو الغضب.
وينظر: "الموسوعة الفقهية" (27/18).
وعليه ؛ فالتبرج كبيرة من الكبائر ، لما ورد عليه من الوعيد بالنار، واللعن.
وقد صرح بذلك غير واحد من أهل العلم.
قال الذهبي رحمه الله: "فمن الأفعال التي تُلْعَن عليها المرأة : إظهار الزينة والذهب واللؤلؤ من تحت النقاب، وتطيبها بالمسك والعنبر ونحو ذلك، ولبسها الصباغات والمداس ، إلى ما أشبه ذلك من الفضائح" انتهى من "الكبائر" تحقيق: مشهور حسن، ص 256.
وقال ابن حجر المكي: " (الكبيرة الثامنة بعد المائة): لبس المرأة ثوبا رقيقا يصف بشرتها، وميلها وإمالتها.
أخرج مسلم وغيره: صنفان من أهل النار لم أرهما: قوم معهم سياط كأذناب البقر يضربون بها الناس، ونساء كاسيات عاريات مائلات مميلات رءوسهن كأسنمة البخت المائلة لا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها وإن ريحها ليوجد من مسيرة كذا وكذا .
وكاسيات، أي من نعم الله، وعاريات أي من شكرها.
أو المراد: كاسيات صورةً، عاريات معنىً؛ بأن تلبسن ثوبا رقيقا يصف لون أبدانهن.
ومائلات: أي عن طاعة الله وما يلزمهن فعله وحفظه، ومميلات، أي لغيرهن إلى فعلهن المذموم بتعليمهن إياهن ذلك.
أو مائلات: يمشين متبخترات، مميلات لأكتافهن.
أو مائلات تمشطن المِشطة الميلاء، وهي مِشطة البغايا. مميلات: أي يمشطن غيرهن تلك المشطة.
رءوسهن كأسنمة البخت: أي يكبرنها ويعظمنها بلف نحو عمامة أو عصابة.
ولابن حبان في صحيحه واللفظ له والحاكم وقال صحيح على شرط مسلم: يكون في آخر أمتي رجال يركبون على سروج كأشباه الرحال، ينزلون على أبواب المساجد، نساؤهم كاسيات عاريات، على رءوسهن كأسنمة البخت العجاف؛ العنوهن فإنهن ملعونات، لو كان وراءكم أمة من الأمم خدمتهن نساؤكم كما خدمتكم نساء الأمم قبلكم…
تنبيه: ذكر هذا من الكبائر ظاهر لما فيه من الوعيد الشديد، ولم أر من صرح بذلك إلا أنه معلوم بالأولى مما مر في تشبههن بالرجال.
قال الذهبي: ومن الأفعال التي تلعن المرأة عليها إظهار زينتها …" انتهى من "الزواجر عن اقتراف الكبائر" (1/ 258).
وجاء في "فتاوى اللجنة الدائمة" (17/216): " س: امرأة تصلي وتحافظ على الصلاة دائما وتصوم، إلا أنها تتبرج، فهل هي من الذين يعملون الكبائر أم تعتبر عاصية أم ماذا؟
الجواب: المرأة التي تحافظ على الطاعة، من الصلاة والصيام وغير ذلك: تثاب على ذلك.
ولكنها تؤاخذ بارتكابها المعصية، من التبرج والتعري، وإبداء مفاتنها للرجال، بل ذلك من الكبائر، فإذا ماتت ولم تتب فأمرها إلى الله، إن شاء عذبها وإن شاء عفا عنها.
عبد الله بن غديان … عبد الرزاق عفيفي … عبد العزيز بن عبد الله بن باز" انتهى.
ولم نقف على من قال إن التبرج من الصغائر.
والله أعلم
هل انتفعت بهذه الإجابة؟
المصدر:
موقع الإسلام سؤال وجواب