أعرض لكم قضيتي، والمعذرة على الإطالة، ولكن يجب أن يكون الأمر واضحا لكم، أنا متزوجة منذ عشرين سنة، وعندي من زوجي أربعة أطفال، وفي زواجي عانيت مع زوجي سريع الغضب، من الضرب المبرح، المدمي، والذي كان يترك آثارا على جسمي لأسابيع، وغيرها من الإساءات والإهانات الشيء الكثير، وهذا كله أمام أولادي، وفي مرة قام بتطليقي، وطردي من بيتي، وتزوج امرأة أخرى، فأقمت عليه دعوى في المحكمة، وقضت المحكمة لي بالنفقة، والمؤخر، وغيره، وبعد فترة رجع إلي زوجي، وبدأ يتودد لي حتى أرجع، فرفضت، ولكن بعد محاولات عديدة منه، ووساطة بعض المقربين، وبعد قيام زوجي بعرض شراء بيت وسيارة وتسجيلها باسمي حتى أرجع له، وافقت، ورجعنا لبعضنا، ومكثنا قرابة الأربع سنوات بعدها في تقلبات، بين صلح ومشاكل، ولم تتغير طباعه، من سرعة الغضب، والإساءة والإهانة لي أمام أولادي عند كل مشكلة بيننا، بل وحتى محاولة التهجم علي لضربي، وقد يصيبني أحيانا أذى، أو ضربات، ولكنني لا أستسلم لهجومه كما كنت في السابق، فصرت أحاول الهرب منه، وإغلاق الغرفة على نفسي، وأحيانا أهرب إلى الشارع خوفا من ضربه، وما إلى ذلك، وقد زادت هذه التهجمات في الفترة الأخيرة، فقمت بالهرب إلى بيت أهلي، وطلبت منهم تطليقي منه، وعندما طالب أهلي بتطليقي منه، قام بالمطالبة بالبيت والسيارة التي أعطاني إياها لأرجع إليه، وقام بتزوير عقد إيجار للبيت حتى لا أتمكن من التصرف فيه.
وسؤالي هنا:
هل مطالبة زوجي بالبيت والسيارة التي أعطاني إياها صحيحة؟ وهل علي أن أرجعها له إذا أردت أن أطلق منه، مع أن البيت والسيارة كانت شرطي من أجل العودة إليه؟
إذا وهب زوجته من أجل الرجوع إليه، وطلبت الطلاق بعد سنين لسوء عشرته، فهل له الرجوع في الهبة؟
السؤال: 357114
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.
الأصل تحريم الرجوع في الهبة، إلا في هبة الوالد لولده؛ لما روى أبو داود (3539)، والترمذي (2132)، والنسائي (3690)، وابن ماجه (2377) عَنْ ابْنِ عُمَرَ وَابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (لَا يَحِلُّ لِرَجُلٍ أَنْ يُعْطِيَ عَطِيَّةً أَوْ يَهَبَ هِبَةً فَيَرْجِعَ فِيهَا إِلَّا الْوَالِدَ فِيمَا يُعْطِي وَلَدَهُ وَمَثَلُ الَّذِي يُعْطِي الْعَطِيَّةَ ثُمَّ يَرْجِعُ فِيهَا كَمَثَلِ الْكَلْبِ يَأْكُلُ فَإِذَا شَبِعَ قَاءَ ثُمَّ عَادَ فِي قَيْئِهِ) والحديث صححه الألباني في “صحيح أبي داود”.
واستثنى جماعة من الفقهاء الهبة التي يراد بها العوض، لأنها ليست تبرعا محضا، فإذا لم يحصل له عوضه – من جهة الموهوب له -، جاز له الرجوع في هبته.
ويدل لذلك ما روى مالك في “الموطأ” (1477) أن عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رضي الله عنه قَالَ: ” مَنْ وَهَبَ هِبَةً لِصِلَةِ رَحِمٍ أَوْ عَلَى وَجْهِ صَدَقَةٍ فَإِنَّهُ لَا يَرْجِعُ فِيهَا وَمَنْ وَهَبَ هِبَةً يَرَى أَنَّهُ إِنَّمَا أَرَادَ بِهَا الثَّوَابَ فَهُوَ عَلَى هِبَتِهِ يَرْجِعُ فِيهَا إِذَا لَمْ يُرْضَ مِنْهَا “.
قال الألباني: ” وهذا سند صحيح على شرط مسلم ” انتهى من “إرواء الغليل” (6/55).
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: ” وهذا المنصوص جار على أصول المذهب الموافقة لأصول الشريعة، وهو أن كل من أُهدي أو وُهب له شيء بسببٍ، يثبت بثبوته، ويزول بزواله، ويحرم بحرمته ويحل بحله …
ولو كانت الهدية قبل العقد، وقد وعدوه بالنكاح، فزوجوا غيره: رجع بها.
والنقد المقدم محسوب من الصداق، وإن لم يكتب في الصداق، إذا تواطئوا عليه “؛ أي إذا تعارفوا على أنه من الصداق (المهر). انتهى من “الفتاوى الكبرى” (5/472).
فالزوج إذا وهب لزوجته هبة، كبيت أو سيارة لترجع إليه، ولتحسن العشرة بينهما، ثم إن الزوجة سعت في الفراق بعد مدة يسيرة، فهنا يقال: إن للزوج أن يرجع في هبته، لأن غرضه لم يتحقق. لكن إذا مضى على الهبة مدة طويلة ، كسنتين أو أكثر ، فلا رجوع له؛ لأن غرضه تحقق.
فإذا انضاف إلى ذلك أنها إنما تريد الفراق لسوء عشرته، فهذا يؤكد أنه لا يحل له الرجوع في هبته.
قال الخرشي المالكي في “شرح مختصر خليل” (3/288): ” وأجرى في توضيحه: ما أهداه الزوج لها، أو أعطاها بعد البناء: مُجْرى ما أعطته هي لدوام العشرة، فقال عن أصبغ: إن أهداها لها قبل البناء فلا شيء له، وإن وجدها [أي الهبة] قائمة؛ لأن الذي أهدى إليه قد وصل إليه [وهو البناء].
وإن أعطاها شيئا بعد البناء، ثم فُسخ نكاحها بحدثان ذلك، فله أخذ ما أعطاها؛ لأنه إنما أعطاها على ثبات الحال والعشرة.
وإن كان الفسخ بعد طول سنتين، أو سنين: فلا أرى له شيئا، وإن وجدها بعينها؛ لأن الذي أعطى له قد رسخ وانتفع به، فالفسخ كطلاق حادث” انتهى.
وتوضيح ما ذكره : أن الزوج إن أهدى زوجته شيئا قبل الزفاف ، ثم حصل الفسخ بعد الزفاف ، فلا حق للزوج في الرجوع في هديته ، لأنه قد حصل له مقصوده، وهو الزفاف.
وإن كانت الهدية بعد الزفاف، ثم حصل الفسخ: فله الرجوع في الهدية ، لأنه إنما أهداها من أجل أن تستمر العشرة بينهما.
لكن إذا حصل الفسخ بعد مدة طويلة، كسنتين مثلا؛ فلا حق له في استرجاع الهدية أيضًا ، لأنه قد حصل له مقصوده، وهو ثبات عشرتها، وقد حصل ذلك هذه المدة ، وانتفع فيها بغرضه من الهدية؛ وما حصل بعد ذلك من طلب الفرقة أو الفسخ، فهو لأمر حادث؛ كما لو طلقها.
والله أعلم.
هل انتفعت بهذه الإجابة؟
المصدر:
موقع الإسلام سؤال وجواب