قرأت حديث أنّ من لا وليّ له فإنّ الله والرسول أولياؤه، أنا لست يتيمًا لكن الجميع تخلّى عنيّ بمن فيهم والديّ، أنا أعيش بمفردي في ملجأ مع عدد قليل فقط من كبار السن الذين لا حول لهم ولا قوة، ويقدّمون الدعم المعنوي سرّا، حيث ينبغي أن أحافظ على إيماني بأنّ الله سيجعل الأمور أفضل، فهل الله ورسوله أوليائي أيضا؛ لأنه ليس لديّ وليّ في هذا العالم، وهل أستطيع أن أدعو الله في دعائي مثل وليّ لي؟ بما أنّ الرسول ليس بيننا، فكيف يمكن أن أدعو الرسول بصفته وليّا، ليس لديّ أيّ نيّة لقول أيّ كلمات الشّرك؟
ولاية النبي صلى الله عليه وسلم للمؤمنين
السؤال: 359001
Table Of Contents
أولا:
ولاية الله ثابتة للمؤمنين
لم نقف على حديث بهذا النص.
و(الولاية)، بمنعى المحبة والقرب، ثابتة للمؤمن ، سواء كان له عصبة وأولياء في الدنيا ، أو لم يكن له.
والولي: معناه المحب والصديق والنصير؛ جاء في "القاموس المحيط" (ص1344):
" الوَلْيُ: القُرْبُ، والدُّنُوُّ …
والوَلِيُّ: الاسمُ منه، والمُحِبُّ، والصَّدِيقُ، والنَّصيرُ " انتهى.
قال الله تعالى: اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ البقرة/257
قال العلامة الأمين الشنقيطي، رحمه الله:
" صرح في هذه الآية الكريمة بأن الله ولي المؤمنين، وصرح في آية أخرى بأنه وليهم، وأن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – وليهم، وأن بعضهم أولياء بعض، وذلك في قوله تعالى: إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الآية [5] ، وقال: والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض [9/71] ، وصرح في موضع آخر بخصوص هذه الولاية للمسلمين دون الكافرين وهو قوله تعالى: ذلك بأن الله مولى الذين آمنوا وأن الكافرين لا مولى لهم [47/11] ، وصرح في موضع آخر بأن نبيه – صلى الله عليه وسلم – أولى بالمؤمنين من أنفسهم، وهو قوله تعالى: النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم [33/6] ، وبين في آية البقرة هذه، ثمرة ولايته تعالى للمؤمنين، وهي إخراجه لهم من الظلمات إلى النور بقوله تعالى: الله ولي الذين آمنوا يخرجهم من الظلمات إلى النور [2/257] ، وبين في موضع آخر أن من ثمرة ولايته إذهاب الخوف والحزن عن أوليائه، وبين أن ولايتهم له تعالى بإيمانهن وتقواهم، وذلك في قوله تعالى: ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون الذين آمنوا وكانوا يتقون [10/62، 63] ، وصرح في موضع آخر أنه تعالى ولي نبيه صلى الله عليه وسلم، وأنه أيضا يتولى الصالحين، وهو قوله تعالى: إن وليي الله الذي نزل الكتاب وهو يتولى الصالحين [7/196]" . انتهى، من "أضواء البيان" (1/158).
وقال أيضا: " والولي في لغة العرب: هو كل مَنِ انْعَقَدَ بَيْنَك وبَيْنَهُ سَبَبٌ يجعلك تواليه ويواليك ؛ ولذا كان الله ولي المؤمنين، والمؤمنون أولياء الله الله وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُواْ [البقرة: آية 257] ، أَلا إِنَّ أَوْلِيَاء الله لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ [يونس: آية 62]؛ لأنهم يوالونه بالطاعة، وهو يواليهم بالنصرة والثواب الجزيل، وإصلاح الدنيا والآخرة…" انتهى من "العذب النمير"(3/35).
دعاء الله بصفة الولي
وأما دعاء الله تعالى بصفة "الولي" فمشروعة، كما في دعاء يوسف عليه الصلاة والسلام، في قول الله تعالى:(رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَنْتَ وَلِيِّي فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ) يوسف/101.
وكما في قول الله تعالى: إِنَّ وَلِيِّيَ اللَّهُ الَّذِي نَزَّلَ الْكِتَابَ وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ الأعراف /196.
ومن هذا الباب أيضا: دعاء المؤمنين ربهم: رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنْتَ مَوْلَانَا فَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ البقرة/286.
والمولى: هو الولي، أيضا.
قال الإمام أبو الحسن الواحدي، رحمه الله:
" وقوله تعالى: أَنْتَ مَوْلَانَا ، قال ابن عباس والمفسرون: أي: ناصرنا، ومثله: اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا [البقرة: 257]، أي: نَاصِرُهُم. وقوله: فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلَاهُ [التحريم: 4]، أي: ناصره، وكذلك قوله: ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَأَنَّ الْكَافِرِينَ لَا مَوْلَى لَهُمْ [محمد: 11].
ومعنى المولى: من النُّصرة؛ مِن ولي عليه، وولي منه: إذا اتَّصَلَ به ولم يَنْفَصِلْ عنه.
وعلى هذا قوله: إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا [التوبة: 40] أي: ناصِرُنا. وعلى هذا المعنى قولهم : صحبك الله.
والوَليُ والمَوْلَى واحد، ومنه قوله – صلى الله عليه وسلم -: "من كنتُ مَولاهُ فَعَلِي مولاه"، قال يونس: أي: من كُنْتُ وَلِيَّه ، وقوله أيضًا: "مُزَيْنَةُ وجُهَيْنَةُ وأَسْلَم وغِفَار موالي الله ورسوله"، أي: أولياء الله، وقال العجاج:
الحَمْدُ لله الذي أعْطَى الظَّفَرْ … مَوَالي الحَقِّ إن المَوْلَى شَكَرْ
أي: أولياءُ الحَقِّ، وكلُّ مَنْ انَضَم إليكَ، فَعَزَّ بِعِزِّكَ وامتنع بِمَنَعَتِكَ، فهو مَوْلاك …
فمعنى قوله: أنت مولانا، أي: أنت ولينا بنصرك إيانا، وأنت الذي تلي علينا أمورنا، وذلك أنه يلي أمور المؤمنين، بالنُّصرة والمعونة، يقال منه : ولي يلي ولاية، فهو ولي ومولى" انتهى من "التفسير البسيط" (4/541-543).
وقال الشيخ السعدي، رحمه الله:
" أنت مولانا أي: ربنا ومليكنا وإلهنا، الذي لم تزل ولايتك إيانا منذ أوجدتنا وأنشأتنا، فنعمك دارة علينا، متصلة عدد الأوقات، ثم أنعمت علينا بالنعمة العظيمة، والمنحة الجسيمة، وهي نعمة الإسلام التي جميع النعم تبع لها، فنسألك يا ربنا ومولانا تمام نعمتك، بأن تنصرنا على القوم الكافرين، الذين كفروا بك وبرسلك، وقاوموا أهل دينك ونبذوا أمرك، فانصرنا عليهم بالحجة والبيان والسيف والسنان، بأن تمكن لنا في الأرض وتخذلهم، وترزقنا الإيمان والأعمال التي يحصل بها النصر، والحمد لله رب العالمين." انتهى من "تفسير السعدي"(120).
ثانيا:
ولاية الرسول عليه الصلاة والسلام للمؤمنين
وأما ولاية الرسول صلى الله عليه وسلم للمؤمنين، وولايتهم له: فهي ثابتة مقررة، لا ريب فيها ، ولا إشكال. قال الله تعالى:
إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ المائدة /55.
قال الطبري رحمه الله تعالى:
" يعني تعالى ذكره بقوله: ( إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا ): ليس لكم أيها المؤمنون، ناصر إلا الله ورسوله، والمؤمنون الذين صفتهم ما ذكر تعالى ذكره، فأما اليهود والنصارى الذين أمركم الله أن تبرأوا من وَلايتهم، ونهاكم أن تتخذوا منهم أولياء، فليسوا لكم أولياء ولا نُصرَاء، بل بعضهم أولياء بعض، ولا تتخذوا منهم وليًّا ولا نصيرًا " انتهى من "تفسير الطبري"(8/529).
وقال الشيخ السعدي، رحمه الله:
" لما نهى عن ولاية الكفار من اليهود والنصارى وغيرهم، وذكر مآل توليهم أنه الخسران المبين، أخبر تعالى مَن يجب ويتعين توليه، وذكر فائدة ذلك ومصلحته فقال: إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ فولاية الله تدرك بالإيمان والتقوى. فكل من كان مؤمنا تقيا كان لله وليا، ومن كان وليا لله فهو ولي لرسوله، ومن تولى الله ورسوله كان تمام ذلك تولي من تولاه، وهم المؤمنون الذين قاموا بالإيمان ظاهرا وباطنا، وأخلصوا للمعبود، بإقامتهم الصلاة بشروطها وفروضها ومكملاتها، وأحسنوا للخلق، وبذلوا الزكاة من أموالهم لمستحقيها منهم" انتهى من "تفسير السعدي" (236).
وقد روى مسلم (215) عَنْ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جِهَارًا غَيْرَ سِرٍّ، يَقُولُ: (أَلَا إِنَّ آلَ أَبِي فُلَان ، لَيْسُوا لِي بِأَوْلِيَاءَ، إِنَّمَا وَلِيِّيَ اللهُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ) .
قال النووي رحمه الله :
" مَعْنَاهُ : إِنَّمَا وَلِيِّيَ مَنْ كَانَ صَالِحًا وَإِنْ بَعُدَ نسبه مِنِّي ، وَلَيْسَ وَلِيِّي مَنْ كَانَ غَيْر صَالِحٍ وان كان نسبه قريبا " انتهى .
وينظر جواب السؤال رقم:(228697).
دعاء النبي عليه والسلام لكونه ولياً للمؤمنين
غير أن ولاية النبي للمؤمنين، وولاية المؤمنين له: لا تعني دعاءه صلى الله عليه وسلم؛ فإنه لا يحل للمسلم أن يدعو النبي صلى الله عليه وسلم، وهو في قبره ، ولا أن يسأله شيئا بعد مماته ، إنما يسأله، في حياته، ما يقدر عليه هو صلى الله عليه وسلم، وما هو في مقدور البشر.
كيف تدرك ولاية النبي صلى الله عليه وسلم؟
وإنما ولايته ، صلى الله عليه وسلم : تدرك بطاعته، والإيمان بشريعته، وحقها: متابعة سنته، ونصرتها، والدعوة إليها، والتمسك بها.
فالمسلم يعتقد أن النبي صلى الله عليه وسلم وليه ، فيطيعه ويقتفي سنته ، ويحبه ويقدم حبه على نفسه.
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى:
" فإن قال قائل: ولاية الله عز وجل صالحة لكل زمان ومكان، لكن كيف ولاية الرسول؟
الجواب: أما ما كان في حياته فالولاية واضحة ظاهرة، وأما بعد وفاته فإن تمسكنا بسنته من توليه لنا؛ لأننا ننصر بها، فكأنه عليه الصلاة والسلام معنا يناصرنا ويعيننا " انتهى من"تفسير سورة المائدة" (2/52).
ثالثاً:
افتقار العبد وانكساره لله مما يوجب معية الله له
مما ينبغي أن يعلم أن مسكنة العبد ، وانكساره لرب العالمين، وفقره إليه، وتضرعه وصدق اللجوء إليه: مما يوجب للعبد معية الله جل جلاله، ورحمته به، وقربه منه .
وفي الأثر عن مَالِك بْن دِينَارٍ، قَالَ: " قَالَ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ: يَا رَبِّ أَيْنَ أَبْغِيكَ؟ قَالَ: أَبْغِنِي عِنْدَ الْمُنْكَسِرَةِ قُلُوبُهُمْ " انتهى من "حلية الأولياء"(2/364).
وفي أثر آخر: قال عِمْرَانُ الْقَصِيرُ: قَالَ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ: " يَا رَبِّ أَيْنَ أَبْغِيكَ؟
قَالَ: ابْغِنِي عِنْدَ الْمُنْكَسِرَةِ قُلُوبُهُمْ؛ فَإِنِّي أَدْنُو مِنْهُمْ كُلَّ يَوْمًا بَاعًا؛ لَوْلَا ذَلِكَ لَتَهَدَّمُوا" انتهى من "حلية الأولياء" (6/177).
وكان من دعاء النبي صلى الله عليه وسلم : اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ فِعْلَ الخَيْرَاتِ ، وَتَرْكَ الْمُنْكَرَاتِ ، وَحُبَّ الْمَسَاكِينِ ، وَأَنْ تَغْفِرَ لِي وَتَرْحَمَنِي ، وَإِذَا أَرَدْتَ فِتْنَةً فِي قَوْمٍ فَتَوَفَّنِي غَيْرَ مَفْتُونٍ ، وَأَسْأَلُكَ حُبَّكَ وَحُبَّ مَنْ يُحِبُّكَ ، وَحُبَّ عَمَلٍ يُقَرِّبُ إِلَى حُبِّكَ رواه الترمذي (3235)، وقال: " هذا حديث حسن صحيح.
وينظر للفائدة: جواب السؤال رقم:(45146).
ومما ينبغي للعبد أن يكون حسن الظن برب العالمين، محبا للفأل، مستبشرا؛ فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يعجبه الفأل الحسن. فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى: أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي رواه البخاري (7405)، ومسلم (2675).
وليعلم العبد الموفق العاقل الناصح لنفسه: أن الدنيا دار بلاء وامحتان واختبار، فليتصبر على ما يناله فيها من فقر، ويتم ، ومسكنة، ومرض، وحاجة ، وضيق؛ فإن ذلك كله عما قريب يزول، ويبقى له أجر صبره، وتصبره، ورضاه عن رب العالمين.
ثم ليقل لنفسه: ومن في هذه الدنيا لم يصبه بلاء ، ولا ضراء ؟!
أتَجْزَعُ مِمّا أحْدَثَ الدَّهرُ بالفَتى * وأيُّ كَريمٍ لمْ تُصِبْهُ القَوَارِعُ
وينظر للفائدة: جواب السؤال رقم:(71236)، ورقم:(204615).
والله أعلم.
هل انتفعت بهذه الإجابة؟
المصدر:
موقع الإسلام سؤال وجواب
موضوعات ذات صلة