ما حكم الإكراه على الطاعة، وهل هو إكراه على الحق؟ وإذا أكره من له سلطة وولاية على غيره أحدا على فعل طاعة، فهل يؤجر المأمور بالطاعة، مثل الأب الذي يكره ابنته ويجبرها على لبس الحجاب، وهي غير راضية بذلك، وترغب في نزع الحجاب، فهل لها أجر في التزامها الحجاب؟ وكذل الأب الذي يجبر ابنه على الصلاة فيصلي الولد مجبرا، وما إلى ذلك؟ وآمل ذكر كتاب يتكلم عن الإكراه بالحق، حيث إني لم أجد كتابا مفردا لذلك، ولكن وجدت كلاما للإمام ابن العربي في كتابه “أحكام القرآن” ، عند تفسير الآية الكريمة: (لا إكراه في الدين)، وأن المقصود بها الإكراه على دخول الإسلام، وإنه يوجد إكراه على الباطل، وإكراه على الحق.
من أكره على الطاعة كالصلاة أو الحجاب هل يصح فعله وهل يثاب؟
السؤال: 362342
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.
أولا:
الإكراه بحق هو أن يجبر الإنسان على فعل ما هو واجب عليه، كأن يجبَر مانع الزكاة على إخراج الزكاة، والمدين المماطل على أداء الدين، والمفلس على بيع متاعه.
والإكراه بحق يصح ممن له السلطة كالقاضي، ويترتب عليه آثاره، فيصح البيع، ويحل للدائن أخذ المال، وتسقط الزكاة عن الممتنع، لأن الإكراه بحق لا يزول معه التكليف، لكن لا ثواب فيه لصاحبه ما لم ينوه ويفعله اختيارا.
وقد حكى ابن العربي رحمه الله الاتفاق على ترتب الآثار على الإكراه بحق.
قال: ” المسألة التاسعة: فإن كان الإكراه بحق، عند الإباية من الانقياد إليه؛ فإنه جائز شرعا تنفذ معه الأحكام، ولا يؤثر في رد شيء منها. ولا خلاف فيه.
وقد اتفق العلماء على أن دليل ذلك ما روى أبو هريرة قال: بينا نحن في المسجد الحرام إذ خرج علينا رسول الله – صلى الله عليه وسلم – فقال: انطلقوا إلى يهود فخرجنا معه، حتى جئنا بيت المدارس، فقام النبي – صلى الله عليه وسلم – فناداهم: يا معشر يهود، أسلموا تسلموا. فقالوا له: قد بلغت يا أبا القاسم. فقال: ذلك أريد ثم قالها الثانية، فقالوا: قد بلغت يا أبا القاسم، ثم قال الثالثة، فقال: اعلموا أنما الأرض لله ولرسوله. وأني أريد أن أجليكم، فمن وجد منكم بماله شيئا فليبعه، وإلا فاعلموا أنما الأرض لله ورسوله، ولهذا الحديث من قول النبي – صلى الله عليه وسلم – وفعله، ومن حكم عمر بن الخطاب وعمله نظائر، ويترتب على بيع المضطر أحكام، بيانها في كتب الفروع. والله أعلم” انتهى من “أحكام القرآن” (3/165).
وقال ابن قدامة رحمه الله: ” وإن كان الإكراه بحق، نحو إكراه الحاكمِ المُوليَ على الطلاق بعد التربص إذا لم يفئ، وإكراهه الرجلين اللذين زوجهما وليان، ولا يعلم السابق منهما على الطلاق، وقع الطلاق؛ لأنه قول حمل عليه بحق، فصح، كإسلام المرتد إذا أكره عليه، ولأنه إنما جاز إكراهه على الطلاق ليقع طلاقه، فلو لم يقع لم يحصل المقصود” انتهى من “المغني” (7/ 383).
وقال المرداوي: ” قوله: والمكره بحق مكلف، عند الأربعة وغيرهم، وقد ذكره الفقهاء في الأحكام من البيع وغيره، ومن ذلك إكراه الحربي والمرتد على الإسلام، فإنه يصح منهما، وهما مكلفان بذلك، وإكراه الحاكم المديونَ بالوفاء مع القدرة، ونحو ذلك من الأحكام” انتهى من “التحبير” (3/1207).
ومعنى إكراه الحربي والمرتد على الإسلام: قال ابن قدامة: ” وإكراههما على الإسلام، بأن يقول: إن أسلمت، وإلا قتلناك. فمتى أسلم، حُكم بإسلامه ظاهرا. وإن مات قبل زوال الإكراه عنه، فحكمه حكم المسلمين؛ لأنه أكره بحق، فحُكم بصحة ما يأتي به، كما لو أكره المسلم على الصلاة فصلى.
وأما في الباطن، فيما بينهم وبين ربهم، فإن من اعتقد الإسلام بقلبه، وأسلم فيما بينه وبين الله تعالى، فهو مسلم عند الله، موعود بما وعد به من أسلم طائعا، ومن لم يعتقد الإسلام بقلبه، فهو باق على كفره، لا حظ له في الإسلام، سواء في هذا من يجوز إكراهه، ومن لا يجوز إكراهه، فإن الإسلام لا يحصل بدون اعتقاده من العاقل، بدليل أن المنافقين كانوا يظهرون الإسلام، ويقومون بفرائضه، ولم يكونوا مسلمين” انتهى من “المغني” (12/292) .
ثانيا:
تبين مما سبق أن من أكره على حق، لم يزل عنه التكليف، وصح فعله ظاهرا مع الإكراه، ولا يصح باطنا، ولا ثواب له إلا إذا فعله طواعية.
والأب له أن يجبر ابنته على الحجاب، بل يلزمه منعها من الخروج بغيره، فإن لبست الحجاب مجبرة كارهة له ولم تقصد الامتثال للشرع فلا ثواب لها، وإن لبسته مع التخويف ونوت الامتثال لحكم الشرع أثيبت، وهذا هو الغالب، أي حصول قصد الامتثال مع الإكراه.
قال ابن قدامة رحمه الله: ” ويجوز أن يكلف ما هو على وفق الإكراه، كإكراه الكافر على الإسلام، وتارك الصلاة على فعلها، فإذا فعلها قيل: أدى ما كلف، لكن إنما تكون منه طاعة إذا كان الانبعاث بباعث الأمر، دون باعث الإكراه.
فإن كان إقدامه للخلاص من سيف المكرِه لم تكن طاعة، ولا يكون مجيبا داعي الشرع.
وإن كان يفعلها ممتثلًا لأمر الشارع، بحيث كان يفعلها لولا الإكراه فلا يمتنع وقوعها طاعة وإن وجدت صورة التخويف” انتهى من “روضة الناظر” (1/159).
وكذلك الابن إذا أجبر على الصلاة، فإن صلى امتثالا للشرع أثيب، وإلا فلا ثواب له.
وكذلك مانع الزكاة إذا أجبر عليها.
قال الشيخ ابن عثيمين: ” .. أن لا تشترط النية أصلاً، وذلك في ثلاث صور:
الأولى: إذا تعذر الوصول إلى المالك بحبس أو غيره، فأخذها الإمام أو الساعي، وتجزىء ظاهراً وباطناً.
الثانية: إذا امتنع المالك من أدائها، فأخذها الإمام أو الساعي قهراً، فتجزىء ظاهراً لا باطناً.
الثالثة: إذا غيّب ماله فأخذها الإمام أو الساعي بعد العثور عليه، وتجزىء ظاهراً لا باطناً” انتهى من “مجموع فتاوى ابن عثيمين” (18/54).
والحاصل:
أنه لا ثواب ولا صحة للعمل باطنا إلا بالنية وقصد الامتثال للشرع، وقد دل على ذلك قوله تعالى: لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًاالنساء/114.
فالنفع المتعدي سماه الله خيرا، لكن لا ثواب عليه إلا مع ابتغاء مرضات الله.
قال ابن رجب رحمه الله: “فنفى الخير عن كثير مما يتناجى به الناس؛ إلا في الأمر بالمعروف، وخص من أفراده الصدقة والإصلاح بين الناس، لعموم نفعها، فدل ذلك على أن التناجي بذلك خير.
وأما الثواب عليه من الله، فخصه بمن فعله ابتغاء مرضات الله.
وإنما جعل الأمر بالمعروف من الصدقة والإصلاح بين الناس وغيرهما، خيرا، وإن لم يبتغ به وجه الله؛ لما يترتب على ذلك من النفع المتعدي، فيحصل به للناس إحسان وخير.
وأما بالنسبة إلى الأمر، فإن قصد به وجه الله وابتغاء مرضاته، كان خيرا له، وأثيب عليه، وإن لم يقصد ذلك لم يكن خيرا له، ولا ثواب له عليه” انتهى من “جامع العلوم والحكم” (1/67).
والله أعلم.
هل انتفعت بهذه الإجابة؟
المصدر:
موقع الإسلام سؤال وجواب