اطلعت على قولين يفيدان بتحديد وقت الظهر، ولا أدري أي القولين الصحيح، والآن وقعت في شبهة، حيث تركت صلاة الظهر جماعة بسبب هذا؛ لأن جماعة المسجد تقام بمرور 6دقائق من انتصاف الشمس في كبد السماء، فأي القولين هو الصحيح؟
القول الأول:
أن دخول وقت الظهر يبدأ حين تعبر حافة قرص الشمس الشرقية خط منتصف النهار، بمعنى أن يخرج جميع قرص الشمس عن خط وسط السماء، كبد السماء.
ويمكن احتساب هذا بأن يزاد ما يقارب الدقيقتين أو 3 دقائق على أقصى تقدير بعد وقت صلاة الظهر، حسب تقويم رابطة العالم الإسلامي.
القول الثاني:
أن دخول وقت الظهر يبدأ حين يصير ظل الإنسان بقدر شِراك نعله، ويحتسب هذا بزيادة أربع درجات بعد الزوال الفلكي، والدرجة تقدَّر بأربع أو خمس دقائق بحسب وقت الشتاء والصيف، وهذا يعني زيادة 15 دقيقة أو 20 دقيقة بعد وقت صلاة الظهر حسب تقويم رابطة العالم الإسلامي، وهذا القول وجدته في بحث أكاديمي بعنوان: “تحديد الزوال الشرعي وأول وقت الظهر”، وورد في هذا البحث أيضا:
أن من جعل قدر الشراك ليس تحديدا، وأن ذلك كان اتفاق، فهذا خلافٌ صريحٌ للفظ الحديث، حيث إنه صلى الله عليه وسلم قال فيه:(أمني جبريل عند البيت مرتين، فصلى الظهر في الأولى منهما حين كان الفيء مثل الشراك، ثم صلى العصر حين كان كل شيء مثل ظله…)، وذكر المواقيت جميعا ،ثم قال في آخره:(..يا محمد، هذا وقت الأنبياء من قبلك ،والوقت فيما بين هذين الوقتين)، فالحديث صريح في أن وقت ميلان الشمس عن كبد السماء بقدر ما يكون الفيء شراكا، أنه هو حد أول وقت الظهر، فما قبله ليس وقتا للظهر”.
معنى زوال الشمس، وتحرير وقت دخول صلاة الظهر
السؤال: 370669
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.
أولا:
وقت الظهر يكون بزوال الشمس عن كبد السماء، أو عن خط وسط السماء، أو بطن السماء؛ لما روى مسلم (612) عن عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ، أَنَّهُ قَالَ: سُئِلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ وَقْتِ الصَّلَوَاتِ، فَقَالَ (وَقْتُ صَلَاةِ الْفَجْرِ مَا لَمْ يَطْلُعْ قَرْنُ الشَّمْسِ الْأَوَّلُ، وَوَقْتُ صَلَاةِ الظُّهْرِ إِذَا زَالَتِ الشَّمْسُ عَنْ بَطْنِ السَّمَاءِ…).
وهذا مجمع عليه.
ويعرف الزوال بطرق، منها: ابتداء طول الظل بعد تناهي قصره، أو حدوثه بعد انعدامه- إذا لم يكن عند الاستواء ظل-.
قال الشافعي رحمه الله: ” وأول وقت الظهر إذا استيقن الرجل بزوال الشمس عن وسط الفلك، وظل الشمس في الصيف يتقلص حتى لا يكون لشيء قائم معتدل نصف النهار ظل بحال، وإذا كان ذلك، فسقط للقائم ظل، ما كان الظل؛ فقد زالت الشمس، وآخر وقتها في هذا الحين إذا صار ظل كل شيء مثله، فإذا جاوز ظل كل شيء مثله بشيءٍ، ما كان؛ فقد خرج وقتها ودخل وقت العصر، لا فصل بينهما إلا ما وصفت.
والظل في الشتاء والربيع والخريف مخالف له فيما وصفت من الصيف ، وإنما يعلم الزوال في هذه الأوقات بأن ينظر إلى الظل ويتفقد نقصانه، فإنه إذا تناهى نقصانه زاد، فإذا زاد بعد تناهي نقصانه فذلك الزوال، وهو أول وقت الظهر” انتهى من “الأم” (1/90).
وحكى ابن المنذر مثل ذلك عن ابن المبارك ويحيى بن آدم وإسحاق بن راهويه وغيرهم من أهل العلم. ينظر: “الأوسط” (3/19).
وقال الحطاب المالكي رحمه الله: ” وذكر المصنف رحمه الله تعالى أن أول وقتها زوال الشمس، أي ميلها عن وسط السماء، ويعرف ذلك بزيادة الظل؛ لأن الظل في أول النهار يكون ممتدا، ولا يزال ينقص ما دامت الشمس في جهة المشرق إلى أن تصير الشمس في وسط السماء، فإذا مالت الشمس إلى جهة المغرب أخذ الظل في الزيادة، وذلك هو الزوال، ولا بد أن يزيد الظل زيادة بينة، فحينئذ يدخل وقت الظهر، فإن الزوال عند أهل الميقات [أي علماء الفلك] يحصل بميل مركز الشمس عن خط وسط السماء، والزوال الشرعي إنما يحصل بميل قرص الشمس عن خط وسط السماء.
وكذلك للغروب ميقاتي وشرعي، فالميقاتي غروب مركز الشمس، والشرعي غروب جميع قرص الشمس.
وكذلك الشروق الميقاتي هو شروق مركز الشمس، والشرعي شروق أول حاجب الشمس.
ويحصل الشرعي من ذلك كله، بعد الاصطلاحي، بنحو نصف درجة، وذلك قدر قراءة قل هو الله أحد ثلاثين مرة قراءة معتدلة مع البسملة في كل مرة، وإذا تبينت زيادة الظل فقد مضى هذا المقدار يقينا” انتهى من “مواهب الجليل” (1/383).
وقال الزركشي في “شرحه على الخرقي” (1/467): ” (تنبيه) : معنى زوال الشمس: ميلها عن كبد السماء، ويعرف ذلك بظل الشمس من كل شاخص، فما دام يتناقص فالشمس لم تزل، فإذا وقف نقصه فهو الاستواء، فإذا زاد الظل أدنى زيادة فهو الزوال” انتهى.
وقال في “كشاف القناع”(1/249): ” (ويعرف ذلك) أي: ميل الشمس عن وسط السماء (بزيادة الظل بعد تناهي قصره)؛ لأن الشمس إذا طلعت رُفع لكل شاخص ظل طويل من جانب المغرب، ثم ما دامت الشمس ترتفع فالظل ينقص، فإذا انتهت الشمس إلى وسط السماء، وهي حالة الاستواء، انتهى نقصانه، فإذا زاد الظل أدنى زيادة، دل على الزوال” انتهى.
فلو أردت تطبيق ذلك عمليا، فضع عصا أو نحوها قبيل الظهر، وراقب الظل، فإنه يتناقص، ثم يبدأ في الزيادة، فإذا بدأ في الزيادة، فقد حصل الزوال، ودخل وقت الظهر.
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: ” وذلك أن الشَّمس إذا طلعت صار للشَّاخص ظِلٌّ نحو المغرب ـ والشَّاخص الشيء المرتفع ـ ثم لا يزال هذا الظِلُّ ينقص بقدر ارتفاع الشمس في الأُفق حتى يتوقف عن النقص، فإذا توقَّف عن النقص، ثم زاد بعد توقُّف النقص، ولو شعرة واحدة؛ فهذا هو الزَّوال، وبه يدخل وقت الظُّهر” انتهى من “الشرح الممتع” (2/101).
فالشمس ترتفع حتى تصل أعلى درجات ارتفاعها، فهذا وقت الاستواء، وفيه ينعدم الظل أو يبقى جزء منه لكن لا يزيد ولا ينقص، فإذا بدأت في الانحطاط إلى الغرب، فهذا هو وقت الزوال، وحينئذ يزيد الظل.
ثانيا:
الظل حين يتناقص قرب الزوال، فإنه ينعدم في بعض البلدان، كما تقدم في كلام الشافعي، أو يصير قدر قدم وثلث في بلدان أخرى، أو أكثر من ذلك، ولا يلزم أن يكون قدر الشراك دائما.
قال في كشاف القناع في تتمة الكلام السابق: ” (ويختلف الظل باختلاف الشهر والبلد) فيقصر الظل في الصيف، لارتفاعها إلى الجو، ويطول في الشتاء لمسامتتها للمنتصب، ويقصر الظل جدا في كل بلد تحت وسط الفلك.
وذكر السامري وغيره: أن ما كان من البلاد تحت وسط الفلك مثل مكة وصنعاء في يوم واحد، وهو أطول أيام السنة، لا ظل ولا فيء لوقت الزوال، بل يعرف الزوال هناك بأن يظهر للشخص فيء من نحو المشرق، للعلم بأنها قد أخذت مُغَرِّبةً، (فأقل ما) أي: ظل لآدمي (تزول) الشمس عليه (في إقليم الشام والعراق وما سامتهما) أي حاذاهما من البلاد (طولا: على قدم وثلث) تقريبا (في نصف حزيران)، وذلك مقارب لأطول أيام السنة وأطولها سابع عشر حزيران.
(وفي نصف تموز وأيار، على قدم ونصف وثلث، وفي نصف آب ونيسان على ثلاثة) أقدام، (وفي نصف آذار) بالذال المعجمة (و) نصف (أيلول: على أربعة ونصف) قدم، (وفي نصف سُباط) -بضم السين المهملة قاله في حاشيته – ، (و) نصف (تشرين الأول : على ستة) أقدام، (وفي نصف كانون الثاني، وتشرين الثاني على تسعة، وفي نصف كانون الأول على عشرة وسدس) قدم، وذلك مقارب لأقصر أيام السنة، وأقصرها سابع عشر كانون الأول.
(وتزول) الشمس (على أقل) من ذلك (و) على (أكثر) منه (في غير ذلك) الوقت والإقليم، فإذا أردت معرفة ذلك: فقف على مستو من الأرض، وعلم الموضع الذي انتهى إليه ظلك، ثم ضع قدمك اليمنى بين يدي قدمك اليسرى وألصق عقبك بإبهامك، فإذا بلغت مساحة هذا القدر بعد انتهاء النقص، فهو وقت زوال الشمس. قاله في المبدع وغيره ” انتهى.
وما جاء في حديث جبريل عليه السلام ليس تحديدا، وإنما وقع ذلك اتفاقا في مكة في فصل معين.
والحديث رواه أبو داود (393)، والنسائي (524)، والترمذي (149)، وأحمد (3081) عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (أَمَّنِي جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَام عِنْدَ الْبَيْتِ مَرَّتَيْنِ، فَصَلَّى بِيَ الظُّهْرَ حِينَ زَالَتِ الشَّمْسُ وَكَانَتْ قَدْرَ الشِّرَاكِ…).
قال السرخسي رحمه الله: ” والمراد من الفيء مثل الشراك: الفيء الأصلي الذي يكون للأشياء وقت الزوال، وذلك يختلف باختلاف الأمكنة والأوقات؛ فاتفق ذلك القدر في ذلك الوقت” انتهى من “المبسوط” (1/142).
وقال النووي رحمه الله: ” وقوله صلي الله عليه وسلم (والفيء مثل الشراك)، هو بسكر الشين، وهو أحد سيور النعل التي تكون على وجهها.
وليس الشراك هنا للتحديد والاشتراط؛ بل لأن الزوال لا يبين بأقل منه” انتهى من “المجموع” (3/ 20).
وقال ابن الأثير رحمه الله: ” وفيه أنه صلى الظهر حين زالت الشمس وكان الفىء بقدر الشراك الشراك: أحد سيور النعل التي تكون على وجهها، وقدره هاهنا ليس على معنى التحديد، ولكن زوال الشمس لا يبين إلا بأقلِّ ما يُرى من الظل، وكان حينئذ بمكة هذا القدر.
والظل يختلف باختلاف الأزمنة والأمكنة، وإنما يتبين ذلك في مثل مكة من البلاد التي يقل فيها الظل. فإذا كان أطول النهار، واستوت الشمس فوق الكعبة: لم يُر لشيء من جوانبها ظل، فكل بلد يكون أقرب إلى خط الاستواء ومعدل النهار: يكون الظل فيه أقصر، وكل ما بعد عنهما إلى جهة الشمال: يكون الظل فيه أطول” انتهى من “النهاية في غريب الحديث”(2/467).
والبحث الذي أشرت إليه، قد ربط المسألة بالشراك، وجعل وقت الظهر يبدأ من كون الظل على قدر شراك النعل، تحديدا، ثم زعم أن الشراك قدر عرض قدم الإنسان، وقدر ذلك بنحو ربع ساعة، وهذا خطأ انبنى على ظنهم أن الشراك حد.
رابعا:
جاء تحديد وقت الظهر في قرار مجمع الفقه التابع لرابطة العالم الإسلامي بأنه ” يوافق عبور مركز قرص الشمس لدائرة الزوال، ويمثل أعلى ارتفاع يومي للشمس يقابله أقصر ظل للأجسام الرأسية” انتهى.
واعترض عليه الدكتور سعد الخثلان حفظه الله وقال: “هذا يتوافق مع وقت النهي، وليس مع الزوال الذي يبتدئ به وقت صلاة الظهر، ولذا فصواب العبارة أن يقال: “ويوافق عبور كامل قرص الشمس”، وليس: “مركز الشمس”، وهذا يستدعي إضافة دقائق لوقت الاستواء الذي يتوافق مع عبور مركز الشمس” انتهى من بحثه “وقت زوال الشمس” منشور بمجلة الحكمة عدد 42 ص214
وقال: ” وبالنظر لأبرز تقاويم الصلاة في العالم الإسلامي نجد أن معظم التقاويم تجعل وقت الزوال، هو وقت الاستواء، وقد سبق بيان خطأ ذلك ومخالفته للنصوص الشرعية، وبعض التقاويم تضيف دقائق على وقت بلوغ مركز قرص الشمس لدائرة الزوال (الاستواء)، وأكثر ما وقفت عليه إضافة تصل إلى سبع دقائق، كما في التقويم العماني، وبعضها يضيف خمس دقائق كما في التقويم المغربي، وبعضها يضيف دقيقتين كما في التقويم اليمني، وبعضها يضيف ثواني قد تصل إلى ما يقارب دقيقة في بعض أيام السنة، كتقويم أم القرى بالمملكة العربية السعودية.
والذي تحرر لي في هذه المسألة أن أقرب الأقوال –والله أعلم- هو القول بأن الوقت الذي يضاف لبلوغ الشمس خط نصف النهار لتحقيق الزوال الشرعي هو بمقدار ثلاث دقائق، وهو قريب من قول الحطاب المالكي الذي يرى أن يضاف نصف درجة؛ أي دقيقتان، لكن لا يتحقق من ابتداء زيادة الظل بعد تناهي قصره في بعض الأحيان إلا بعد دقيقتين وربع إلى ثلاث دقائق.
وقد ذهبت إلى مدار السرطان (خط عرض 23) أكثر من مرة- وهو الذي تتعامد عليه الشمس وقت الانقلاب الصيفي (21 مايو)، وينعدم فيه الظل وقت استواء الشمس منتصف النهار- ووجدت أن الظل [يكون بعد دقيقتين] وربع، إلى دقيقتين ونصف، ثم إني تحقت من ذلك بتطبيقه على برنامج (the sky astronomy software inc)، فوجدت أن عبور كامل قرص الشمس لخط الزوال يستغرق دقيقتين و26 ثانية، أي أن الوقت الذي يضاف لبلوغ مركز الشمس خط الزوال هو (دقيقة و 13 ثانية)، فإذا جبرنا الثواني أصبح المجموع دقيقتين، وإذا أضفنا لذلك دقيقة للتحقق من الزوال اصبح المجموع ثلاث دقائق، خاصة وأنه في الوقت الحاضر قد اتسعت المدن مقارنة بالسابق، ومركز قرص الشمس يعبر –ظاهريا- ربع درجة طولية في الدقيقة الواحدة” انتهى من البحث المذكور، ص232
وعليه؛ فإذا كانت الصلاة تقام بعد ست دقائق من انتصاف الشمس في كبد السماء، فصل معهم، ولا تتخلف عن الجماعة.
والله أعلم
هل انتفعت بهذه الإجابة؟
المصدر:
موقع الإسلام سؤال وجواب