هل هناك إجماع على أنّ من سبّ النبي صلى الله عليه وسلم فلن تقبل توبته؟ فإذا رأى أحد اسم النبي صلى الله عليه وسلم ونطق بكلمة السبّ فقط، ولم يقل الاسم، فهل يعتبر أيضا سبّ للنبي إذا كان ذلك الشخص ينوي السبّ؟ وهل هذا الذنب يغفر بالتوبة؟
هل هناك إجماع على عدم قبول توبة من سب النبي صلى الله عليه وسلم؟
السؤال: 376461
Table Of Contents
أولا:
حكم سب النبي صلى الله عليه وسلم
سب النبي صلى الله عليه وسلم كفر وردة موجبة للقتل بالإجماع، وقد حكى هذا الإجماع غير واحد من العلماء .
قال القاضي عياض رحمه الله: " قال القاضي عياض رحمه الله: " من استخف به – يعني بنبينا صلى الله عليه وسلم – أو بأحد من الأنبياء ، أو أزرى عليهم ، أو آذاهم ، أو قتل نبيا ، أو حاربه : فهو كافر بإجماع " انتهى من" الشفا بتعريف حقوق المصطفى"(2/284).
وقال ابن القطان رحمه الله في كتابه "الإقناع في مسائل الإجماع" (2/270):
" ذكر أحكام الارتداد.
….
وأجمع عوام أهل العلم على أن على من سب النبي صلى الله عليه وسلم القتل." انتهى.
وينظر للفائدة: جواب السؤال رقم:(159664).
ثانيا:
توبة من سب النبي صلى الله عليه وسلم
إذا تاب الساب قبلت توبته فيما بينه وبين الله تعالى، إجماعا.
وهل تقبل توبته في الدنيا أم يقتل؟
في ذلك خلاف، سنذكره.
وحكى أبو بكر الفارسي (ت305هـ) من الشافعية الإجماع على أنه يقتل، وأنه إن تاب لم يسقط عنه القتل بذلك.
قال إمام الحرمين، أبو المعالي الجويني، رحمه الله: " ولو سبّ رسول الله صلى الله عليه وسلم بما هو قذفٌ صريح، كفر باتفاق الأصحاب، قال الشيخ أبو بكر الفارسي في كتاب الإجماع: لو تاب، لم يسقط القتل عنه؛ فإنّ حدّ من يسبّ رسول الله صلى الله عليه وسلم القتلُ، فكما لا يسقط حدّ القذف بالتوبة، فكذلك لا يسقط القتل الواجب بسب النبي صلى الله عليه وسلم بالتوبة، وادعى فيه الإجماع، ووافقه الشيخ أبو بكر القفال" انتهى من "نهاية المطلب" (18/46).
وقال الإمام تقي الدين السبكي، إمام الشافعية في زمانه، رحمه الله: " قال الشيخ أبو بكر الفارسي في "كتاب الإجماع": لو تاب لم يسقط القتل عنه، فإن حد من يسب النبي صلى الله عليه وسلم القتل، فكما لا يسقط حد القذف بالتوبة، كذلك لا يسقط القتل الواجب لسب النبي صلى الله عليه وسلم بالتوبة. وادعى فيه الإجماع، ووافقه الشيخ أبو بكر القفال .." انتهى، من كتاب " السيف المسلول على شاتم الرسول" (168)، ونقله أيضا ابن رسلان في "شرح سنن أبي داود" (17/249).
وليس في المسألة إجماع؛ إذ الخلاف في ذلك مشهور.
قال القاضي عياض في "شرح مسلم"(7/293): "وأجمع العلماء أن من سب النبي كفر. واختلفوا هل حكمه حكم المرتد يستتاب؟
أو حكم الزنديق ولا تقبل توبته؟ وهو مشهور مذهب مالك، وقول الليث والشافعى وأحمد وإسحاق، ورأوا أن قتله، وإن تاب، للحد، وأن حد من سب النبى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: القتل لا يدفعه التوبة، كما [لا] يدفع التوبة حد قذف غيره من المسلمين، وسواء كانت توبته عندهم بعد القدرة عليه، أو جاء معترفًا تائبًا من قِبل نفسه، لكن هذا تنفعه توبته عند الله، ولا تسقط حد القتل عنه. كذا بينه شيوخنا رحمهم الله.
وقال أبو حنيفة والثورى: هي كفر وردة [وتقبل توبته] إذا تاب، وهى رواية الوليد بن مسلم عن مالك. " انتهى.
وقال في "الشفا" : " فاعلم أن مشهور مذهب مالك وأصحابه وقول السلف وجمهور العلماء: قتله حدا لا كفرا إن أظهر التوبة منه، ولهذا لا تقبل عندهم توبته، ولا تنفعه استقالته ولا فَيْأته كما قدمناه قبل، وحكمه حكم الزنديقِ ومُسِرِّ الكفرِ في هذا القول، وسواء كانت توبته على هذا بعد القدرة عليه والشهادة على قوله، أو جاء تائبا من قبل نفسه؛ لأنه حد وجب، لا تسقطه التوبة كسائر الحدود…
وأما ما بينه وبين الله فتوبته تنفعه ".
إلى أن قال: " وكلام شيوخنا هؤلاء مبني على القول بقتله حدا لا كفرا، وهو يحتاج إلى تفصيل. وأما على رواية الوليد بن مسلم عن مالك ومن وافقه على ذلك ممن ذكرناه وقال به من أهل العلم، فقد صرحوا أنه ردة، قالوا: ويستتاب منها، فإن تاب نُكِّل، وإن أبي قتل" انتهى من "الشفا بتعريف حقوق المصطفى" (2/ 254-257).
فالخلاف محكي عن أبي حنيفة والثوري ومالك في رواية.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: " وقد ذكرنا أن المشهور عن مالك وأحمد أنه لا يستتاب، ولا تسقط القتل عنه توبته، وهو قول الليث بن سعد. وذكر القاضي عياض أنه المشهور من قول السلف وجمهور العلماء، وهو أحد الوجهين لأصحاب الشافعي.
وحكي عن مالك وأحمد: أنه تقبل توبته، وهو قول أبي حنيفة وأصحابه، وهو المشهور من مذهب الشافعي بناء على قبول توبة المرتد" انتهى من "الصارم المسلول"، ص313
ثالثا:
من رأى اسم النبي صلى الله عليه بما يدل عليه، أي كتب: محمد رسول الله، أو محمد صلى الله عليه وسلم، فسب، دون ذكر اسمه، ونوى السب، فهذا سب له صلى الله وعليه وسلم، وكفر وردة.
ومن رأى اسم (محمد) فقط، فسب وهو يقصد النبي صلى الله عليه وسلم، كفر وارتد كذلك.
وهذا الساب كما قدمنا تقبل توبته فيما بينه وبين الله تعالى، فإن الله تعالى يغفر كل أنواع الكفر لمن تاب، كما قال: قال تعالى: وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا ءَاخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا سورة الفرقان/68، 69
وقال سبحانه : قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ الزمر/ 53.
فليبادر من وقع في السب بالتوبة، فإن الله تعالى يتوب عليه، وإنما الخلاف فيما لو رفع أمره للحاكم هل يقبل توبته أم لا؟
وقد علم مما تقدم أن الذين منعوا توبته أرادوا: أنه يقتل، ويقتل عندهم حدا إذا تاب، لا كفرا، فيغسل ويصلى عليه ويدفن مع المسلمين.
والله أعلم.
هل انتفعت بهذه الإجابة؟
المصدر:
موقع الإسلام سؤال وجواب
موضوعات ذات صلة