ما حكم شراء سيارة غير مجمركة عن طريق عقد مرابحة على أن يقوم صاحب السيارة الأول باتمام عملية الجمرك بعد بيعها للبنك، وبيع البنك السيارة للآمر بالشراء، علما أن البنك يشتريها من البائع بالسعر المجمرك، ويبيعها على إنها مجمركة، ثم تتم عملية الجمرك بعد ذلك، من قبل البائع الأول ؟
حكم شراء سيارة بالمرابحة من البنك قبل وصولها وجمركتها اكتفاء بمستندات الشحن
السؤال: 376703
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.
بيع المرابحة: هو بيع السلعة بالسعر الذي اشتريت به مع زيادة ربح، وهو من بيوع الأمانة؛ لأن البائع فيه (أي البنك هنا) يؤتمن على الإخبار بالسعر الذي اشترى به.
وما ذكرته فيه محذوران:
الأول: أن قدر الجمرك غير معلوم، فقد يزيد وينقص عما هو متوقع، فيلزم منه كذب البنك فيما يخبر به من الثمن الذي اشترى به، كما يلزم منه الظلم في قدر الربح الذي يقابل الفرق بين الثمن المتوقع والثمن الحقيقي.
الثاني: أن هذا يعني أن البنك يبيع السيارة قبل أن يقبضها، لأنها لم تمر على الجمارك ولم تصل إليه، وإنما يكتفي بقبض مستندات الشحن.
ولا يجوز للبنك أن يبيع السيارة قبل قبضها، على الراجح، وقبض السيارة وغيرها من المنقولات يكون بنقله، فلا بد أن تصل السيارة إلى البنك.
وذهب جماعة من المعاصرين إلى أن استلام مستندات الشحن يعتبر قبضا حكميا للسلعة، وبه أخذت المعايير الشرعية، كما في معيار المرابحة ومعيار القبض. ينظر: "المعايير" ص 113، 308.
وهذا فيه تفصيل، "فمستندات الشحن إنما تعبر قبضا إذا كان البيع بشرط التسليم في بلد القيام (بلد التصدير)، لا في ميناء الوصول، وذلك أن أهم صور الشحن صورتان:
1-البيع مع شرط التسليم في ميناء الوصول:
وهذا الشرط يعني أن البائع ملزم بشحن البضاعة على السفينة التي يتفق عليها الطرفان، أو في الموعد الذي يتفقان عليه، على أي سفينة يختارها البائع، ولا يتم تسليم البضاعة إلاَّ بعد وصول السفينة إلى الميناء المعينة، ويترتب على هذا الشرط أن البضاعة تكون في ضمان البائع إلى أن يتسلمها المشتري، فإذا هلكت في الطريق هلكت على البائع، ولا تدخل في ضمان المشتري إلاَّ بعد وصول السفينة إلى الميناء، وتسلّمه البضاعة تسلماً حقيقياً أو حكميّاً بأن يكون متمكناً من التسلم، ولو لم يتسلم بالفعل …
2-البيع مع شرط التسليم في ميناء القيام (التصدير):
وفي هذه الصورة من البيع يتم تسليم البضاعة للمشتري أو وكيله بعد أن ينقلها البائع إلى الميناء، ويشحنها على السفينة التي يعينها المشتري، وعلى المشتري أو وكيله إبرام عقد النقل مع السفينة ودفع المصاريف، وقد يتولى البائع إبرام عقد النقل بتوكيل من المشتري، لحسابه أو باتفاق في عقد البيع على أن يبرم البائع عقد النقل على السفينة التي يعينها المشترى، ويدفع جميع المصاريف التي تكون جزءاً من ثمن الشراء.
وفي جميع هذه الحالات يكون المشتري متسلماً للبضاعة في ميناء القيام، وتدخل في ضمانه، ويتحمل تبعة هلاكها في الطريق " انتهى من "معيار المرابحة" د. محمد بن محمود الخضير، ص249.
وعليه: فلو كان البنك أو وكيله يستلم السيارة في بلد التصدير، ويكون ضمانها بعد ذلك عليه، فهنا قد يتوجه أن يكون قبض مستندات الشحن، قبضا للسيارة.
ومع ذلك؛ فلا تسلم المعاملة من الغرر، ولهذا ذكر الدكتور عبد العظيم أبو زيد أن "الواجب على العميل في بيع المرابحة للآمر بالشراء، ألا يشتري السلعة إلا بعد قبضها من قِبل المصرف، وبعد وصول السلعة إليه بذاتها، لا بموجب مستندات الشحن، إذ يبقى خطر هلاكها قائماً مادامت في الطريق" انتهى من بيع المرابحة، د. عبد العظيم أبو زيد، ص222.
فإننا لو سلّمنا أن استلام المصرف لمستندات الشحن يعتبر قبضاً، فإنه يمنع من البيع على العميل حتى تصل السلعة إليه، بُعداً عن الغرر.
وثمة محذور آخر، وهو أن البنك إذا اكتفى بمستندات الشحن، لكون التسليم في بلد القيام، فإنه سيلجأ غالبا إلى توكيل البائع في الاستلام عنه والشحن، ثم قد يوكل العميل في استلام السيارة، وهذه التوكيلات تجعل العقد إلى الصورية أقرب منها إلى العقد الحقيقي.
والراجح كما أشرنا أن البنك لا يجوز له أن يبيع السيارة حتى يقبضها، وقبضها يكون بنقلها ووصولها إليه، وليس بقبض مستندات الشحن.
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: "وما ينقل: مثل الثياب والحيوان والسيارات وما أشبه ذلك يحصل بنقلها؛ لأن هذا هو العرف" انتهى من "الشرح الممتع" (8/381).
واشتراط القبض في جميع السلع: هو مذهب الشافعي، وهو الراجح؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم لحكيم بن حزام: إِذَا اشْتَرَيْتَ مَبِيعاً فَلا تَبِعْهُ حَتَّى تَقْبِضَهُ رواه أحمد (15316) والنسائي (4613)، وصححه الألباني في "صحيح الجامع" برقم(342).
وأخرج الدارقطني وأبو داود (3499) عن زيد بن ثابت "أن النبي صلى الله عليه نهى أن تباع السلع حيث تبتاع حتى يحوزها التجار إلى رحالهم" والحديث حسنه الألباني في "صحيح أبي داود".
وفي الصحيحين من حديث ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَنْ ابْتَاعَ طَعَامًا فَلَا يَبِعْهُ حَتَّى يَقْبِضَهُ رواه البخاري (2133)، ومسلم (1525) وزاد: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: "وَأَحْسِبُ كُلَّ شَيْءٍ بِمَنْزِلَةِ الطَّعَامِ".
والله أعلم.
هل انتفعت بهذه الإجابة؟
المصدر:
موقع الإسلام سؤال وجواب