في مجتمعنا يستخدم الناس التعاويذ للأمراض المختلفة، على سبيل المثال مشاكل في المعدة، داخل التعاويذ لا يضعون أيّ آية أو كلمة أو رقم ، يضعون فقط نوعاً من جذور الشجرة، ويقولون: إنّ الله هو الذي يشفي، وهذا التعاويذ مجرّد نوع من العلاج، وبدون عون الله تعالى ليس بإمكان هذه التعاويذ أن تفعل شيئًا، وقد رأيت بنفسي من العديد من أقاربي أن هذه التعاويذ تعمل بالفعل، ربما في بعض الحالات أفضل من الدواء، لا أعرف كيف، ويزعمون أنه لا يوجد أي خطأ في استعمال هذه التعاويذ للعلاج الذي يحتوي فقط على جذور الشجر. فهل هذا النوع من العلاج مذكور في ديننا، مثل الرقية التي نقوم بها وفق تعاليم الرسول؟
حكم العلاج والتعويذ بجذور الشجر
السؤال: 377992
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.
أولا:
تجوز الرقية والعلاج بكل ما هو مباح، ولو لم يرد في القرآن والسنة؛ لأن باب الرقية والعلاج ليس توقيفيا؛ لما روى مسلم (2200) عَنْ عَوْفِ بْنِ مَالِكٍ الْأَشْجَعِيِّ، قَالَ: " كُنَّا نَرْقِي فِي الْجَاهِلِيَّةِ، فَقُلْنَا: يَا رَسُولَ اللهِ! كَيْفَ تَرَى فِي ذَلِكَ؟ فَقَالَ: اعْرِضُوا عَلَيَّ رُقَاكُمْ، لَا بَأْسَ بِالرُّقَى مَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ شِرْكٌ.
فهذا الباب يعتمد فيه على ما ورد في النصوص، وعلى ما ثبت بالتجربة نفعه، ما دام مباحا، لا يشتمل على ضرر، ولا يصحبه كلمات شركية أو مجهولة المعنى، أو تعلق بالوهم من غير اتصال مباشر بين الدواء وبين المريض.
ولم يتبين لنا كيف يتم العلاج بجذور الشجر، هل يتناولها المريض، أكلا أو شربا، أم يضع مسحوقها على الجرح – مثلا – فيمتصها، أو يأخذ الجرح من التراب المتصل بها، فإن كان ذلك فلا بأس.
وأما إن كانت الجذور لا يتناولها المريض كما يتناول الدواء والأعشاب، ولا توضع على الجرح ، ولا تتصل ببدنه اتصالا حسيا مباشرا، معقول المعنى في التداوي، بحيث يُعلم أن الجسم يستفيد من هذه الجذور امتصاصا أو رشحا، أو يأخذ من ترابها؛ فهذا تعلق بالوهم، وهو محرم؛ لكونه يجعل ما ليس سببا سببا. وهذا من جنس تعليق التميمة والودعة ولبس الحلقة، وهو شرك كما دلت السنة.
روى أحمد (17458) عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ الْجُهَنِيِّ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ َقَالَ: مَنْ عَلَّقَ تَمِيمَةً فَقَدْ أَشْرَكَ صححه الألباني في "صحيح الجامع".
وروى أحمد أيضا (17440) عن عُقْبَةَ بْنَ عَامِرٍ رضي الله عنه قال: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: مَنْ تَعَلَّقَ تَمِيمَةً فَلا أَتَمَّ اللَّهُ لَهُ، وَمَنْ تَعَلَّقَ وَدَعَةً فَلا وَدَعَ اللَّهُ لَهُ والحديث حسنه شعيب الأرنؤوط في تحقيق المسند.
والتميمة: ما علق لدفع العين والوقاية من الآفات.
والودعة: واحدة الودع، وهي أحجار تؤخذ من البحر يعلقونها لدفع العين، ويزعمون أن الإنسان إذا علق هذه الودعة لم تصبه العين، أو لا يصيبه الجن.
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: " ولبس الحلقة ونحوها إن اعتقد لابسها أنها مؤثرة بنفسها دون الله، فهو مشرك شركاً أكبر في توحيد الربوبية، لأنه اعتقد أن مع الله خالقاً غيره.
وإن اعتقد أنها سبب، ولكنه ليس مؤثراً بنفسه، فهو مشرك شركاً أصغر، لأنه لما اعتقد أن ما ليس بسببٍ سبباً، فقد شارك الله تعالى في الحكم لهذا الشيء بأنه سبب، والله تعالى لم يجعله سبباً.
وطريق العلم بأن الشيء سبب، إما عن طريق الشرع، وذلك كالعسل فيه شفاء للناس [النحل: 69]، وكقراءة القرآن فيها شفاء للناس، قال الله تعالى: وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين [الإسراء: 82].
وإما عن طريق القدر، كما إذا جربنا هذا الشيء فوجدناه نافعاً في هذا الألم أو المرض.
ولكن لا بد أن يكون أثره ظاهراً مباشراً، كما لو اكتوى بالنار فبرئ بذلك مثلاً، فهذا سبب ظاهر بيّن.
وإنما قلنا هذا، لئلا يقول قائل: أنا جربت هذا وانتفعت به، وهو لم يكن مباشراً، كالحلقة، فقد يلبسها إنسان وهو يعتقد أنها نافعة، فينتفع، لأن للانفعال النفسي للشيء أثراً بيناً، فقد يقرأ إنسان على مريض فلا يرتاح له، ثم يأتي آخر يعتقد أن قراءته نافعة، فيقرأ عليه الآية نفسها فيرتاح له ويشعر بخفة الألم، كذلك الذين يلبسون الحلق ويربطون الخيوط، قد يحسون بخفة الألم أو اندفاعه أو ارتفاعه بناءً على اعتقادهم نفعها.
وخفة الألم لمن اعتقد نفع تلك الحلقة مجرد شعور نفسي، والشعور النفسي ليس طريقاً شرعياً لإثبات الأسباب، كما أن الإلهام ليس طريقاً للتشريع " انتهى من "القول المفيد شرح كتاب التوحيد" (1/ 165).
ثانيا:
وضع شيء من تراب الأرض على الجرح، مع الرقية، ثبت نفعه في السنة، كما روى البخاري (5745) ومسلم (2194) عنْ عَائِشَةَ: " أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا اشْتَكَى الْإِنْسَانُ الشَّيْءَ مِنْهُ، أَوْ كَانَتْ بِهِ قَرْحَةٌ أَوْ جُرْحٌ، قَالَ: النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِإِصْبَعِهِ هَكَذَا، وَوَضَعَ سُفْيَانُ سَبَّابَتَهُ بِالْأَرْضِ، ثُمَّ رَفَعَهَا بِاسْمِ اللهِ، تُرْبَةُ أَرْضِنَا، بِرِيقَةِ بَعْضِنَا، لِيُشْفَى بِهِ سَقِيمُنَا، بِإِذْنِ رَبِّنَا" .
قال النووي رحمه الله: " قال جمهور العلماء : المراد بأرضنا هنا: جملة الأرض ، وقيل : أرض المدينة خاصة لبركتها . والريقة أقل من الريق .
ومعنى الحديث : أنه يأخذ من ريق نفسه على أصبعه السبابة، ثم يضعها على التراب فيعلق بها منه شيء، فيمسح به على الموضع الجريح أو العليل، ويقول هذا الكلام في حال المسح" انتهى من "شرح مسلم" (14/184).
فهذا استعمال للتراب لكن ليس مجردا بل مع الرقية والتفل.
قال السيوطي في شرح ابن ماجه: " قَوْله (تربة أرضنا) خبر مُبْتَدأ مَحْذُوف أَي هَذِه تربة أرضنا بريقة بَعْضنَا: يدل على أنه كَانَ يتفل عِنْد الرّقية" انتهى.
والله أعلم.
هل انتفعت بهذه الإجابة؟
المصدر:
موقع الإسلام سؤال وجواب