في منطقتنا قمنا ببناء بيت للإمام الثاني في حديقة المسجد لحاجته لذلك، على أن يسكن هو فيه بالتحديد، فهل يجوز للإمام الاول أن يخرج الإمام الثاني دون ضرورة أو حاجة؛ لأنه يرى أن البيت وقف للمسجد، ولا يشترط أن يسكن فيه من خصصه أهل المنطقة لسكنى الدار؟ وهل تحديد أهل المنطقة يعتبر شرطا للواقف، فهم يؤكدون أنهم تبرعوا خصيصا لسكنى الإمام الثاني؟ هل يجوز إخراج الإمام الثاني؟ وهل يأثم من يخرجه؟ وهل يبلَّغ من يسكن بعده في البيت بشرط الواقف؟ وهل يأثم إذا علم بذلك وبقي في البيت؟ أرجو النقل من كتب الالمذاهب الإسلامية ما يؤيد الفتوى.
إذا بنى أهل الحي بيتا لإمام المسجد هل يختص به ومتى يجوز إخراجه؟
السؤال: 380927
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.
أولا:
إذا كانت حديقة المسجد اشتراها أو أنشاها من بنى المسجد وجعلها وقفا مع المسجد، لمصلحة المسجد، فالأصل أن تبقى حديقة، إلا أن يرى ناظر الوقف، أو أهل المسجد مصلحة في بناء بيت للإمام في هذه الحديقة، فلهم ذلك، على الراجح.
سئل شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: “عن حقوق زاوية وهو بظاهرها، وقد أقيم فيه محراب منذ سنين، فرأى من له النظر على المكان المذكور المصلحة في بناء طبقة على ذلك المحراب، إما لسكن الإمام، أو لمن يخدم المكان من غير ضرورة تعود على المكان المذكور، ولا على أهله فهل يجوز ذلك؟.
فأجاب: إذا لم يكن ذلك مسجداً معداً للصلوات الخمس، بل هو من حقوق المكان: جاز أن يُبنى فيه ما يكون من مصلحة المكان.
ومجرد تصوير محراب: لا يجعله مسجداً، لا سيما إذا كان المسجد المعد للصلوات، ففي البناء عليه نزاع بين العلماء” انتهى من “مجموع الفتاوى” (31/7).
وجاء في “مطالب أولي النهى” (4/376): ” سئل الشيخ تقي الدين: فيمن بنى مسجداً لله، وأراد غيره أن يبني فوقه بيتاً وقفا له، إما لينتفع بأجرته في المسجد، أو ليسكنه لإمامه، ويرون ذلك مصلحة للإمام أو للمسجد، فهل يجوز ذلك أم لا؟
فأجاب: بأنه إذا كان مصلحة للمسجد، بحيث يكون ذلك أعون على ما شرعه الله ورسوله فيه من الإمامه والجماعة، وغير ذلك مما شرع في المساجد، فإنه ينبغي فعله، كما نص على ذلك ونحوه غير واحد من الأئمة. حتى سئل الإمام أحمد عن مسجد لاصق بالأرض، فأرادوا أن يرفعوه، ويبنوا تحته سقاية، وهناك شيوخ فقالوا: نحن لا نستطيع الصعود إليه؟
فقال أحمد: ينظر ما أجمع عليه أكثرهم.
ولعل ذلك: أن تغيير صورة المسجد وغيره من الوقف لمصلحة راجحة جائز، إذ ليس في المساجد ما هو معين بذاته، إلا البيت المعمور، وإلا المساجد الثلاثة التي تشد إليها الرحال، إذ هي من بناء الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، فكانت كالمنصوص عليه، بخلاف المساجد التي بناها غيرهم، فإن الأمر فيها يتبع المصلحة، ولكن المصلحة تختلف باختلاف الأعصار والأمصار” انتهى .
ثانيا:
إذا بني بيت لإمام المسجد فإنه لا يكون مختصا بهذا الإمام، ولا يدخل هذا في “شرط الواقف” فإن هؤلاء لم يقفوا أرض الحديقة، بل هي موقوفة من قبل، إلا إن كانت الأرض غير موقوفة، فاشتروها وبنوا البيت وجعلوه وقفا على فلان، فإنه يكون موقوفا عليه.
والوقف على معين يصح.
قال في “منار السبيل” (2/7): ” (كونه على معين، غير نفسه: يصح أن يُملك؛ فلا يصح الوقف على مجهول، كرجل ومسجد، ولا على أحد هذين) الرجلين أو المسجدين، لتردده، كبعتك أحد هذين العبدين، ولأن تمليك غير المعين لا يصح” انتهى.
ثالثا:
تعيين من يكون إماما للمسجد يرجع فيه إلى وزارة الأوقاف، فهي المنوطة بتعيين من يصلح للإمامة، ولا يرجع في ذلك لأهل الحي إلا عند عدم وجود وزارة، أو إدارة مسئولة عن المساجد، أو جهة يتبعها هذا المسجد، تكون هي المنوطة بشؤونه، كما يوجد في بعض البلاد.
وقد يختار أهل الحي من لا يصلح للإمامة، أو من يوجد من هو أولى بها منه.
وليس للإمام الأول أن يعين غيره، إذ لا ولاية له على المسجد؛ إلا أن يكون الواقف قد جعل النظر في الوقف لإمام المسجد، فله أن يعين إماما للمسجد، لكن لا يعين إلا من يرضاه أهل الحي.
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: ” إذا كان الوقف على جهة عامة مثل المساكين، والأئمة، والمؤذنين، وطلاب العلم، فهؤلاء إذا لم يشترط الواقف ناظراً؛ فالنظر للحاكم؛ لأنه لا يمكن أن نأتي بكل من كان فقيراً، أو طالب علم، ونقول له: انظر في هذا الوقف، فهذا متعذر.
وكذلك لو كان الوقف على ما لا يملك، كالوقف على المساجد؛ فهذا النظر فيه ـ أيضاً ـ للحاكم، ما لم يعين الواقف ناظراً خاصاً” انتهى من “الشرح الممتع” (11/41).
وفي “كشاف القناع” (4/274): ” (وكذلك الناظر الخاص: لا ينصب من لا يرضاه الجيران)؛ لما في كتاب أبي داود، وابن ماجه عن عبد الله بن عمرو أن النبي – صلى الله عليه وسلم – كان يقول: ثلاثة لا يقبل الله منهم صلاة من تقدم قوما، وهم له كارهون وذكر بقية الخبر.
وقال أيضا الحارثي ما معناه: ظاهر المذهب: (ليس لأهل المسجد مع وجود إمام أو نائبه نصب ناظر في مصالحه)؛ أي: المسجد (ووقفه) أي: الموقوف عليه، كما في غير المسجد.
(فإن لم يوجد) القاضي (كالقرى الصغار، والأماكن النائية) أي: البعيدة، (أو وجد القاضي وكان غير مأمون، أو) وجد القاضي، وهو مأمون لكنه (ينصب غير مأمون: فلهم) – أي: أهله – (النصب، تحصيلا للغرض، ودفعا للمفسدة. وكذا ما عداه) أي: المسجد (من الأوقاف: لأهله نصب ناظر فيه؛ لذلك)، أي: لعدم وجود القاضي المأمون ناصبا لمأمون .
(وإن تعذر النصب من جهة هؤلاء: فلرئيس القرية، أو) رئيس (المكان : النظر، والتصرف) ؛ لأنه محل حاجة وقد نص أحمد على مثله انتهى كلامه” انتهى.
رابعا:
إذا عُيِّن إمام، وهو صالح للإمامة: لم يجز إخراجه منها إلا بموجب شرعي، كفسقه أو تفريطه في العمل.
قال في “منار السبيل” (2/14): ” (ومن قُرِّر في وظيفة على وفق الشرع: حرُم إخراجه منها بلا موجب شرعي)؛ كتعطيله القيام بها. قال الشيخ تقي الدين: ومن لم يقم بوظيفته: غيّره من له الولاية بمن يقوم بها، إذا لم يتُب الأول، ويلتزم بالواجب” انتهى.
وفي “الكشاف” (4/274): ” (وإن نُزِّل مستحق تنزيلا شرعيا: لم يجز صرفه منه) أي: مما نُزِّل فيه، (بلا موجب شرعي)؛ من نحو فسق ينافيه، أو تعطيل عمل مشروط” انتهى.
فالنصيحة لكم مراجعة إدارة الأوقاف إن وجدت، وإلا فاعرض الأمر على أهل العلم عندكم للوقوف على أمر الحديقة، وهل هي وقف قديم، أم اشتراها أهل الحي ووقفوها؟ وهل النظر في الوقف كان للإمام، أم لا ؟ وسبب محاولة الإمام الأول إخراج الثاني، وغير ذلك مما يتصل بالمسألة، وما فيها من الخصومة؛ ولا يمكن الجواب عليه إلا بافتراض أحوال كثيرة.
والله أعلم.
هل انتفعت بهذه الإجابة؟
المصدر:
موقع الإسلام سؤال وجواب