أنا واثنان من الزملاء نعمل مهندسي كهرباء، أنشأنا شركة، مجال عملها الحلول الصناعية، وصناعة اللوحات الكهربائية، نحن لا نمتلك سلعا، ولكن نمتلك أفكارا، وخبرات، ومهارات، يأيتنا العميل يطلب منا سعرا للمشروع، نقوم بتسعير المشروع عن طريق معرفة سعر البضاعة المطلوبة لتنفيذ المشروع، ثم نضيف سعر العمالة، والربح الخاص بنا، ثم نقوم بإعطاء العميل السعر، وإن وافق نقوم بأخذ دفعة من إجمالي المشروع، تقدر ب 50% من الإجمالي، ثم نقوم بإحضار البضاعة، ونقوم بتنفيذ المشروع، وبالنسبة للحلول الصناعية يأتينا العميل، ويطلب منا تنفيذ فكره معينة، نقوم بدراسة الفكرة، ونقول له تنفيذ هذه الفكرة بكذا، حيث لدينا خبره في برمجة المعدات، ونقوم بتقديم الحلول الصناعية للمشكلة التي يواجها العميل عن طريق كتابة برنامج هندسي لتشغيل المعدة، كما يريد طبعا أن تفق على السعر قبل البدء، ونأخذ دفعة مقدمة، ونحضر الأجهزة القابلة للبرمجةـ ونضعها في المعداتـ وتقوم بتنفيذ المهام طبقا لطلب العميل. السؤال هنا: في الحلول الصناعية نقوم بتسعير الحل الصناعي بأرباح عالية كمن يقوم ببيع براءة اختراعه أو أفكاره، فإذا كان الربح عاليا حيث إننا نقوم بشراء الجهاز القابل للبرمجة، ويكون مثلا سعره 5000 جنيه، ونقوم بتسعير البرنامج (البرمجة – الحل الصناعي ) ب 15000 أف جنيه، فهل هذا من الغبن؟ فنحن لا نبيع سلعة معينة معروفة في السوق، ولا أحد يستطيع أن يحدد ثمن هذه الفكرة أو الحل الصناعي، فلكل مهندس طريقته الخاصة في البرمجة والحل الصناعي.
ضابط الغبن والربح في سلع ومشاريع ليست معروفة في السوق
السؤال: 380944
Table Of Contents
أولا:
هل للربح حد معين في الشرع؟
ليس للربح حد معين في الشرع، إلا أنه ينبغي الرفق بالناس عموما، وعدم استغلال جهل بعض الناس بالأسعار والقيم، والبيع لهم بأكثر مما يباع لغيرهم، أو بأكثر مما يلائم ما في المبيع من قيمة، أو جهد، أو عمل مباح.
سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: " هل هناك حدٌ شرعي يحدد الأرباح التجارية فيضعها في الثلث أو غيره فإنني سمعت أن من الناس من يحددها بالثلث ويستدل على ذلك بأن عملية البيع تكون مبنية على التراضي واختاروا الثلث ليرضي الجميع نرجو التوضيح والتفصيل مأجورين؟
فأجاب: الربح الذي يكتسبه البائع ليس محدداً شرعاً لا في كتاب الله ولا في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا في إجماع أهل العلم ولا علمنا أن أحداً حدده.
غاية ما في ذلك أن بعضاً من أهل العلم، لما ذكروا خيار الغَبْن قالوا: إن مثله أن يغبن بعشرين في المائة أي بالخمس، ولكن مع هذا ففي النفس منه شيء، فإن التحديد بالخمس ليس عليه دليلٌ أيضا.
فعلى كل حال: فإننا نقول: إنه لا حد للربح؛ لعموم قوله تعالى : (وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ)، وعموم قوله تعالى : (إِلاَّ أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ)؛ فمتى رضي المشتري بالثمن، واشترى به: فهو جائز، ولو كان ربح البائع فيه كثيراً، اللهم إلا أن يكون المشتري ممن لا يعرفون الأسعار، غِرِّيراً بالقِيَم والأثمان، فلا يجوز للبائع أن يخدعه ويبيع عليه بأكثر من ثمن السوق، كما يفعله بعض الناس الذي لا يخافون الله، ولا يرحمون الخلق؛ إذا اشترى منهم الصغير والمرأة والجاهل بالأسعار: باعوا عليه بأثمان باهظة، وإذا اشترى منهم من يعرف الأسعار وهو عالمٌ يعرف كيف يشتري: باعوا عليه بثمن أقل بكثير.
إذن نقول في الجواب: إن الربح غير محدد شرعاً فيجوز للبائع أن يربح ما شاء؛ لعموم الآيتين الكريمتين (وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ) و(إِلاَّ أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ).
ولأن الزيادة والنقص خاضعان للعرض والطلب، فقد يكون الطلب شديداً على هذه السلعة فترتفع قيمتها، وقد يكون ضعيفاً فتنخفض، ومن المعلوم أنه قد يشتري الإنسان الشيء بمائة، ثم تزيد الأسعار فجأة، فيبيعها في اليوم الثاني أو بعد مدةٍ طويلة: بمائتين أو بثلاثمائة أو أكثر" انتهى من "فتاوى نور على الدرب" (16/2).
ثانيا:
ضابط الغبن
اختلف الفقهاء في ضابط الغبن، وفيما يترتب عليه.
جاء في "الموسوعة الفقهية" (20/149): "الغبن الذي يرد به شرعا هو الغبن الفاحش، والإطلاق محمول عليه كلما ذكر في مجال الرد.
والمراد بالغبن الفاحش، عند الحنفية والمالكية في الراجح والحنابلة في قول: أن العبرة في تقدير الغبن على عادة التجار.
وإن اختلفت عباراتهم، فإنها كلها تؤدي إلى هذا المعنى.
وإنما كانت العبرة بتقويم المقوِّمين، لأنهم هم الذين يرجع إليهم في العيوب ونحوها من الأمور التي تقتضي الخبرة في المعاملات.
والقول الثاني لكل من المالكية والحنابلة: أن المعتبر في الغبن الثلث.
والقول الثالث للمالكية: ما زاد على الثلث" انتهى.
وقال الشيخ محمد بن محمد المختار الشنقيطي حفظه الله: "خيار الغبن: أن تأتي إلى السوق وتسأل عن كتاب، بكم قيمة هذا الكتاب؟ قال: هذا الكتاب قيمته مائتان، فدفعت له المائتين وأخذته، فلما فارقت الرجل وتم البيع، سألت عن الكتاب فإذا قيمته خمسون، هذا غبنٌ فاحش، أي: أن الرجل ظلمك بالاسترسال، والاسترسال: أنك قبلت كلامه واسترسلت معه في البيع دون أن تكاسره، فلما باعه لك، غبنك غبناً فاحشاً، فبعض العلماء يقول: البيع صحيح ولا خيار لك؛ لأنك قد رضيت أن تدفع المائتين مقابل الكتاب، والبيع وقع عن تراض. وقال بعض العلماء: لك الخيار؛ لأنك حينما سكتّ كأنك قلت له: قبلت هذا الكتاب بالعرف، وقد ائتمنته على العرف في بيع هذا الكتاب، فصار غشاً وتدليساً؛ لأنك سكت بناءً على أن العرف أن يباع بمائتين، فإذا تبين أنه يباع بخمسين فقد ظلمك.
وهذا الوجه الثاني رجحه غير واحدٍ من العلماء" انتهى من "شرح زاد المستقنع".
فمن صور الغبن: ما يتعلق بالمسترسل، إذا كان للسلعة سعر معروف في السوق، فإذا بيعت للمسترسل الذي لا يماكس بأكثر من سعرها دون بيان أنها في السوق بأقل من ذلك، فهذا غبن، مناف للنصيحة، فإن حصل البيان فلا غبن.
قال الشيخ ابن باز رحمه الله بعد أن قرر أنه ليس للربح حد معين: "ليس له أن يخدع الناس، إذا كان يعرف أن السعر في السوق هذا الشيء بريال، ليس له أن يبيع بريال ونص، بل يبين للناس أن السعر كذا وكذا، ولكن أنا ما أبيعك إلا بكذا، ترى تشتري مني، وإلا روح اشتر من المحلات الأخرى، أما أنه يخدع الناس، السعر في السوق بريال، وهو يبيع بريالين يخدع الجاهل؛ ما يجوز له، بل يدله على الخير؛ لأن المؤمن أخو المؤمن يرشده، يقول: هذا الشيء يباع في السوق بكذا وكذا، وأنا أرشدك إلى المحلات الفلانية، أما أنا إذا كان ما يستطيع يبيع بها السعر، يقول: أنا ما أبيع بها السعر، أبيع بكذا وكذا، ترى تشتري مني بهذا الشيء لأنه علي غالي، وأنه دخل علي غالي، يبين الأسباب التي تدعوه إلى ذلك.
المقصود: أن عليه عدم خيانة أخيه، وعدم خداعه، فإذا كانت الأسعار في السوق رخيصة ومعروفة كالسلعة المعينة، أو فيها الطعام المعين أو في الأواني المعينة معروفة، فليس له أن يخدع أخاه بأن يبيع عليه بأكثر، "المسلم أخو المسلم"" انتهى من "فتاوى نور على الدرب" (19/ 53).
وبناء على ما تقدم، فإذا لم يكن للوحات الكهربائية ولا للحلول الصناعية سعر معهود في السوق، فلا حرج أن تضع السعر الذي تريد، لكن ينبغي ملائما، وأن تراعي الرفق بالناس والتخفيف عنهم والرحمة بهم؛ وقد روى البخاري (2076) عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: (رَحِمَ اللَّهُ رَجُلًا سَمْحًا إِذَا بَاعَ، وَإِذَا اشْتَرَى، وَإِذَا اقْتَضَى).
فهنيئا لأهل السماحة حصول الرحمة لهم.
ثم إن هذا التيسير من أسباب سعة الرزق، فلا يكاد الناس يعرفون من يسهل في الأسعار إلا أقبلوا عليه، فزاد عمله وإنتاجه وكثر ربحه، مع ما يتبع هذا التيسير والإحسان إلى الناس من حصول البركة في الرزق ، فإن الله تعالى يكافئ المحسن بالإحسان ، قال الله تعالى : (هَلْ جَزَاءُ الإِحْسَانِ إِلاَّ الإِحْسَانُ) الرحمن/60.
والله أعلم.
هل انتفعت بهذه الإجابة؟
المصدر:
موقع الإسلام سؤال وجواب