لدي شقة على مرابحة من البنك، مكونه من ثلاث غرف، وأنا اسكن في غرفة واحدة، هناك موقع إلكتروني لعرض الغرف ذات التأجير اليومي أو قليل المدة؛ بقصد الانتفاع من الإيجار، وزيادة الدخل، ومن الشروط أني لا أضيق على أحد، أو أسأل عن سبب الإيجار، أو ارفض على أساس الدين، أو الطائفة، أو العرق، أو الجنس … الخ، فإذا أتاني شخصان غير متزوجين أو شخص يشرب الخمر بالبيت ويأكل الخنزير أو سكنت امرأة لا دينية وما إلى ذلك ليس لي حق الرفض أو طرده؛ وإلا لن يسمح لي بعرض الغرف على الموقع.
فهل علي حرج في التأجير لمثل هولاء؟ وهل هذا الإيجار ماله حرام؟ وهل علي ألا أعرض تلك الغرف للإيجار حتى مع احتمال قدوم أشخاص مستقيمين؟
حكم تأجير المسكن لرجل وامرأة غير متزوجين أو لكافر يشرب الخمر أو ملحد
السؤال: 385370
Table Of Contents
أولا:
حكم تأخير شقة مشتراة بنظام المرابحة
يجوز أن تؤجر الشقة أو بعضها، ولو كنت اشتريها بالمرابحة ولا زلت تسدد ثمنها؛ لأنها تدخل في ملكك بمجرد العقد، ولك حق التصرف فيها.
ثانيا:
تأجير السكن لمن يتخذه للمعصية
لا يجوز تأجير السكن لمن يُعلم، أو يَغلب على الظن أنه يتخذها للمعصية، كمكان لبيع الخمر، أو صالة للرقص، أو بيتا للدعارة، أو نحو ذلك من المعاصي والمنكرات.
ولا يجوز تأجيرها لرجل وامرأة غير متزوجين؛ لما في ذلك من إقرار المنكر وعدم إنكاره، بل الإعانة عليه.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: ” ولا يصح بيع ما قَصْدُه به الحرام، كعصير يتخذه خمرا إذا علم ذلك، كمذهب أحمد وغيره.
أو ظنّ [يعني: وكذلك يحرم لو ظن أنه يقصد به الحرام]؛ وهو أحد القولين.
يؤيده: أن الأصحاب قالوا: لو ظن الآجر أن المستأجر يستأجر الدار لمعصية، كبيع الخمر ونحوها: لم يجز له أن يؤجره تلك الدار، ولم تصح الإجارة. والبيع والإجارة: سواء ” انتهى من “الفتاوى الكبرى” (5/388).
وقال البهوتي في “شرح منتهى الإرادات”: (2/358): ” ولا تصح إجارة (دار لتُعمل كنيسة)، أو بيعة أو صومعة راهب، (أو بيت نار) لتعبُّد المجوسِ، (أو لبيع خمر)، أو القمار ونحوه؛ سواء شُرط ذلك في العقد، أو عُلم بقرينة؛ لأنه فعل محرم، فلم تجز الإجارة عليه، كإجارة عبده للفجور به.
وإن استأجر ذمي من مسلم دارا، وأراد بيع الخمر بها: فله منعه؛ لأنه محرم” انتهى.
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: “كل شيء تؤجره لمحرَّم: فأنت شريك صاحبه في الإثم، وهو حرام عليك، حتى تأجير المكان للحلاَّق الذي يحلق اللحية: حرام، لكن لو أجرته لحلاق على أنه يحلق الرءوس، ثم رأيته يحلق اللحى: فهذا الإثم عليه هو؛ لأن هناك فرقاً بين من استأجر الشيء ليعصي الله فيه، وبين من استأجره فعصى الله فيه” انتهى” من لقاءات الباب المفتوح (43/السؤال رقم3).
ثالثا:
حكم تأجير السكن لملحد أو كافر
يجوز تأجير الشقة للملحدة، إلا أن يُعلم أنها ستجعله مكانا للاجتماع ونشر الإلحاد.
لكن إذا كنت ستسكن مع المرأة في نفس الشقة بحيث تراها وتراك، وليس هناك عزل لغرفتك ومرافقها، ودخولك وخروجك، فلا يجوز التأجير لامرأة مطلقا؛ لما في ذلك من الخلوة المحرمة، والفتنة البالغة في مثل تلك الحال.
ويجوز تأجيرها للكافر ولو غلب على الظن أنه سيشرب فيها الخمر أو يأكل الخنزير، لأن هذا من المعاصي التي اقتضى عقد الذمة إقرارهم عليها في بيوتهم، بخلاف ما لو علم أنه سيتخذ الشقة للزنا مثلا.
وقد نقل ابن القيم في “أحكام أهل الذمة” (1/578) عن الإمام أحمد ما يفيد الكراهة، وعن بعض الحنابلة التحريم. ثم قال ابن القيم:
“معاصي الذمي قسمان:
أحدهما: ما اقتضى عقد الذمة إقراره عليها.
والثاني: ما اقتضى عقد الذمة منعه منها أو من إظهارها.
فأما القسم الثاني: فلا ريب أنه لا يجوز، على أصل أحمد، أن يؤاجر أو يبايع، إذا غلب على الظن أنه يفعل ذلك، كالمسلم، وأولى.
وأما القسم الأول: فعلى ما قاله ابن أبي موسى: يكره ولا يحرم؛ لأنا قد أقررناه على ذلك، وإعانته على سكنى هذه الدار، كإعانته على سكنى دار الإسلام، فلو كان هذا من الإعانة المحرمة، لما جاز إقراره بالجزية.
وإنما كره ذلك؛ لأنه إعانة من غير مصلحة، لإمكان بيعها من مسلم، بخلاف الإقرار بالجزية، فإنه جاز لأجل المصلحة.
وعلى ما قاله القاضي: لا يجوز؛ لأنه إعانة على ما يستعين به على المعصية، من غير مصلحة تقابل هذه المفسدة، فلم يجز. بخلاف إسكانهم دار الإسلام، فإن فيه من المصالح ما هو مذكور في فوائد إقرارهم بالجزية” انتهى من “أحكام أهل الذمة” (1/585).
وقال السرخسي رحمه الله : ” ولا بأس بأن يؤاجر المسلم دارا من الذمي ليسكنها، فإن شرب فيها الخمر أو عبد فيها الصليب أو أدخل فيها الخنازير، لم يلحق المسلم إثم في شيء من ذلك، لأنه لم يؤاجرها لذلك، والمعصية في فعل المستأجر، وفعله دون قصد رب الدار؛ فلا إثم على رب الدار في ذلك ” انتهى من “المبسوط” (16/39).
وسئل علماء اللجنة الدائمة للإفتاء :
هل يجوز تأجير بيوت السكن على أهل الكتاب وعلى فساق المسلمين ؟ فإن بعض أهل العلم يحرم ذلك بناء على أن الكتابي سيكفر بالله في هذا البيت، وسيعبد فيه الصليب، وسيأكل فيه الخنزير، ويشرب فيه الخمر، وبناء على أن الفاسق سيشرب فيه الخمر، وسيسمع فيه الموسيقى والأغاني.
فأجابوا :
” الأصل جواز تأجير البيوت على الكتابي الذي له عهد أو أمان عند المسلمين، لكن لو علم أو غلب على ظن المؤجر أن هذا المحل سيستعمل فيما حرم الله، كبيع الخمر، ولعب القمار ونحو ذلك: حرم ؛ لما فيه من التعاون على الإثم والعدوان، سواء كان المستأجر كافرا أو عاصيا، وسواء كان المستأجر بيتا أو حانوتا أو غيرهما؛ لقول الله تعالى: (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ)” انتهى من فتاوى اللجنة الدائمة” (14 /486).
والحاصل: أنه على فرض أنه جاء يستأجر منك من لا يحل لك التأجير له؛ فإنك تمتنع عن ذلك، ولو أدى إلى عدم استعمالك للموقع مرة ثانية.
ولو ابتعدت عن الموقع بالكلية، وانتفعت بشقتك بنفسك، وأجرتها عن طريق من تعرف من السماسرة ونحو ذلك، إيجارا شرعيا صحيحا، لكان أحسن لك من القبول بنظام الموقع، وفيه شرط باطل لا يحل التزامه، ثم يؤول الأمر إلى أن تؤجر على من يحل لك الإيجار له، أو عدم الانتفاع بميزة الموقع ما دمت لن تلتزم بشرطه المحرم!!
والله أعلم.
هل انتفعت بهذه الإجابة؟
المصدر:
موقع الإسلام سؤال وجواب