0 / 0
4,24008/04/2023

من تاب من إتيان الكهان قبل الأربعين، هل تقبل صلاته؟

السؤال: 386328

علمنا أن من سأل عرافاً لكن لم يصدقه لا تقبل له صلاة ٤٠ ليلة، فهل من تاب قبل ٤٠ ليلة تقبل صلاته؟ وهل من ذهب وسأل الساحر مرتين لا تقبل له صلاة ٨٠ ليلة؟ وهل من استمع أفلام الكرتون أو المسلسلات التى تحتوي على أفعال السحرة يدخل فى الوعيد الخاص بعدم تقبل صلاة ٤٠ ليلة؟ وكيف نجمع بين الإيمان بالسحر وبين حديث الرسول صلى الله عليه وسلم: (من أتى عرافاً فصدقه فقد كفر بما أنزل على محمد)؟

الجواب

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.

أولا:

ثبت في الحديث، عَنْ بَعْضِ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: (مَنْ أَتَى عَرَّافًا فَسَأَلَهُ عَنْ شَيْءٍ، لَمْ تُقْبَلْ لَهُ صَلَاةٌ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً) رواه مسلم (2230).

فمن أتى عرافا أو كاهنا غير منكر عليه ولو لم يصدقه، لا تقبل له الصلاة أربعين يوما.

قال الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى:

“وورد في ذم الكهانة ما أخرجه أصحاب السنن، وصححه الحاكم من حديث أبي هريرة رفعه: ( مَنْ أَتَى كَاهِنًا، أَوْ عَرَّافًا، فَصَدَّقَهُ بِمَا يَقُولُ، فَقَدْ كَفَرَ بِمَا أُنْزِلَ عَلَى مُحَمَّدٍ ).

وله شاهد من حديث جابر، وعمران بن حصين أخرجهما البزار بسندين جيدين، ولفظهما: ( مَنْ أَتَى كَاهِنًا ).

وأخرجه مسلم من حديث امرأة من أزواج النبي صلى الله عليه وسلم ومن الرواة من سماها حفصة، بلفظ: ( مَنْ أَتَى عَرَّافًا )، وأخرجه أبو يعلى من حديث ابن مسعود بسند جيد، لكن لم يصرح برفعه، ومثله لا يقال بالرأي، ولفظه: ( مَنْ أَتَى عَرَّافًا أَوْ سَاحِرًا أَوْ كَاهِنًا ).

واتفقت ألفاظهم على الوعيد بلفظ حديث أبي هريرة، إلا حديث مسلم فقال فيه: ( لَمْ تُقْبَلْ لَهُ صَلَاةٌ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً ) …

والوعيد جاء تارة بعدم قبول الصلاة، وتارة بالتكفير، فيحمل على حالين من الآتي” انتهى من “فتح الباري” (10/217).

وسُئلت “اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء”:

” كيف نجمع بين الحديثين التاليين:

( من أتى عرافا فسأله عن شيء فصدقه لم تقبل له صلاة أربعين يوما )، رواه مسلم في صحيحه.

( من أتى كاهنا فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد )، رواه أبو داود.

فالحديث الأول لا يدل على الكفر، في حين الآخر يدل على الكفر.

الجواب: لا تعارض بين الحديثين، فحديث: (مَنْ أَتَى عَرَّافًا أَوْ كَاهِنًا، فَصَدَّقَهُ بِمَا يَقُولُ، فَقَدْ كَفَرَ بِمَا أُنْزِلَ عَلَى مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) يراد منه: أن من سأل الكاهن معتقدا صدقه، وأنه يعلم الغيب فإنه يكفر؛ لأنه خالف القرآن في قوله تعالى: (قُلْ لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ).

وأما الحديث الآخر: (مَنْ أَتَى عَرَّافًا فَسَأَلَهُ عَنْ شَيْءٍ، لَمْ تُقْبَلْ لَهُ صَلَاةٌ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً) رواه مسلم وليس فيه (فَصَدَّقَهُ).

فبهذا يُعلم أن من أتى عرافا فسأله لم تقبل له صلاة أربعين ليلة ، فإن صدقه فقد كفر.

وبالله التوفيق. وصلى الله على نبينا محمد، وآله وصحبه وسلم.

اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء.

الشيخ عبد الله بن غديان ، الشيخ عبد الرزاق عفيفي ، الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز ” انتهى من “فتاوى اللجنة الدائمة – المجموعة الأولى” (1/420).

وينظر السؤال رقم: (32863).

ثانيا:

لفظ الحديث يشير إلى أن تأثير معصية إتيان الكاهن يستمر أربعين يوما.

قال أبو العباس القرطبي رحمه الله تعالى:

“وأما أربعون إتيان العراف: فلأنها – والله أعلم – المدة التي ينتهي إليها تأثير تلك المعصية في قلب فاعلها وفي جوارحه، وعند انتهائها ينتهي ذلك التأثير، والله تعالى أعلم” انتهى من “المفهم” (5/637).

ويفهم من ذلك أن من أتى كاهنا مرتين متتاليتين: فإن عدم قبول صلاته لا يستمر ثمانين يوما، بل يستمر أربعين يوما من آخر مرة أتى فيها الكاهن.

ثالثا:

من تاب من معصية إتيان الكهان قبل مرور أربعين يوما، فالنصوص الدالة على قبول توبة التائب تدل على أنه يغفر له، ويزول عنه أثر المعصية، فتقبل أعماله الصالحة. وليس ذلك بأكبر من الشرك بالله جل جلاله، وقد وعد الله تعالى التائب من الشرك، والموبقات العظام أن يتوب عليه، ويتقبل منه.

قال الله تعالى: (وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا * يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا * إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا * وَمَنْ تَابَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللَّهِ مَتَابًا) الفرقان/68-71.

قال الشيخ السعدي، رحمه الله:

إِلا مَنْ تَابَ عن هذه المعاصي وغيرها بأن أقلع عنها في الحال وندم على ما مضى له من فعلها وعزم عزما جازما أن لا يعود، وَآمَنَ بالله إيمانا صحيحا يقتضي ترك المعاصي وفعل الطاعات وَعَمِلَ عَمَلا صَالِحًا مما أمر به الشارع إذا قصد به وجه الله.

فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ أي: تتبدل أفعالهم وأقوالهم التي كانت مستعدة لعمل السيئات تتبدل حسنات، فيتبدل شركهم إيمانا ومعصيتهم طاعة وتتبدل نفس السيئات التي عملوها ثم أحدثوا عن كل ذنب منها توبة وإنابة وطاعة تبدل حسنات كما هو ظاهر الآية.

وورد في ذلك حديث الرجل الذي حاسبه الله ببعض ذنوبه فعددها عليه ثم أبدل مكان كل سيئة حسنة فقال: يا رب إن لي سيئات لا أراها هاهنا. والله أعلم.

وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا لمن تاب يغفر الذنوب العظيمة رَحِيمًا بعباده حيث دعاهم إلى التوبة بعد مبارزته بالعظائم ثم وفقهم لها ثم قبلها منهم.

وَمَنْ تَابَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللَّهِ مَتَابًا أي: فليَعلم أن توبته في غاية الكمال، لأنها رجوع إلى الطريق الموصل إلى الله الذي هو عين سعادة العبد وفلاحه، فليخلص فيها، وليخلصها من شوائب الأغراض الفاسدة.

فالمقصود من هذا الحث على تكميل التوبة وإيقاعها على أفضل الوجوه وأجلها ليقدم على من تاب إليه فيوفيه أجره بحسب كمالها” انتهى من “تفسير السعدي” (587).

رابعا:

من شاهد البرامج والمرئيات التي يدّعى فيها علم الغيب غير منكر لها، فإنه يخشى عليه ذلك الوعيد ، فلا تقبل له صلاة أربعين ليلة.

قال ابن حجر الهيتمي رحمه الله تعالى:

“ويحرم تعلم وتعليم كهانة وضرب برمل… وشعير وحصى وشعبذة.

والتفرج على فاعل شيء من ذلك كما هو ظاهر؛ لأنه إعانة على معصية. ثم رأيت في فتاوى المصنف [يعني : النووي] ما يصرح بذلك، والخبر الصحيح: ( مَنْ أَتَى عَرَّافًا لَمْ تُقْبَلْ لَهُ صَلَاةٌ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً ) يشمله” انتهى من “تحفة المحتاج” (9/ 62-63).

وقال الشيخ عبد الرحمن البراك:

” فيخشى على مشاهدي هذه الأفلام المشتملة على الأعمال السحرية: ألا تقبل لهم صلاة أربعين يوماً، لما جاء في الحديث الصحيح: ( مَنْ أَتَى عَرَّافًا فَسَأَلَهُ عَنْ شَيْءٍ، لَمْ تُقْبَلْ لَهُ صَلَاةٌ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً ) رواه مسلم، فالمشاهد قد يقال إنه كالسائل للساحر أو الكاهن ” انتهى. من: http://iswy.co/e553t

وطالع لمزيد الفائدة جواب السؤال رقم: (210495).

خامسا:

حقيقة الكهانة تختلف عن حقيقة السحر، لكن يجمعهما أن كلا من الكاهن والساحر يدعي علم الغيب .

قال الخطابي رحمه الله تعالى:

” الكاهن هو الذي يدعي مطالعة علم الغيب، ويخبر الناس عن الكوائن، وكان في العرب كهنة يدعون أنهم يعرفون كثيرا من الأمور، فمنهم من كان يزعم أن له رئيا من الجن، وتابعة تلقي إليه الأخبار. ومنهم من كان يدعي أنه يستدرك الأمور بفهم أعطيه، وكان منهم من يسمى عرافا وهو الذي يزعم أنه يعرف الأمور بمقدمات أسباب يستدل بها على مواقعها، كالشيء يسرق فيعرف المظنون به السرقة … ونحو ذلك من الأمور.

ومنهم من كان يسمي المنجم كاهنا ، فالحديث يشتمل على النهي عن إتيان هؤلاء كلهم والرجوع إلى قولهم وتصديقهم على ما يدعونه من هذه الأمور ” انتهى من “معالم السنن” (4/ 228– 229).

فالكاهن كاذب مكذّب للوحي الذي دل دلالة قطعية على أنه لا يعلم الغيب إلا الله.

قال الله تعالى: (قُلْ لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ) النمل/65.

أما السحر فهو:

“عزائم ورقى وعُقَد تؤثر في الأبدان والقلوب، فيمرض، ويقتل، ويفرق بين المرء وزوجه، ويأخذ أحد الزوجين عن صاحبه، قال الله تعالى: ( فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ )، وقال الله سبحانه: ( قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ ) إلى قوله: ( وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ )، يعني: السواحر اللاتي يعقدن في سحرهن، وينفثن في عقدهن، ولولا أن للسحر حقيقة، لم يأمر بالاستعاذة منه…” انتهى من “الكافي” لابن قدامة رحمه الله تعالى (5/331).

فيكون قول عبد الله بن مسعود رضي الله الذي رواه أبو يعلى (5280): (من أتى عرافا أو ساحرا أو كاهنا فسأله فصدقه بما يقول ، فقد كفر بما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم) مراده بذلك : تصديق الساحر في خبره عن أمر الغيب، كما مر من أمر الكاهن، أو في كونه يعلم الغيب ، فذلك كفر ، وليس المراد تصديق الساحر في كون السحر له حقيقة.

قال الشيخ صالح الفوزان حفظه الله :

“كلٌّ من المنجِّم والساحر يدّعي علم الغيب الذي اختص الله تعالى بعلمه” انتهى من “إعانة المستفيد” (1/336).

والحاصل:

أن الساحر: إذا أخبر عن أمر من أمور الغيب، أو ادعى علم الغيب: فهذا شأنه شأن الكاهن السابق، وحكم إتيانه، أو تصديقه، أو مشاهدته، حكم الكاهن والعراف في ذلك كله.

والله أعلم.

المصدر

موقع الإسلام سؤال وجواب

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

answer

موضوعات ذات صلة

at email

النشرة البريدية

اشترك في النشرة البريدية الخاصة بموقع الإسلام سؤال وجواب

phone

تطبيق الإسلام سؤال وجواب

لوصول أسرع للمحتوى وإمكانية التصفح بدون انترنت

download iosdownload android