هل يمكن لشخص سيء ونذل وظالم وفاجر أن يرى الرؤى الحميدة، ومنها وبالأخص عن الجنة والأنبياء والحبيب المصطفى عليه الصلاة والسلام؟
هل يمكن أن يرى الفاسق الرؤيا الصالحة أو الرسول صلى الله عليه وسلم في المنام؟
السؤال: 389307
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.
الرؤيا الحسنة بشارة لصاحبها، كما روى البخاري (6990) عن أبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: (لَمْ يَبْقَ مِنْ النُّبُوَّةِ إِلَّا الْمُبَشِّرَاتُ) قَالُوا وَمَا الْمُبَشِّرَاتُ؟ قَالَ: (الرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ).
وروى الترمذي (2273) وحسنه عن أبي الدَّرْدَاءِ عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: (لَهُمْ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا) فَقَالَ: (هِيَ الرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ يَرَاهَا الْمُسْلِمُ أَوْ تُرَى لَهُ). وصححه الألباني في “صحيح الترمذي”.
وروى أحمد (10590)، وأبو داود (5019)، والترمذي (2270)، وابن ماجه (3917) عنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:
(إِذَا اقْتَرَبَ الزَّمَانُ، لَمْ تَكَدْ رُؤْيَا الْمُسْلِمِ تَكْذِبُ، وَأَصْدَقُهُمْ رُؤْيَا أَصْدَقُهُمْ حَدِيثًا، وَرُؤْيَا الْمُسْلِمِ جُزْءٌ مِنْ سِتَّةٍ وَأَرْبَعِينَ جُزْءًا مِنَ النُّبُوَّةِ).
قَالَ: وَقَالَ: (الرُّؤْيَا ثَلَاثَةٌ: فَالرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ بُشْرَى مِنَ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَالرُّؤْيَا تَحْزِينٌ مِنَ الشَّيْطَانِ، وَالرُّؤْيَا مِنَ الشَّيْءِ يُحَدِّثُ بِهِ الْإِنْسَانُ نَفْسَهُ، فَإِذَا رَأَى أَحَدُكُمْ مَا يَكْرَهُ، فَلَا يُحَدِّثْهُ أَحَدًا، وَلْيَقُمْ فَلْيُصَلِّ) وصححه الألباني وشعيب الأرنؤوط وقال: على شرط الشيخين.
وقد يرى الكافر أو الفاسق الرؤيا الصادقة، كما رأى الملك رؤياه وعبرها يوسف عليه السلام، وقد تكون الرؤيا بشارة له بالهداية، أو نذارة له، أو مكرا به واستدراجا، وقد تكون الرؤيا لغيره من أهله الصالحين.
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: ” قال أهل العلم بالتعبير: إذا رأى الكافر أو الفاسق الرؤيا الصالحة فإنها تكون بشرى له بهدايته إلى الإيمان مثلا، أو التوبة، أو إنذارا من بقائه على الكفر أو الفسق، وقد تكون لغيره ممن ينسب إليه من أهل الفضل، وقد يرى ما يدل على الرضا بما هو فيه، ويكون من جملة الابتلاء والغرور والمكر نعوذ بالله من ذلك” انتهى من “فتح الباري” (12/ 381).
وقال رحمه الله: ” قوله (الرؤيا الحسنة من الرجل الصالح): هذا يقيّد ما أطلق في غير هذه الرواية، كقوله: (رؤيا المؤمن جزء) ولم يقيدها بكونها حسنة، ولا بأن رائيها صالح.
ووقع في حديث أبي سعيد: (الرؤيا الصالحة) وهو تفسير المراد بالحسنة هنا.
قال المهلب: المراد غالب رؤيا الصالحين، وإلا فالصالح قد يرى الأضغاث، ولكنه نادر؛ لقلة تمكن الشيطان منهم، بخلاف عكسهم؛ فإن الصدق فيها نادر، لغلبة تسلط الشيطان عليهم.
قال: فالناس على هذا ثلاث درجات:
الأنبياء: ورؤياهم كلها صدق، وقد يقع فيها ما يحتاج إلى تعبير.
والصالحون: والأغلب على رؤياهم الصدق، وقد يقع فيها ما لا يحتاج إلى تعبير.
ومن عداهم: يقع في رؤياهم الصدق والأضغاث. وهم على ثلاثة أقسام:
مستورون، فالغالب استواء الحال في حقهم.
وفسقة، والغالب على رؤياهم الأضغاث، ويقل فيها الصدق.
وكفار، ويندر في رؤياهم الصدق جدا.
ويشير إلى ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: (وأصدقهم رؤيا أصدقهم حديثا). أخرجه مسلم من حديث أبي هريرة، وستأتي الإشارة إليه في باب القَيْد في المنام إن شاء الله تعالى.
وقد وقعت الرؤيا الصادقة من بعض الكفار، كما في رؤيا صاحبي السجن مع يوسف عليه السلام، ورؤيا ملكهما، وغير ذلك.
وقال القاضي أبو بكر ابن العربي: رؤيا المؤمن الصالح هي التي تنسب إلى أجزاء النبوة، ومعنى صلاحها: استقامتها وانتظامها، قال: وعندي أن رؤيا الفاسق لا تعد في أجزاء النبوة، وقيل : تعد من أقصى الأجزاء، وأما رؤيا الكافر فلا تعد أصلا” انتهى من “فتح الباري” (12/362).
ثانيا:
رؤيا النبي صلى الله عليه وسلم في المنام: يشترط فيها أن يراه صلى الله عليه وسلم على صفته المعروفة؛ لقوله صلى الله عليه وسلم : ( مَنْ رَآنِي فِي الْمَنَامِ فَقَدْ رَآنِي فَإِنَّ الشَّيْطَانَ لا يَتَمَثَّلُ بِي ) رواه البخاري (6994)، رواه مسلم (2266).
وقد وردت صفاته صلى الله عليه وسلم في أحاديث كثيرة، فيها صفة خَلقه وكفه وذراعيه وفمه وأسنانه ووجه وعينيه وصفة شعره ولحيته صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .
وعلى ذلك؛ قد يراه الفاسق على غير صفته، فلا يكون قد رآه حقا.
وينظر: جواب السؤال رقم: (47782).
رابعا:
الرؤيا تسُرُّ، ولا تَغُرُّ؛ أي: لا ينبغي لأحد أن يغتر بالرؤيا، فالمدار على العمل، والعبرة بالخاتمة.
قال ابن مفلح رحمه الله في “الآداب الشرعية” (3/ 453): “قال المروذي: أدخلت إبراهيم الحميدي على أبي عبد الله [أي الإمام أحمد]، وكان رجلا صالحا، فقال [أي إبراهيم]: إن أمي رأت لك كذا وكذا، وذكرت الجنة. فقال: يا أخي إن سهل بن سلامة كان الناس يخبرونه بمثل هذا، وخرج سهل إلى سفك الدماء!!
وقال: الرؤيا تسر المؤمن ولا تغره” انتهى.
وقال الذهبي رحمه الله، في ترجمة وُهيب بن الورد رحمه الله، أحد العباد المعروفين: “وكانوا يرون لَهُ الرؤيا أَنَّهُ من أَهْل الجنة، فإذا أُخبر بها اشتدّ بكاؤه، وقال: قد خشيت أن يكون هَذَا من الشيطان” انتهى من “تاريخ الإسلام” (9/ 663).
والحاصل:
أن الفاسق لو رأى رؤيا حسنة، فلعلها بشارة له بالتوبة، أو تحذير له، أو هي لبعض من ينسب له من ولد وغيره، ولا ينبغي لأحد أن يغتر بالرؤيا.
والله أعلم.
هل انتفعت بهذه الإجابة؟
المصدر:
موقع الإسلام سؤال وجواب
موضوعات ذات صلة