حكم من قال وهو في غسله أنا لا أحب غسل الجنابة عمدا، فهل الغسل صحيح أم كفر؟
ما حكم من قال أثناء غسله من الجنابة إنه لا يحب الغسل؟
السؤال: 392725
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.
مثل هذه الألفاظ يختلف حكمها باختلاف قصد صاحبها ونيته، لقول رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ، وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى البخاري (1)، ومسلم (1907).
وقد استنبط أهل العلم من هذا النص وغيره: قاعدة عظيمة، وهي: " أن الأمور بمقاصدها " ومن فروعها: " أن مقاصد اللفظ على نية اللافظ ". "الأشباه والنظائر" للسيوطي (1/81).
وتصريح الإنسان بعدم محبته للغسل لا يخلو من أحد مقصدين:
المقصد الأول: أن يكون هذا الكره وعدم المحبة، له تعلق بحكم الله تعالى وأمره بالغسل، فيكون المغتسل متسخطا على هذا الحكم، غير راغب فيه ولا راض به.
فعدم المحبة على هذا الوجه تعدّ من الكفر؛ لأن كره حكم من أحكام الله تعالى هو كفر ولو عمل به صاحبه، لقول الله تعالى: وَالَّذِينَ كَفَرُوا فَتَعْسًا لَهُمْ وَأَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ * ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ محمد/8–9.
وقد سبق ذكر هذا في بيان نواقض الإسلام، في جواب السؤال رقم: (31807).
والمغتسل في هذه الحال لا يصح غسله؛ لأن الإسلام شرط لصحة عبادة الإنسان.
جاء في "الموسوعة الفقهية الكويتية" (42/67):
" اشترط جمهور الفقهاء – الحنفية والشافعية والحنابلة – للنية ما يلي:
أ – الإسلام، فلا تصح العبادات من الكافر" انتهى.
فإذا ارتد أثناء غسله انقطعت نيته، فلم يصح غسله.
المقصد الثاني:
أن يكون الكره وعدم المحبة بسبب مشقة الغسل، لأجل شدة البرد مثلا، أو مرضه، أو كسله ونحو ذلك، مع رضا المسلم بحكم الله تعالى وقبوله له:
ففي هذه الحال لا يكفر المسلم بهذا، لأنه لم يكره حكم الله تعالى، وإنما صرح بما جُبلت عليه نفسه من عدم محبة المشقة، وهذا أمر لا يلوم الشرع صاحبه.
قال الله تعالى: كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ البقرة/216.
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى:
"الضمير ( هُوَ )، يعود على القتال؛ وليس يعود على الكتابة؛ فإن المسلمين لا يكرهون ما فرضه الله عليهم؛ وإنما يكرهون القتال بمقتضى الطبيعة البشرية؛ وفرق بين أن يقال: إننا نكره ما فرض الله من القتال؛ وبين أن يقال: إننا نكره القتال؛ فكراهة القتال أمر طبيعي؛ فإن الإنسان يكره أن يقاتل أحدا من الناس فيقتله؛ فيصبح مقتولا؛ لكن إذا كان هذا القتال مفروضا علينا صار محبوبا إلينا من وجه، ومكروها لنا من وجه آخر؛ فباعتبار أن الله فرضه علينا يكون محبوبا إلينا؛ ولهذا كان الصحابة رضي الله عنهم يأتون إلى الرسول صلى الله عليه وسلم يصرون أن يقاتلوا؛ وباعتبار أن النفس تنفر منه يكون مكروها إلينا…
من فوائد الآية:أنه لا حرج على الإنسان إذا كره ما كتب عليه؛ لا كراهته من حيث أمَر الشارع به؛ ولكن كراهته من حيث الطبيعة؛ أما من حيث أمر الشارع به فالواجب الرضا، وانشراح الصدر به" انتهى من"تفسير الفاتحة والبقرة" (3/ 48–50).
وفي هذه الحال الغسل صحيح لا يبطل؛ لعدم وجود ما يبطله.
والله أعلم.
هل انتفعت بهذه الإجابة؟
المصدر:
موقع الإسلام سؤال وجواب