قرأت هذا الكلام ( العلماء أجمعوا على أن الفتوى تتغير بتغير الزمان والمكان والعرف والحال لذلك يجب الاستفادة من المتغيرات ) لكني غير مقتنع به فهل هذا الكلام صحيح ؟. أرجو الإجابة مع الاستدلال بالأدلة الشرعية والسنة ؟.
هل يُنكر تغير الفتوى بتغير الزمان والمكان
السؤال: 39286
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.
هذه القاعدة يعبر عنها بعض العلماء بقولهم : ( لا ينكر تغير الأحكام بتغير الزمان ) ، كما في مجلة الأحكام العدلية المادة 39 ، وشرح القواعد الفقهية للزرقا ص 227 وغير ذلك .
وهذه القاعدة إحدى القواعد المتفرعة عن قاعدة " العادة محكمة ".
وكلمة " الأحكام " الواردة في القاعدة ، مخصوصة بالأحكام المبنية على العرف والعادة ، فهذه هي التي تتغير بتغير الزمان والمكان والحال .
قال في درر الحكام شرح مجلة الأحكام : ( إن الأحكام التي تتغير بتغير الأزمان هي الأحكام المستندة على العرف والعادة ; لأنه بتغير الأزمان تتغير احتياجات الناس , وبناء على هذا التغير يتبدل أيضا العرف والعادة وبتغير العرف والعادة تتغير الأحكام حسبما أوضحنا آنفا , بخلاف الأحكام المستندة على الأدلة الشرعية التي لم تبن على العرف والعادة فإنها لا تتغير . مثال ذلك : جزاء القاتل العمد القتل . فهذا الحكم الشرعي الذي لم يستند على العرف والعادة لا يتغير بتغير الأزمان , أما الذي يتغير بتغير الأزمان من الأحكام , فإنما هي المبنية على العرف والعادة , كما قلنا ,
وإليك الأمثلة : كان عند الفقهاء المتقدمين أنه إذا اشترى أحد دارا اكتفى برؤية بعض بيوتها[غرفها] , وعند المتأخرين لا بد من رؤية كل بيت منها على حدته , وهذا الاختلاف ليس مستندا إلى دليل , بل هو ناشئ عن اختلاف العرف والعادة – في أمر الإنشاء والبناء , وذلك أن العادة قديما في إنشاء الدور وبنائها أن تكون جميع بيوتها متساوية وعلى طراز واحد , فكانت على هذا رؤية بعض البيوت تغني عن رؤية سائرها , وأما في هذا العصر فإذ جرت العادة بأن الدار الواحدة تكون بيوتها مختلفة في الشكل والحجم لزم عند البيع رؤية كل منها على الانفراد) انتهى من درر الحكام 1/47 لمؤلفه الشيخ علي حيدر، وقريب منه ما في شرح المجلة لسليم رستم 1/36
ومثل الزرقا لهذه القاعدة بقوله :
( لما ندرت العدالة وعزت في هذه الأزمان قالوا بقبول شهادة الأمثل فالأمثل والأقل فجورا فالأقل …
وجوزوا تحليف الشهود عند إلحاح الخصم ، وإذا رأى الحاكم ذلك؛ لفساد الزمان) شرح القواعد الفقهية ص 229
ونبه الدكتور محمد الزحيلي على أن الأصل في الشريعة هو ثبات الأحكام ، وأن لفظ الأحكام في القاعدة ليس عاما ، وقال : ( ولذلك تعتبر القاعدة خاصة واستثناء ، مع التذكير بما يلي :
1- إن الأحكام الأساسية الثابتة في القرآن والسنة والتي جاءت الشريعة لتأسيسها بنصوصها الأصلية : الآمرة والناهية، كحرمة الظلم ، وحرمة الزنى والربا، وشرب الخمر والسرقة، وكوجوب التراضي في العقد ، ووجوب قمع الجرائم وحماية الحقوق ، فهذه لا تتبدل بتبدل الزمان ، بل هي أصول جاءت بها الشريعة لإصلاح الزمان والأجيال ، وتتغير وسائلها فقط .
2- إن أركان الإسلام وما علم من الدين بالضرورة لا يتغير ولا يتبدل ، ويبقى ثابتا كما ورد ، وكما كان في العصر الأول لأنها لا تقبل التبديل والتغيير.
3- إن جميع الأحكام التعبدية التي لا مجال للرأي فيها ، ولا للاجتهاد، لا تقبل التغيير ولا التبديل بتبدل الأزمان والأماكن والبلدان والأشخاص.
4- إن أمور العقيدة أيضا ثابتة لا تتغير ولا تتبدل ولا تقبل الاجتهاد، وهي ثابتة منذ نزولها ومن عهد الأنبياء والرسل السابقين ، حتى تقوم الساعة ، ولا تتغير بتغير الأزمان) انتهى من : القواعد الفقهية على المذهب الحنفي والشافعي للدكتور محمد الزحيلي ص 319
وبهذا يتضح أنه لا إشكال في هذه القاعدة ، وأنه لا حجة فيها لمن يريد إباحة الربا أو الاختلاط مثلا أو يريد إلغاء الحدود والعقوبات ، لتغير الزمان ! فإن هذه الأمور المذكورة ثابتة بالنصوص الواضحة من الكتاب والسنة ، فلا مجال لتغييرها أو تبديلها ، إلا أن ينخلع الإنسان من دينه رأسا .
والله أعلم .
هل انتفعت بهذه الإجابة؟
المصدر:
الإسلام سؤال وجواب