نحن جمعية خيرية في أفريقيا، نعمل كوكيل لجمع التبرعات من زكاة وكفالة وغيرها، ونقوم أيضا بتنفيذ المشروعات من بناء المساجد والآبار، نحن لا نأخذ أية مصاريف إدارية من أموال المتبرعين من زكاة وكفالة وغيرها بل نؤدها كما هي، لكن نحن ننفذ المشاريع كحفر الآبار وبناء المساجد، ونأخذ أرباح هذه المشاريع، نخرج منها رواتب الموظفين واحتياجاتهم، ونكفل بها الدعاة، والباقي نرده في أعمال الخير، أو ندخله في مشاريع وقفية بنفس الغرض. الأسئلة: فهل يجوز هذا؟ وهل يصح أن تجمع الجمعية بين الوكاله والتنفيذ؟ وما سقف الرواتب للموظفين؟ علما بأن كثيرا من المشاريع نستلمها من جمعيات في دول عربية، ونحن نعمل لها كجهة تنفيذ فقط، ويراعي أيضا أننا ننفذ المشاريع بنفس أسعار الجمعيات الأخري أو أقل، ولا سبيل للمتبرع أن ينفذ هذه المشاريع في أي مكان غالبا بأقل من تلك الأسعار. فهل يجوز تفريغ بعض الكوادر المتميزه التي بالطبع لها أعمالا دنيوية تغنيها عن راتب الجمعية، ولكن تفريغها يرفع كفاءة العمل جدا، لكن في مقابل راتب قد يكون كبيرا؛ لكي يترك عمله الدنيوي، ويتفرغ لنا؟
هل للجمعية الخيرية أن تتولى تنفيذ المشاريع والتربح منها؟
السؤال: 393743
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.
أولا:
نسأل الله تعالى أن يجزيكم خيرا على ما تقومون به من أعمال صالحة، وأن يوفقكم للمزيد منها.
ثانيا:
ذهب جمهور العلماء إلى أنه لا يجوز للوكيل أن يشتري أو يبيع من نفسه، أو يؤجر لنفسه، وهذا هو المعتمد عند علماء المذاهب الفقهية الأربعة (مذهب أبي حنيفة ومالك والشافعي وأحمد)، واستدلوا بدليلين:
1-أن العرف فيمن وُكِّل في البيع أن يبيع لغيره، لا لنفسه، فحملت الوكالة على ما جرى به العرف.
2-أن الوكيل إذا باع لنفسه فإنه تلحقه التهمة، بأنه حابى نفسه، ولم يعمل لمصلحة موكله.
قال ابن قدامة رحمه الله في "المغني" (5/68): "من وكل في بيع شيء ، لم يجز له أن يشتريه من نفسه، في إحدى الروايتين [أي : عن الإمام أحمد]، وهو مذهب الشافعي وأصحاب الرأي" انتهى.
وقال المرداوي في "الإنصاف" (13 /484-486):
"ولا يجوزُ للوَكيلِ في البَيعِ أنْ يَبِيعَ لنَفْسِه. هذا المذهبُ، وعليه الجُمْهورُ" انتهى.
وجاء في "منح الجليل" (6/388):
"وَ مُنِعَ بَيْعُهُ -أَيْ الْوَكِيلِ- لِنَفْسِهِ مَا وُكِّلَ فِي بَيْعِهِ" انتهى.
وجاء في "الموسوعة الفقهية" (45/39): "ذهب جمهور الفقهاء الحنفية والشافعية والحنابلة في المذهب والمالكية في المعتمد : إلى أنه لا يجوز للوكيل في البيع ، مطلقا ، أن يبيع لنفسه، لأن العرف في البيع : بيع الرجل من غيره ، فحملت الوكالة عليه، كما لو صرح به، ولأنه يلحقه تهمة" انتهى .
وفي "فتاوى اللجنة الدائمة" (14/314) : " من وكل في بيع سلعة من السلع فليس له أن يشتري لنفسه؛ لأنه مظنة التهمة بأن يكون مقصراً في النداء أو العرض، فصيانةً لعرضه: لا يشتري الوكيل لنفسه" انتهى.
وذهب بعض العلماء إلى جواز أن يبيع الوكيل لنفسه، عملا بإطلاق الوكالة، ولكن بشرط ألا تحصل منه محاباة لنفسه، وهو رواية عن الإمام أحمد، اختارها بعض أصحابه، وذهب إليه بعض المالكية . ينظر: "الإنصاف" (13/484)، "منح الجليل" (6/388).
قد سبق في الموقع في عدة فتاوى ترجيح القول الأول، ينظر (148503)، (295359).
ولا شك أن ذلك هو الأسلم للمسلم ، حتى يصون عرضه عن القيل والقال، ولا يكون عرضة للتهمة والتساؤل والتشكيك في نزاهته. ثم يصون نفسه أيضا عن مواضع التهمة، ومواقع الفتن؛ والمال فتنة .. أي فتنة!!
وبناء على هذا، فإن كانت الجهة المتبرعة تتعامل معكم على أنكم وكلاء عنها، لم يجز لكم القيام بتلك المشاريع والتربح من ورائها.
أما إذا كانت تتعامل معكم على أنكم جهة منفذة، ولستم وكلاء: فلا حرج من التربح منها حينئذ .
ولهذا، فإنه يجدر بكم أن تصارحوا الجمعيات التي تتعامل معكم بأن عندكم الموظفين الذين سيقومون بهذه الأعمال، دفعا للتهمة عنكم.
ثالثًا:
أما رواتب الموظفين، فإن كانت تدفع من الصدقات والتبرعات العامة التي لم يحدد أصحابها مصرفا لها، فالواجب أن تكون بمقدار راتب المثل، فينظر: كم يأخذ هذا الموظف لو عمل هذا العمل في مكان آخر؛ فيتقاضى هذا الراتب من الجمعية، لأن الواجب على من تولى أمرا من أمور المسلمين أن يتصرف بالأصلح لهم.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى:
" قد دلت سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم على أن الولاية أمانة يجب أداؤها … وقد أجمع المسلمون على معنى هذا؛ فإن وصي اليتيم ، وناظر الوقف، ووكيل الرجل في ماله ؛ عليه أن يتصرف له بالأصلح فالأصلح ، كما قال الله تعالى: ( وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ) ، ولم يقل إلا بالتي هي حسنة؛ وذلك لأن الوالي راع على الناس، بمنزلة راعي الغنم؛ كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (كُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ ؛ فَالْإِمَامُ الَّذِي عَلَى النَّاسِ رَاعٍ وَهُوَ مَسْؤُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالْمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ فِي بَيْتِ زَوْجِهَا وَهِيَ مَسْئُولَةٌ عَنْ رَعِيَّتِهَا، وَالْوَلَدُ رَاعٍ فِي مَالِ أَبِيهِ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالْعَبْدُ رَاعٍ فِي مَالِ سَيِّدِهِ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ ؛ أَلَا فَكُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ) أخرجاه في الصحيحين …
ثم الولي والوكيل متى استناب في أموره رجلا، وترك من هو أصلح للتجارة أو العقار منه، وباع السلعة بثمن، وهو يجد من يشتريها بخير من ذلك الثمن؛ فقد خان صاحبه، لا سيما إن كان بين من حاباه وبينه مودة أو قرابة، فإن صاحبه يبغضه ويذمه، ويرى أنه قد خانه وداهن قريبه أو صديقه" انتهى من "مجموع الفتاوى" (28/ 250 – 252).
أما إذا كان الراتب يُدفع من أرباح المشاريع – والمراد بذلك، والذي حصل عليه الجواب: هو أجرة الأجرة التي تأخذها الجميعة لتنفيذ هذه المشاريع – : فالواجب أولا أن تتعاقد الجمعية على هذه الإجارة لتنفيذ المشاريع مع الجهة التي تدفع لها الأموال، باتفاق واضح محدد.
وفي هذه الحالة لا تقدير لرواتب الموظفين، بل تكون بحسب ما يحصل به التراضي بين إدارة الجمعية والموظفين. مع الأخذ في الاعتبار أن إدارة الجمعية يجب عليها التصرف لمصلحة الجمعية بما هو أصلح.
وبهذا يحصل الجواب عن السؤال الأخير، وهو: هل يجوز تفريغ بعض الكوادر المتميزة براتب كبير ليرفع من كفاءة العمل؟
والجواب على هذا: أن هذا يرجع إلى النظر إلى مصلحة العمل، فإن كان العمل بحاجة إلى هذا الشخص حاجة حقيقية فلا حرج من ذلك.
والله أعلم.
هل انتفعت بهذه الإجابة؟
المصدر:
موقع الإسلام سؤال وجواب
موضوعات ذات صلة