ما حكم ترك حلق شعر العانة فوق أربعين ليلة؟
ما حكم تأخير حلق شعر العانة أكثر من أربعين يومًا؟
السؤال: 394622
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.
أولا:
صحّ التوقيت في حلق شعر العانة، بأن لا يترك أكثر من أربعين ليلة.
عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: ” وُقِّتَ لَنَا فِي قَصِّ الشَّارِبِ، وَتَقْلِيمِ الْأَظْفَارِ، وَنَتْفِ الْإِبِطِ، وَحَلْقِ الْعَانَةِ، أَنْ لَا نَتْرُكَ أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً ” رواه مسلم (258).
قال النووي رحمه الله تعالى:
” معناه: أن لا نترك تركا يتجاوز الأربعين.
وقوله: ( وُقِّتَ لَنَا) هو من الأحاديث المرفوعة، مثل قوله: ” أمرنا بكذا “، وقد جاء في غير صحيح مسلم: ( وقت لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم )، والله أعلم ” انتهى من”شرح صحيح مسلم” (3/150).
ومن الحكمة في ذلك المحافظة على النظافة والزينة.
قال ابن الجوزي رحمه الله تعالى:
” وفي الحديث: (وُقِّتَ لَنَا فِي قَصِّ الشَّارِبِ، وَتَقْلِيمِ الْأَظْفَارِ، وَنَتْفِ الْإِبِطِ، وَحَلْقِ الْعَانَةِ، أَنْ لَا نَتْرُكَ أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً).
اعلم أنه متى زاد الزمان على هذا المقدار كثرت الأوساخ، وربما حصل تحت الظفر ما يمنع وصول الماء إليه. ثم إنها تعدم الزينة التي خصت بالأظفار والشارب” انتهى من “كشف المشكل” (3/313).
ثانيا:
التحديد بالأربعين هو لأقصى المدة، فليس معناه أن المستحب أن يترك هذه الأشياء أربعين ليلة ثم تزال، وإنما من الأفضل أن يتعاهدها قبل الأربعين متى ظهر طولها.
قال ابن هبيرة رحمه الله تعالى:
” هذا الحديث هو الغاية في تأخير ذلك، والأولى أخذ ذلك فيما قبل هذه الغاية ” انتهى من “الإفصاح” (5/396).
وقال النووي رحمه الله تعالى:
” وأما وقت حلقه – أي شعر القبل – فالمختار أنه يضبط بالحاجة وطوله، فإذا طال حلق، وكذلك الضبط في قص الشارب، ونتف الإبط، وتقليم الأظفار، وأما حديث أنس المذكور في الكتاب: ( وُقِّتَ لَنَا فِي قَصِّ الشَّارِبِ، وَتَقْلِيمِ الْأَظْفَارِ، وَنَتْفِ الْإِبِطِ، وَحَلْقِ الْعَانَةِ، أَنْ لَا نَتْرُكَ أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً )، فمعناه: لا يترك تركا يتجاوز به أربعين، لا أنهم وقت لهم الترك أربعين، والله أعلم ” انتهى من “شرح صحيح مسلم” (3/ 148-149).
ثالثا:
قوله: (أَرْبَعِينَ لَيْلَةً).
ليس معناه؛ أن الحلق يكون في الليالي، وأن الحساب يكون بها فقط.
بل المقصود بـ (لَيْلَةً)، أي: يوما كاملا.
قال ابن الجوزي رحمه الله تعالى في تفسير قول الله تعالى:
(وَإِذْ وَاعَدْنَا مُوسَى أَرْبَعِينَ لَيْلَةً ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَنْتُمْ ظَالِمُونَ) البقرة/51.
قال رحمه الله تعالى:
” وإنما ذكرت الليالي دون الأيام، لأن عادة العرب التأريخ بالليالي، لأن أول الشهر ليلة، واعتماد العرب على الأهلة، فصارت الأيام تبعا لليالي” انتهى من “زاد المسير” (1/80).
وقد وردت رواية أخرى لحديث أنس رضي الله عنه بلفظ اليوم كما عند النسائي (14)، قال: أَخْبَرَنَا قُتَيْبَةُ قَالَ: حَدَّثَنَا جَعْفَرٌ هُوَ ابْنُ سُلَيْمَانَ، عَنْ أَبِي عِمْرَانَ الْجَوْنِيِّ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: “وَقَّتَ لَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي قَصِّ الشَّارِبِ، وَتَقْلِيمِ الْأَظْفَارِ، وَحَلْقِ الْعَانَةِ، وَنَتْفِ الْإِبْطِ، أَنْ لَا نَتْرُكَ أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعِينَ يَوْمًا”، وَقَالَ مَرَّةً أُخْرَى: “أَرْبَعِينَ لَيْلَةً”.
فالحساب يكون بالطريقة التي تعارف عليها الناس، كما في عصرنا ، حيث بمرور أربع وعشرين ساعة من الحلق، تكون مرت ليلة واحدة وهكذا إلى تمام الأربعين.
ثالثا:
اختلف العلماء في حكم مجاوزة الأربعين، فعند الشافعية المجاوزة مكروهة.
قال النووي رحمه الله تعالى:
” تقليم الأظفار، وإزالة شعر العانة، بحلق، أو نتف، أو قص، أو نورة، أو غيرها، والحلق أفضل. ويستحب إزالة شعر الإبط بأحد هذه الأمور، والنتف أفضل لمن قوي عليه. ويستحب قص الشارب، بحيث يبين طرف الشفة بيانا ظاهرا. ويبدأ في هذه كلها، باليمين، ولا يؤخرها عن وقت الحاجة، ويكره كراهة شديدة، تأخيرها عن أربعين يوما، للحديث في “صحيح مسلم” بالنهي عن ذلك ” انتهى من “روضة الطالبين” (3/234).
وكذا عند الحنابلة، جاء في “مطالب أولي النهى” (1/87):
“فإن تركه فوق أربعين يوما: كره ، لحديث أنس قال: ( وقت لنا في قص الشارب وتقليم الأظفار ونتف الإبط وحلق العانة؛ أن لا يترك فوق أربعين ) رواه مسلم ” انتهى.
وذهب الحنفية وبعض أهل العلم إلى تحريم تجاوز الأربعين دون إزالة لهذه الأشياء المنصوص عليها.
جاء في “حاشية ابن عابدين” في الفقه الحنفي (3/66):
” قال في “شرح المنية”: وفي “المضمرات” عن ابن المبارك في تقليم الأظفار وحلق الرأس في العشر، أي عشر ذي الحجة، قال: لا تؤخَّر السُّنَّة، وقد ورد ذلك، ولا يجب التأخير اهـ.
ومما ورد في “صحيح مسلم” قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( إذا دخل العشر وأراد بعضكم أن يضحي فلا يأخذن شعرا ولا يقلمن ظفرا )، فهذا محمول على الندب دون الوجوب بالإجماع، فظهر قوله: ولا يجب التأخير.
إلا أن نفي الوجوب لا ينافي الاستحباب، فيكون مستحبا؛ إلا إن استلزم الزيادة على وقت إباحة التأخير، ونهايته: ما دون الأربعين؛ فلا يباح فوقها.
قال في “القنية”: الأفضل أن يقلم أظفاره ويقص شاربه ويحلق عانته وينظف بدنه بالاغتسال في كل أسبوع، وإلا ففي كل خمسة عشر يوما، ولا عذر في تركه وراء الأربعين، ويستحق الوعيد. فالأول: أفضل، والثاني: الأوسط، والأربعون: الأبعد ” انتهى.
واختار الشيخ ابن باز رحمه الله تعالى وجوب إزالة هذه الأشياء قبل مرور الأربعين، حيث قال:
” الأظفار يجب تعهدها قبل مضي أربعين ليلة؛ لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقّت للناس في قلم الأظفار، وحلق العانة، ونتف الإبط، وقص الشارب: ألا يترك ذلك أكثر من أربعين ليلة، هكذا ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم… ” انتهى. “مجموع فتاوى الشيخ ابن باز” (10 / 50).
وسُئلت “اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء” عن مسألة تطويل الأظافر كما هو منتشر بين النساء في عصرنا، فأجابت:
” لا يجوز تطويل الأظافر؛ لأن هذا مخالف لسنن الفطرة التي حث عليها النبي صلى الله عليه وسلم ومنها (قص الأظافر).
الواجب في تقليم الأظفار ونتف الإبط وحلق العانة وقص الشارب، أن لا يترك شيء من ذلك أكثر من أربعين ليلة؛ لما روى مسلم في “صحيحه” عن أنس رضي الله عنه قال: ( وُقِّتَ لَنَا فِي قَصِّ الشَّارِبِ، وَتَقْلِيمِ الْأَظْفَارِ، وَنَتْفِ الْإِبِطِ، وَحَلْقِ الْعَانَةِ، أَنْ لَا نَتْرُكَ أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً )، فيجب على هؤلاء النسوة التوبة إلى الله، وترك هذه العادة السيئة المخالفة لما أمر به النبي صلى الله عليه وسلم، والله سبحانه وتعالى يقول: ( وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا )، ويقول سبحانه: ( فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ).
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
بكر أبو زيد ، صالح الفوزان ، عبد الله بن غديان ، عبد العزيز آل الشيخ ، عبد العزيز بن عبد الله بن باز” انتهى من “فتاوى اللجنة الدائمة – المجموعة الثانية” (4/60).
فالحاصل؛ أن الذي يترك هذا الأشياء فوق أربعين يوما، ولا يزيلها متعمدا من غير ضرورة ولا عذر مشروع؛ مخالف لهدي النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك، خارج عن التوقيت الذي حده لها ؛ ويخشى عليه الإثم إن تعمد ذلك.
والله أعلم.
هل انتفعت بهذه الإجابة؟
المصدر:
موقع الإسلام سؤال وجواب