أنا أخفي إسلامي عن أهلي. قبل مدة دعوت دعاء الاستخارة، وأخبرت أهلي بأني مسلمة، ولكنهم لم يتقبلوا هذا، وبدأو يتهمونني وصديقاتي، ومكان عملي بأننا منظمة، ومن هذا الكلام الذي يقال علينا، حاول أهلي أن يفتنوني في ديني، ولكن الحمد لله، ثبت الله قلبي، ورزقني بالقوة، حاولت أن أخرح من البيت، ولكن أهلي منعوني بالقوة، وأظن الآن أن أهلي يعتقدون أنني تركت الإسلام، والعياذ بالله، بينما أنا أصبحت أخفي إسلامي، واضطر لجمع بعض الصلوات بسبب الخوف، المهم صديقاتي الآن ينصحنني بترك المنزل، وترك أهلي مؤقتا، ولكن هذا قد يحتاج إلى تدخل الشرطة، وأنا أخاف على أهلي بسبب مشاكلهم الصحية، ولأني وحيدتهم، ولكنهم يحاربونني في ديني، فبماذا تنصحون؟ اريد أن أفعل ما يرضي ربي عني، ولكني لا أستطيع أن أجد طريقة أستطيع بها أن أعبد الله تعالى كما أمرني بحرية، مع بر الوالدين وهما على هذه الحال.
مسلمة جديدة تخفي إسلامها وتريد ترك منزلها خشية ضغط أهلها
السؤال: 395134
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.
أولاً :
إن أول وأعظم ما نبدأ به جوابنا لك، أيتها الأخت الكريمة: أن نحمد الله تعالى، واحمديه أنت أيضا، حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه؛ احمديه على أن وفقك وهداك للإيمان، ومنَّ عليك بنور الهداية، والناس من حولك يتقلبون في الظلمات.
نحمده، سبحانه، وهو للحمد أهل، واحمديه أنت يا أمة الله: أن ثبتك على الدين الحق، وقد امتُحنت، وابتُليت، فثبَّت قلبَك عند الفتن، ولم تُفتني، وقد فُتن حولك من الناس من قد فُتن.
احمديه على أن حبب إليك الإيمان، وكره إليك الكفر والفسوق والعصيان، ورزقك السداد والرشاد، وتلك أجل نعم الله على العباد: (وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ أُولَئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ * فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَنِعْمَةً وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ) الحجرات/7-8.
احمديه على أن سلك بك مسالك الصالحين، من الأنبياء والشهداء والصديقين؛ فتلك سنة الله في الصراع بين الحق والباطل؛ الأمم الكافرة تأبى على من كان فيها، أن ينتقل عنها، ويدع دينها، ودين الآباء والأجداد!! ومن أراد الله به خيرا، سدده وهداه، وسلك به مسالك النجاة.
اسمعي تلك القصة التي يقصها الله علينا من أخبار رسله المكرمين، مع أقوامهم المكذبين:
(أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَبَأُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ وَالَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ لَا يَعْلَمُهُمْ إِلَّا اللَّهُ جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَرَدُّوا أَيْدِيَهُمْ فِي أَفْوَاهِهِمْ وَقَالُوا إِنَّا كَفَرْنَا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ وَإِنَّا لَفِي شَكٍّ مِمَّا تَدْعُونَنَا إِلَيْهِ مُرِيبٍ * قَالَتْ رُسُلُهُمْ أَفِي اللَّهِ شَكٌّ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَدْعُوكُمْ لِيَغْفِرَ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُؤَخِّرَكُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى قَالُوا إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنَا تُرِيدُونَ أَنْ تَصُدُّونَا عَمَّا كَانَ يَعْبُدُ آبَاؤُنَا فَأْتُونَا بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ * قَالَتْ لَهُمْ رُسُلُهُمْ إِنْ نَحْنُ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَمُنُّ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَمَا كَانَ لَنَا أَنْ نَأْتِيَكُمْ بِسُلْطَانٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ * وَمَا لَنَا أَلَّا نَتَوَكَّلَ عَلَى اللَّهِ وَقَدْ هَدَانَا سُبُلَنَا وَلَنَصْبِرَنَّ عَلَى مَا آذَيْتُمُونَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ * وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِرُسُلِهِمْ لَنُخْرِجَنَّكُمْ مِنْ أَرْضِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ رَبُّهُمْ لَنُهْلِكَنَّ الظَّالِمِينَ * وَلَنُسْكِنَنَّكُمُ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِهِمْ ذَلِكَ لِمَنْ خَافَ مَقَامِي وَخَافَ وَعِيدِ) إبراهيم/9-14
ثم سلي الله الثبات في كل وقت وحين، كما أنعم عليك بالإيمان أول مرة، أن يتم عليك نعمته بالثبات، حتى لقاء أرحم الراحمين.
فعن عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ، رضي الله عنهما، أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: إِنَّ قُلُوبَ بَنِي آدَمَ كُلَّهَا بَيْنَ إِصْبَعَيْنِ مِنْ أَصَابِعِ الرَّحْمَنِ، كَقَلْبٍ وَاحِدٍ، يُصَرِّفُهُ حَيْثُ يَشَاءُ ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (اللهُمَّ مُصَرِّفَ الْقُلُوبِ صَرِّفْ قُلُوبَنَا عَلَى طَاعَتِكَ) رواه مسلم في "صحيحه" (2654).
ثانيا:
إننا نعلم أيَّ محنة تعيشين، وأيَّة معضلة تواجهك …
إن مجرد افتراق المصير عن الأبوين؛ امتحان، واختبار عظيم، أيُّ اختبار.
وأشد من ذلك: أن يرى الولد الصالح أبويه، أمام عينيه، وهما على دين الشرك والكفر برب العالمين، وهو لا يستطيع لهما شيئا؛ لا ، بل وهما يراودانه عن دينه: أن يرجع عنه إلى ملتهما، بعد إذ هداه الله. قال تعالى: (قَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا مِنْ قَوْمِهِ لَنُخْرِجَنَّكَ يَاشُعَيْبُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَكَ مِنْ قَرْيَتِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا قَالَ أَوَلَوْ كُنَّا كَارِهِينَ * قَدِ افْتَرَيْنَا عَلَى اللَّهِ كَذِبًا إِنْ عُدْنَا فِي مِلَّتِكُمْ بَعْدَ إِذْ نَجَّانَا اللَّهُ مِنْهَا وَمَا يَكُونُ لَنَا أَنْ نَعُودَ فِيهَا إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّنَا وَسِعَ رَبُّنَا كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا عَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْنَا رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ وَأَنْتَ خَيْرُ الْفَاتِحِينَ) الأعراف/88-89
وهذا الفرقان العظيم الذي جاء به نبي الله صلى الله عليه وسلم؛ أن يفرق للعباد بين الحق والباطل؛ أن يكون ذلك هو مفرق الطريق، فلا مداهنة فيه للآباء ولا الأجداد، ولا العشائر والأقوام؛ وإن كان في ألم الفراق ما كان …
عن عَبْد الرَّحْمَنِ بْن جُبَيْرِ بْنِ نُفَيْرٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ:
جَلَسْنَا إِلَى الْمِقْدَادِ بْنِ الأَسْوَدِ يَوْمًا، فَمَرَّ بِهِ رَجُلٌ فَقَالَ: طُوبَى لِهَاتَيْنِ الْعَيْنَيْنِ اللَّتَيْنِ رَأَتَا رَسُولَ اللهِ صَلى الله عَليه وسَلم؛ وَاللهِ لَوَدِدْنَا أَنَّا رَأَيْنَا مَا رَأَيْتَ، وَشَهِدْنَا مَا شَهِدْتَ!!
فَاسْتَغْضَبَ، فَجَعَلْتُ أَعْجَبُ؛ مَا قَالَ إِلاَّ خَيْرًا؟!
ثُمَّ أَقْبَلَ إِلَيْهِ، فَقَالَ: مَا يَحْمِلُ الرَّجُلَ عَلَى أَنْ يَتَمَنَّى مَحْضَرًا غَيَّبَهُ اللهُ عَنْهُ، لاَ يَدْرِي لَوْ شَهِدَهُ كَيْفَ كَانَ يَكُونُ فِيهِ!! وَاللهِ لَقَدْ حَضَرَ رَسُولَ اللهِ صَلى الله عَليه وسَلم أَقْوَامٌ كَبَّهُمُ اللهُ عَلَى مَنَاخِرِهِمْ فِي جَهَنَّمَ، لَمْ يُجِيبُوهُ وَلَمْ يُصَدِّقُوهُ. أَوَلاَ تَحْمَدُونَ اللهَ إِذْ أَخْرَجَكُمْ لاَ تَعْرِفُونَ إِلاَّ رَبَّكُمْ مُصَدِّقِينَ لِمَا جَاءَ بِهِ نَبِيُّكُمْ قَدْ كُفِيتُمُ الْبَلاَءَ بِغَيْرِكُمْ.
وَاللهِ لَقَدْ بَعَثَ اللهُ النَّبِيَّ صَلى الله عَليه وسَلم عَلَى أَشَدِّ حَالٍ بُعِثَ عَلَيْهَا فِيهِ نَبِيٌّ مِنَ الأَنْبِيَاءِ؛ فِي فَتْرَةٍ وَجَاهِلِيَّةٍ، مَا يَرَوْنَ أَنَّ دِينًا أَفْضَلُ مِنْ عِبَادَةِ الأَوْثَانِ.
فَجَاءَ بِفُرْقَانٍ؛ فَرَقَ بِهِ بَيْنَ الْحَقِّ وَالْبَاطِلِ، وَفَرَّقَ بَيْنَ الْوَالِدِ وَوَلَدِهِ؛ حَتَّى إِنْ كَانَ الرَّجُلُ لَيَرَى وَالِدَهُ وَوَلَدَهُ، أَوْ أَخَاهُ كَافِرًا، وَقَدْ فَتَحَ اللهُ قُفْلَ قَلْبِهِ لِلإِيمَانِ؛ يَعْلَمُ أَنَّهُ إِنْ هَلَكَ دَخَلَ النَّارَ، فَلاَ تَقَرُّ عَيْنُهُ وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّ حَبِيبَهُ فِي النَّارِ؛ وَإِنَّهَا لَلَّتِي قَالَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: (الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ)".
رواه الإمام أحمد في "مسنده" (23810)، وقال محققوه: "إسناده صحيح". وصححه الألباني في "صحيح الأدب المفرد".
وحينئذ؛ فلا مثنويةَ في اختيار الطريق … ولا لبسَ .. ولا رجوعَ إلى الوراء ..
دينك؛ ليس ثمنا لشيء؛ أي شيء …
توحيد رب العالمين، في كفة، والدنيا بما فيها، ومن فيها: في كفة أخرى …
جاء الخلق كلهم، أو راحوا .. عاش الناس بأجمعهم، أو ماتوا … ليس ذلك داخلا في معادلة الإيمان والكفر. قال الله تعالى: (قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ إِلَّا قَوْلَ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ لَأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ وَمَا أَمْلِكُ لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ رَبَّنَا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا وَإِلَيْكَ أَنَبْنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ * رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا وَاغْفِرْ لَنَا رَبَّنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) الممتحنة/4-5.
وعَنْ مُعَاذ بن جبل، رضي الله عنه قَالَ: أَوْصَانِي رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِعَشْرِ كَلِمَاتٍ؛ قَالَ: (لَا تُشْرِكْ بِاللهِ شَيْئًا؛ وَإِنْ قُتِلْتَ وَحُرِّقْتَ، وَلَا تَعُقَّنَّ وَالِدَيْكَ، وَإِنْ أَمَرَاكَ أَنْ تَخْرُجَ مِنْ أَهْلِكَ وَمَالِكَ).
رواه أحمد في "مسنده" (22075)، وصححه الألباني لغيره، في "صحيح الترغيب" (2516).
وعَنْ خَبَّابِ بْنِ الأَرَتِّ، قَالَ: شَكَوْنَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهُوَ مُتَوَسِّدٌ بُرْدَةً لَهُ فِي ظِلِّ الكَعْبَةِ، قُلْنَا لَهُ: أَلاَ تَسْتَنْصِرُ لَنَا، أَلاَ تَدْعُو اللَّهَ لَنَا؟ قَالَ: (كَانَ الرَّجُلُ فِيمَنْ قَبْلَكُمْ يُحْفَرُ لَهُ فِي الأَرْضِ، فَيُجْعَلُ فِيهِ، فَيُجَاءُ بِالْمِنْشَارِ فَيُوضَعُ عَلَى رَأْسِهِ فَيُشَقُّ بِاثْنَتَيْنِ، وَمَا يَصُدُّهُ ذَلِكَ عَنْ دِينِهِ، وَيُمْشَطُ بِأَمْشَاطِ الحَدِيدِ مَا دُونَ لَحْمِهِ مِنْ عَظْمٍ أَوْ عَصَبٍ، وَمَا يَصُدُّهُ ذَلِكَ عَنْ دِينِهِ..) رواه البخاري (3612).
قَالَ الْحَسَنُ البصري، رحمه الله:
"رَحِمَ اللهُ امْرَأً عَرَفَ، ثُمَّ صَبَرَ.
ثُمَّ أَبْصَرَ؛ فَبَصُرَ!!
فَإِنَّ أَقْوَامًا عَرَفُوا؛ فَانْتَزَعَ الْجَزَعُ أَبْصَارَهُمْ. فَلَا هُمْ أَدْرَكُوا مَا طَلَبُوا، وَلَا هُمْ رَجَعُوا إِلَى مَا تَرَكُوا!! اتَّقُوا هَذِهِ الْأَهْوَاءَ الْمُضِلَّةَ الْبَعِيدَةَ مِنَ اللهِ، الَّتِي جِمَاعُهَا الضَّلَالَةُ، وَمِيعَادُهَا النَّارُ. لَهُمْ مِحْنَةٌ، مَنْ أَصَابَهَا أَضَلَّتْهُ، وَمَنْ أَصَابَتْهُ قَتَلَتْهُ.
يَا ابْنَ آدَمَ؛ دِينَكَ، دِينَكَ؛ فَإِنَّهُ لَحْمُكَ وَدَمُكَ؛ إِنْ يَسْلَمْ لَكَ دِينُكَ، يَسْلَمْ لَكَ لَحْمُكَ وَدَمُكَ. وَإِنْ تَكُنِ الْأُخْرَى؛ فَنَعُوذُ بِاللهِ، فَإِنَّهَا نَارٌ لَا تُطْفَأُ، وَجُرْحٌ لَا يَبْرَأُ، وَعَذَابٌ لَا يَنْفَدُ أَبَدًا، وَنَفَسٌ لَا تَمُوتُ.
يَا ابْنَ آدَمَ؛ إِنَّكَ مَوْقُوفٌ بَيْنَ يَدَيْ رَبِّكَ، وَمُرْتَهَنٌ بِعَمَلِكَ؛ فَخُذْ مِمَّا فِي يَدَيْكَ، لِمَا بَيْنَ يَدَيْكَ.
عِنْدَ الْمَوْتِ: يَأْتِيكَ الْخَبَرُ؛ أنَّكَ مَسْئُولٌ، وَلَا تَجِدُ جَوَابًا!!
وَإِنَّ الْعَبْدَ لَا يَزَالُ بِخَيْرٍ، مَا كَانَ لَهُ وَاعِظٌ مِنْ نَفْسِهِ، وَكَانَتِ الْمُحَاسَبَةُ مِنْ هَمِّهِ".
رواه أبو نعيم في "حلية الأولياء" (2/145)، وقال الشيخ محمد عمرو، رحمه الله في "تبييض الصحيفة" (2/167): "إسناده جيد".
ثالثا:
فكيف تكون النصيحة إذا في هذه المعضلة، أمام ضغط الوالدين، وعدم تفهُّمهما لموقفك، وتقبلهما لك، بدينك الجديد؟!
لا شك أنه إذا أمكن الجمع بين هذين الواجبين العظيمين: توحيد الله جل جلاله، والثبات على دينه الحق، الإسلام، مع بر الوالدين، والإحسان إليهما، وإن كانا كافرين؛ إذا أمكن الجمع بينهما، فهو الواجب المتعين. قال الله تعالى: ( وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ * وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ) لقمان/14-15.
وقد نزلت هاتان الآيتان الكريمتان، في قصة من قصص ذلك الصراع بين الأسرة الكافرة، والابن المسلم، تريد أن ترده عن دينه الجديد، إلى دين الآباء والأجداد:
روى مسلم في "صحيحه" (1748) عن سعد بن أبي وقاص، رضي الله عنه: "أَنَّهُ نَزَلَتْ فِيهِ آيَاتٌ مِنَ الْقُرْآنِ قَالَ: حَلَفَتْ أُمُّ سَعْدٍ أَنْ لَا تُكَلِّمَهُ أَبَدًا، حَتَّى يَكْفُرَ بِدِينِهِ، وَلَا تَأْكُلَ وَلَا تَشْرَبَ؛ قَالَتْ: زَعَمْتَ أَنَّ اللهَ وَصَّاكَ بِوَالِدَيْكَ، وَأَنَا أُمُّكَ، وَأَنَا آمُرُكَ بِهَذَا. قَالَ: مَكَثَتْ ثَلَاثًا حَتَّى غُشِيَ عَلَيْهَا مِنَ الْجَهْدِ، فَقَامَ ابْنٌ لَهَا يُقَالُ لَهُ عُمَارَةُ، فَسَقَاهَا، فَجَعَلَتْ تَدْعُو عَلَى سَعْدٍ، فَأَنْزَلَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ فِي الْقُرْآنِ هَذِهِ الْآيَةَ: (وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْنًا وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي) وَفِيهَا (وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا)لقمان/15.
فإذا كان ثمةَ أملٌ في أن يلين الوالدان، ويتفهما أمرك، ويتقبلا منك وضعك الجديد، بالدين الجديد، من غير فتنة تعرِض لك؛ فابقَي معهما، واصحبيهما بالمعروف، ولا تتركيهما إلا إلى بيت زوجك، متى قدر لك ذلك بعون الله.
وإن لم يكن هناك أمل في تلك الحال الفاضلة، من الجمع بين الأمرين، وخفت على نفسك الفتنة في دينك، ولم يمكنك إقامة الشعائر في بيت الوالدين؛ فهل الرأي والنصيحة لك أن تبقي على ما أنت عليه الآن، من الاستسرار بإسلامك، والإيهام بأنك عدت إلى دينهما، أو على الأقل لم تعودي تكترثين بدين الإسلام؟ أو أن تخرجي عنهما، ولو قد استعنت بالشرطة، لتنتقلي بعيدا عن سلطانهما، وتتمكني من إقامة شعائر دينك؟
الذي يظهر، والله أعلم، في وجه النصيحة هنا أن يقال:
إن والديك، وإن كان منهما ما كان؛ فهما آمنُ عليك، على عرضك، ونفسك، من غيرهما، وبيت أبويك، هو آمن مأوى تأوين إليه، وتأمنين فيه على نفسك، وعرضك.
والخروج عن بيت أبويك، لطلب فضيلة إقامة الدين، وإظهار الشعائر، مشروط بأمرين يغلب على الظن أن يكونا في المكان الجديد الذي تنتقلين إليه؛ وهما: الأمن على النفس والعرض، والتمكن من إظهار الدين فيه، مع الأمن على النفس من الفتنة.
وحينئذ؛ حين يتحقق لك المكان الذي تأمنين فيه؛ فاخرجي إليه، ولا تُقدمي صحبة الوالدين، مع سعيهما في فتنتك، وردك عن دينك، وعجزك عن إقامة شعائره؛ بل قدمي إقامة الدين على رضا الوالدين؛ فهي مقدَّمة، بلا ريب. وإن قدر أن تأثر الوالدان، وحزنا، واعتلت صحتهما؛ فليس ذلك بيديك، بل هما اللذان فرضا عليك ذلك الخيار المؤلم:
إذا لم يكن إلا الأسنةَ مركبٌ * فلا رأي للمضطر إلا ركوبُها !!
ولا إثم عليك، ولا عار من حزنهما، ولا من تأذيهما. وعسى الله أن يصلح أمرهما، ويهدي قلبهما بعد ذلك، ويتقبلاك على ما أنت عليه، إن علما أنهما سيفقدانك إلى الأبد، وانقطع أملهما في أن تتركي دينك.
وما لم يتحقق لك مكان، يتوفر فيه هذان الشرطان؛ فابقي على ما أنت عليه، إلى أن يجعل الله لك فرجا ومخرجا، ويجعل لك من أمرك يسرا. وألمحي، بل صرحي إلى صديقاتك اللواتي يشجعنك على الخروج، أن أفضل مخرج لك، هو الزواج من رجل مسلم صالح، يكفيك، ويؤويك، ويعينك على أمر دينك. وساعتها تنتقلين آمنة على دينك، وعرضك. وخير ما يقدمنه لك أن يساعدنك في ذلك الأمر، ويبحثن لك عن الرجل المناسب.
وإلى أن يقدر الله لك المأمن الذي تنتقلين إليه، سواء بالزواج، أو بالخروج إلى مكان آمن، وسط رفقة آمنة من النساء الصالحات؛ فاصبري، وصابري، ورابطي، وداري والديك جهدك، واتقي الله ما استطعت. وقد قال الله تعالى: (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا) الطلاق/2-3 ، وقال تعالى: (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا) الطلاق/4.
والله أعلم.
هل انتفعت بهذه الإجابة؟
المصدر:
موقع الإسلام سؤال وجواب