أعمل فى إحدى الشركات، وتم استخدام برنامج جديد لتسجيل الحضور والإنصراف، يبدأ العمل 9 صباحا وينتهى 5 مساء، ويتم السماح بنصف ساعة تأخير صباحا، ويتم احتساب الساعات الإضافية بعد نصف ساعة من انتهاء مواعيد العمل، ولكن فوجئت بخصم مبلغ كبير من الراتب تحت بند التأخيرات، وعند مراجعة الموظف ففى بعض الأحيان كنت أصل 9:30 بالضبط، وتم خصم نصف يوم مقابل كل مرة، وقال الموظف: إنه يأخد عدد مرات التأخير من البرنامج مباشرة دون النظر فى ميعاد الحضور، يعنى فرق الثانية أو الدقيقة تم خصم نصف يوم مقابلة، وأنا أرى أن فى هذا ظلم، وهذا لم يكن يحدث فى السابق قبل استخدام البرنامج، ويوجد بعض الناس لم يتم خصم منهم مثلى، ويتأخرون أكثر منى، فهل يجوز أن أخذ هذا المبلغ بطريقة أخرى أو أخذ ما يقابله؟
إذا خصم من راتبه بغير حق هل له أن يأخذ حقه دون علم صاحب العمل؟
السؤال: 396155
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.
أولا:
يلزم الموظف العمل في وقت الدوام المتفق عليه، فإن قصر في ذلك لم يحل له ما يقابله من الراتب.
والأصل في ذلك: قوله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ المائدة/1، وقول النبي صلى الله عليه وسلم: المُسْلِمُونَ عَلَى شُرُوطِهِم رواه أبو داود (3594) وصححه الألباني في "صحيح أبي داود".
وإذا تأخر الموظف حُسب وقت تأخيره، وخصم ما يقابله، بأن تعرف أجرة اليوم، وأجرة الساعة فيه، فينقص من راتبه بحسب ما تأخر.
ولا يجوز أن تخصم الساعة ساعتين، أو أن يخصم اليوم يومين؛ لما في ذلك من الظلم، ولأنه تعزير بالمال لا يملكه إلا القاضي –عند من يجوز التعزير بالمال-.
وسئل الشيخ محمد بن محمد المختار الشنقيطي حفظه الله: " إذا غاب العامل عن العمل دون عذر، وقد أخبره صاحب العمل أنه إذا غاب فالجزاء خصم راتب يومين مقابل كل يوم، فهل يجوز لصاحب العمل هذا الفعل؟
فأجاب: لا يجوز؛ إلا إذا أراد أن يأكل أموال الناس، ويظلم الناس حقوقهم -نسأل الله السلامة والعافية- يقول الله في الحديث القدسي: (ثلاثة أنا خصمهم، ومن كنت خصمه فقد خصمته: رجل استأجر أجيراً فلم يوفه أجره)، والوفاء: أن تعطيه أجرته تامة كاملة.
وبناءً على ذلك؛ فإن نصوص الكتاب والسنة واضحة في تحريم هذا الأمر؛ لأننا إذا قلنا: إن العامل قد عمل شهراً إلا يوماً واحداً، فجاء -بناءً على غيابه في اليوم- وأنقص منه أجرة ذلك اليوم مضاعفاً بيومين مثلاً، فأخذ قسط يومين عقوبة، ففي هذه الحالة لم يوفه أجره؛ لأن أجره أجرة تسعة وعشرين يوماً، وهذا أعطاه أجرة ثمانية وعشرين يوماً، وإذا قال: اليوم بثلاثة أيام؛ فقد أعطاه أجرة سبعة وعشرين يوماً، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: (فلم يوفه أجره).
فإن قال قائل: هذا من باب العقوبة بالمال.
فنقول: في هذه الحال تصبح إجارة فيها شبهة الربا؛ لأنه قال: إذا عملت العمل فلك عشرة، وإذا ما عملته فسآخذ منك عشرين، وهذا أمر واضح جلي، فليس له مدخل.
ثم هذا لا يملك أموال الناس حتى يعاقبه في ماله، فأموال الناس محترمة، وحقوق العامل تسعة وعشرين يوماً، أن يعطى أجرة تسعة وعشرين يوماً، وإذا ضيع من أجرته ساعة واحدة، بل دقيقة واحدة؛ فسيقف بين يدي الله ويسأله عنها، شاء أم أبى، فيسأل عن هذه الأجرة، فلا بد وأن يوفيها تامة كاملة: (ثلاثة أنا خصمهم، ومن كنت خصمه فقد خصمته)، فدل على أنه باطل وظلم.
وبعضهم يقول: إن هذا جائز ولا بأس به؛ وهو من باب التعزير بالمال؟
فنقول: التعزير يكون في مسائل خاصة، أما التعزير بالمال ففيه شبهة، وجمهور العلماء على تحريم التعزير بالأموال؛ لأن النصوص واضحة: (إن دماءكم وأموالكم حرام عليكم)، (وَلا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ)البقرة/188، فكلهم يحرمون العقوبة بالمال.
لكن على القول بجوازها: إنما ذلك لولي الأمر، والتعزير مسلك قضائي تشريعي خاص، ولا يتوسع فيه على مستوى الأفراد.
فعلى مستوى الأفراد: هناك معاملات وحقوق بين الشركة وبين العامل، بين المؤسسة وبين العامل، بين الأجير والمستأجر، وهذا الأجير له حق يأخذه، وعليه حق يؤديه، لا يظلم ولا يُظلم، فإن غاب يوماً، يخصم منه غياب يوم، وإذا غاب يومين يخصم منه غياب يومين.
وقد يقول: إنه متكاسل فلا بد من تأديبه؟
سبحان الله! انظر إلى نفسك، متى صليت صلاة مع الإمام من أول تكبيرة الإحرام؟ كم تتخلف عن الصلاة؟ وكم يذهب عنك من حقوق الله عز وجل؟ ومع هذا تذهب وتدقق مع عباد الله؟! والله ما شدد عبد على عباد الله، إلا شدد الله عليه، ومن عامل الناس بهذه الأذية والإضرار؛ عامله الله بها في الدنيا والآخرة.
ولذلك؛ فإن من يدخل هذه المداخل يظلم الناس، ويجر على نفسه ويلات لا تحمد عقباها. فأوصي السائل، وأوصي من يعمل هذا العمل، وأوصي من يطلع على من يعمل هذا العمل؛ أن يحذره العقوبة من الله عز وجل، والعمال لهم حقوقهم، فإذا عملوا أيامهم فيجب إعطاؤهم أجورهم كاملة تامة بدون منة.
وأما بالنسبة للعقوبة؛ فإذا أعجبك عمله وانضباطه أبقيته، وإذا لم يعجبك ولم يناسبك فابحث عن غيره، أما أن تتسلط على ماله، أو تتسلط على عرضه بالسب والشتم والتوبيخ، أو يكتب له خطاباً يؤنبه ويؤذيه ويضره، فهذا مما ليس في شرع الله عز وجل، فلا يجوز هذا العمل، لا في الأمور الخاصة، ولا في الأمور العامة" انتهى من "شرح زاد المستقنع، على المكتبة الشاملة".
وينظر للفائدة: جواب السؤال رقم:(284921).
ثانيا:
إذا خصم من راتب الموظف بغير حق، فليطالب بحقه، فإن لم يستطع الوصول إليه، وأمكنه أن يأخذ حقه دون علم صاحب العمل، جاز له ذلك في أصح قولي العلماء، وهو ما يعرف بمسألة الظفر بالحق.
وقد ذكرنا في جواب السؤال رقم:(171676) أن الأخذ بمسألة الظفر مقيد بثلاثة أمور، تُعلم من مقاصد الشريعة وقواعدها، ومما قاله أهل العلم:
الأول: ألا يأخذ أكثر من حقه.
الثاني: أن يأمن الفضيحة والعقوبة.
الثالث: ألا يمكنه الوصول إلى حقه عن طريق القضاء، لعدم وجود البينة لديه، أو لسوء إجراءات التقاضي وما يصحبه من كلفة وتأخر.
فإن اختل شرط من هذه الشروط لم يجز له العمل بمسألة الظفر.
والله أعلم.
هل انتفعت بهذه الإجابة؟
المصدر:
موقع الإسلام سؤال وجواب
موضوعات ذات صلة