0 / 0
1,66024/05/2023

وجدوا وصيةً مكتوبةً بخط والدهم، فهل يلزمهم العمل بها؟

السؤال: 396741

توفي والدي عام ٢٠٢٠، وبعد وفاته وجدت ورقة بين متروكاته بصيغة وصية مكتوبة من عام ٢٠١٦، وليس عليها شهود، ولم يخبر أحدا أنه كتب وصية، فرفضها البعض وقبل البعض بها؛ خوفا من الذنب، ما حكم العمل بها أو إنكارها؟

الجواب

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.

أولا:

تثبت الوصية بواحد من أمور:

الأول: الشهادة . فإذا أشهد الرجل على وصيته رجلين عدلين عُمل بها.

الثاني: الإقرار، أي : تقرأ الوصية على الرجل فيقر أنها وصيته، وأنه هو الذي كتبها.

وهذا الأمران محل اتفاق بين العلماء، مع اختلاف في بعض التفاصيل التي لا حاجة هنا لذكرها.

جاء في “الموسوعة الفقهية: (43/281).

“تَثْبُتُ الْوَصِيَّةُ بِطُرُقِ الإثْبَاتِ الشَّرْعِيَّةِ ، كَالشَّهَادَةِ وَالْكِتَابَةِ …” انتهى.

الثالث: أن توجد الوصية مكتوبة بخطه ، فاختلف العلماء في ثبوتها بذلك، فذهب بعضهم إلى أنها لا تثبت، لاحتمال التزوير، وتقليد الخط.

وذهب الإمام أحمد وغيره إلى ثبوتها بالكتابة، متى عُلم أن الخط خطه.

قال الإمام أحمد رحمه الله: ” مَنْ مَاتَ ، فَوُجِدَتْ وَصِيَّتُهُ مَكْتُوبَةً عِنْدَ رَأْسِهِ، وَلَمْ يُشْهِدْ فِيهَا، وَعُرِفَ خَطُّهُ، وَكَانَ مَشْهُورَ الْخَطِّ ، يُقْبَلُ مَا فِيهَا” انتهى من “المغني” (8/470) .

ويدل لذلك من السنة ما رواه البخاري (2738)، ومسلم (1627) عن ابن عمر رضي الله عنهما أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (مَا حَقُّ امْرِئٍ مُسْلِمٍ لَهُ شَيْءٌ يُوصِي فِيهِ يَبِيتُ ثَلاثَ لَيَالٍ إِلا وَوَصِيَّتُهُ عِنْدَهُ مَكْتُوبَةٌ)، قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ: مَا مَرَّتْ عَلَيَّ لَيْلَةٌ مُنْذُ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ ذَلِكَ إِلا وَعِنْدِي وَصِيَّتِي”.

قال ابن قدامة رحمه الله: “ولم يذكر شهادة” انتهى من “المغني”(8/471).

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:

“وتنفذ الوصية بالخط المعروف، وكذا الإقرار، إذا وجد في دفتره ، وهو مذهب أحمد” انتهى من “الاختيارات” (ص 274).

ثانيا:

إذا ثبتت الوصية، ولم يثبت رجوع الموصي عنها، فالواجب العمل بها، مهما طالت المدة بين كتابتها وبين وفاة الموصي.

قال ابن قدامة رحمه الله:

“فَأَمَّا مَا ثَبَتَ مِنْ الْوَصِيَّةِ، بِشَهَادَةِ أَوْ إقْرَارِ الْوَرَثَةِ بِهِ، فَإِنَّهُ يَثْبُتُ حُكْمُهُ وَيُعْمَلُ بِهِ، مَا لَمْ يُعْلَمْ رُجُوعُهُ عَنْهُ، وَإِنْ طَالَتْ مُدَّتُهُ … لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاؤُهُ، فَلَا يَزُولُ حُكْمُهُ بِمُجَرَّدِ الِاحْتِمَالِ وَالشَّكِّ، كَسَائِرِ الْأَحْكَامِ” انتهى من “المغني” (8/472).

ولا يجوز للورثة أن يرفضوا تنفيذها.

قال الله تعالى: (كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ * فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْدَمَا سَمِعَهُ فَإِنَّمَا إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) البقرة/180، 181.

قال ابن جرير رحمه الله:

“يَعْنِي تَعَالَى ذِكْرُهُ بِذَلِكَ: فَمَنْ غَيَّرَ مَا أَوْصَى بِهِ الْمُوصِي مِنْ وَصِيَّتِهِ بِالْمَعْرُوفِ لِوَالِدَيْهِ أَوِ أَقْرَبِيهِ الَّذِينَ لاَ يَرِثُونَهُ بَعْدَ مَا سَمِعَ الْوَصِيَّةَ فَإِنَّمَا إِثْمُ التَّبْدِيلِ عَلَى مَنْ بَدَّلَ وَصِيَّتَهُ” انتهى من “تفسير الطبري” (3/139).

وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في تفسيره لسورة البقرة:

“قوله تعالى: (فمن بدله) أي بدّل الإيصاء المفهوم من الوصية ؛ أي غيّره بنقص، أو زيادة، أو منعٍ …

قوله تعالى: بعد ما سمعه : قال أهل العلم: عبر بالسمع عن العلم؛ لأن السمع من الحواس الظاهرة؛ والعلم من الإدراكات الباطنة – أي فمن بدله بعد أن يعلمه علم اليقين، كما لو سمعه بنفسه؛ ومعلوم أن العلم بالوصية لا يتوقف على السماع؛ قد يكون بالكتابة؛ وقد يكون بالمشافهة، والسماع؛ وقد يكون بشهادة الشهود؛ وما إلى ذلك.

قوله تعالى: فإنما إثمه الضمير يعود على التبديل.

قوله تعالى: (على الذين يبدلونه) أي يغيرونه؛ يعني: فهذا الإثم يعود على المبدل” انتهى.

ثالثا:

محل وجوب تنفيذ الوصية إذا كانت بالثلث فأقل، ولغير وارث، لقول النبي صلى الله عليه وسلم لسعد بن أبي وقاص رضي الله عنه، وقد أراد أن يوصي بأكثر من الثلث: (الثُّلُثُ، وَالثُّلُثُ كَثِيرٌ) رواه البخاري (2742)، ومسلم (1628).

ولقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إِنَّ اللَّهَ أَعْطَى كُلَّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ ، وَلا وَصِيَّةَ لِوَارِثٍ) رواه أبو داود والترمذي (2047)، وصححه الألباني في صحيح أبي داود برقم (1722)، وقال ابن تيمية رحمه الله: “اتفقت الأمة عليه” انتهى .

فالوصية إذا كانت بالثلث فأقل، ولم تكن لوارث وجب تنفيذها، ولا يتوقف ذلك على رضا الورثة.

أما ما زاد على الثلث، أو كانت الوصية لوارث، فلا تنفذ إلا برضا الورثة.

ينظر السؤال رقم: (99506).

رابعا:

إذا رفض بعض الورثة العمل بالوصية، فإنما إثم ذلك عليه، وعلى الآخرين أن يعملوا بها في نصيبهم من الميراث، فلو كان الورثة ابنين، لكل واحد منهما نصف التركة، وكانت الوصية بألف ريال مثلا، ورفض أحدهما إخراج الوصية، فعلى الثاني أن يخرج خمسمائة ريال من نصيبه من التركة، ويصرفها في المصرف الذي حدده الموصي للوصية.

خامسا:

الوصية مقدمة على الميراث بدلالة القرآن الكريم، وقد أجمع العلماء على ذلك.

قال الله تعالى في آيات المواريث: (مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ) النساء/11.

فعلى الورثة أن يتقوا الله تعالى، وينفذوا الوصية ، وتوعد النبي صلى الله عليه وسلم من يأكل مالا حراما بأن مصيره إلى جهنم، فقال صلى الله عليه وسلم: (كل جسد نبت من سحت فالنار أولى به) رواه الطبراني، وصححه الألباني في “صحيح الجامع” (4519).

والله أعلم.

المصدر

موقع الإسلام سؤال وجواب

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

at email

النشرة البريدية

اشترك في النشرة البريدية الخاصة بموقع الإسلام سؤال وجواب

phone

تطبيق الإسلام سؤال وجواب

لوصول أسرع للمحتوى وإمكانية التصفح بدون انترنت

download iosdownload android