كنت أبحث عن وظيفة، جاءت صديقة لي، وقالت: وجدت لكِ وظيفة بشرط أخذ من راتبك ٥٠٠ ريال كل شهر، وتم الاتفاق معها بناءً على زيادة في الراتب في الشهر الذي يليه، وأيضا ساعات العمل قليلة، ثم تبين ألا زيادة في الراتب، وساعات العمل كثيرة، أي إنه أُخل بالاتفاق، فهل يجوز ألا أدفع لصديقتي 500 ريال التي اشترطتها علي؟
هل يلزم الدفع للوسيط في تأمين وظيفة إذا لم تكن الوظيفة حسب الشرط المتفق عليه؟
السؤال: 399031
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.
أولا:
يجوز التوسط للبحث عن عمل مقابل مبلغ معلوم؛ وهذا من الجعالة الجائزة، ولا يجوز أن يكون مقابل مبلغ من كل شهر، لجهالة ذلك إذا لم يحدد بمدة معينة، وعظم الغرر فيه لا سيما على الدافع الذي يبقى يدفع طيلة عمله، بناء على ذلك!!
فإن حدد بمدة معينة كأخذ 500 ريال كل شهر لمدة سنة مثلا، جاز ذلك، ويكون الجعل حينئذ 6000 مقسطا على سنة.
وفي "الموسوعة الفقهية" (15/216): " الجعل وما يشترط فيه:
معلوميته:
قال المالكية والشافعية والحنابلة: يشترط لصحة عقد الجعالة أن يكون الجُعل مالا معلوما جنسا وقدرا؛ لأن جهالة العوض تُفَوِّت المقصود من عقد الجعالة، إذ لا يكاد أحد يرغب في العمل مع جهله بالجُعل، هذا فضلا عن أنه لا حاجة لجهالته في العقد، بخلاف العمل والعامل حيث تغتفر جهالتهما للحاجة إلى ذلك.
ومعلومية الجعل تحصل بمشاهدته أو وصفه" انتهى.
وفي "المعايير الشرعية" ص 261: "يشترط أن يكون الجُعل معلوما متقوَّماً شرعاً، مقدوراً على تسليمه، فإن كان الجعل مجهولاً، أو غير مشروع، أو غير مقدور على تسليمه: وجب جُعل المثل" انتهى.
ثانيا:
لا يستحق الوسيط الجُعل إلا إذا أتى بالعمل المتفق عليه، فإذا كان الاتفاق على هذا الجعل بناء على زيادة في الراتب في الشهر التالي، وأن تكون العمل ساعات قليلة، ولم يحصل ذلك؛ فإن صديقتك لا تستحق الجعل المتفق عليه.
فإن تركت العمل، فلا شيء لها؛ لأنها لم تأت بالعمل المتفق عليه.
قال النفراوي في "الفواكه الدواني" (2/111): "(ولا شيء له) أي للعامل (إلا بتمام العمل) لورود النص بذلك قال – تعالى -: ولمن جاء به حمل بعير ؛ فإن مفهومه أنه إن لم يأت به: لا شيء له، وأما إن تم العمل فيستحق الجعل المسمى له" انتهى.
وإن بقيتِ في العمل، فالواجب أن تدفعي لها أجرة المثل عما قامت به من الوساطة؛ لئلا يذهب عملها مجانا، ويُسأل أهل الخبرة في تقدير ذلك بأمر مناسب، إن لم يمكن للعمل الذي قامت مثل معلوم.
وهذا بناء على ما ذهب إليه فقهاء المالكية من أن شرط الجعالة أن يكون العمل مما لا ينتفع به الجاعل إلا بعد تمامه، حتى لا ينتفع الجاعل مجانا فيما لو فسخ العامل. وإلا تعينت الإجارة.
قال النفراوي في "الفواكه الدواني" (2/111): " وبعضه لا تصح فيه الجعالة، وتتعين الإجارة، وذلك كالمعاقدة على عمل في أرض مملوكة للجاعل، كحفر بئر في أرض مملوكة له؛ لأنه على تقدير عدم تمام العمل، يذهب عمله باطلًا، مع انتفاع الجاعل بعمله" انتهى.
وإذا تعينت الإجارة، ولم يأت الأجير بالعمل المتفق عليه كاملا، فإنه يأخذ من الأجرة بقدر عمله.
قال الدردير في "الشرح الكبير" (3/ 550): " (وإن) (قصر عامل عما شرط) عليه من العمل، أو جرى به العرف: (حُط) من نصيبه (بنسبته)؛ فينظر قيمة ما عمل، مع قيمة ما ترك، فإن كانت قيمة ما ترك الثلث مثلا، حُط من جزئه المشترط له ثلثه" انتهى.
وسئل شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله (30/183): "عمن استأجر أجيرا يعمل في بستان فترك العمل حتى فسد بعض البستان. فهل يستحق الأجرة؟ أو يضمن؟ أم لا؟.
فأجاب: لا ريب أنه إذا ترك العمل المشروط عليه، لم يستحق الأجرة. وإن عمل بعضه أعطي من الأجرة بقدر ما عمل. وإذا تلف شيء من المال بسبب تفريطه، كان عليه ضمان ما تلف بتفريطه. والتفريط هو ترك ما يجب عليه من غير عذر" انتهى.
فالحاصل:
أنك إن بقيت في هذا العمل فالواجب أن تدفعي لها ما يقابل وساطتها، ويقدر ذلك أهل الخبرة، ولا يلزمك ما تم الاتفاق عليه، لأنها لم تأت بالعمل المتفق عليه.
والله أعلم.
هل انتفعت بهذه الإجابة؟
المصدر:
موقع الإسلام سؤال وجواب