اشتركت في شراء بيت مع شخص آخر منذ ٦ سنوات، وسكن فيه شريكي مقابل أجرة يدفعها لي عن حصتي، ومرة في أثناء حديث لنا قلت له: سأخلصك من حصتي، فقط دون أية تفاصيل أخرى لا من جهتي ولا من جهته، وخلال هذه السنوات الستة كنت أبحث عن طريقة لأشتري بها بيتا لي، فإذا وجدت الطريقة أعرض على شريكي شراء حصتي إن أراد، وآخذ مالي لأشتري البيت، ولكن لم تتيسر أموري بسبب ارتفاع الأسعار الجنوني في سوق العقارات في كندا، حيث ارتفعت الأسعار ١٠٠% أو أكثر في هذه الفترة، أما شريكي فاستمر في دفع أجرة حصتي، ولم يقل مرة لا تصريحا ولا تلميحا أنه يود شراء حصتي مني، والآن حصل خلاف بيننا، وفسخنا الشركة، فقال شريكي: إنه يريد شراء حصتي مني بسعرها منذ ٤ سنوات، وحجته في ذلك أنني وعدته بالبيع، وأنه كان علي أن أنفذ وعدي خلال سنتين على أبعد تقدير، وأنه كان ينتظرني، ولذلك علي أن أتحمل الضرر الذي لحقه، فلا آخذ سعر السوق الآن، بل السعر المتداول قبل ٤ سنوات، وينسب هذا الرأي إلى المالكية.
هل هذا التصرف صحيح شرعا؟ وهل الكلام الذي صدر مني هو الوعد الذي أوجب المالكية الوفاء به؟
متى يكون الوعد ملزما عند المالكية؟
السؤال: 402245
ملخص الجواب
ما ذكرت لشريك لا يعتبر وعدا صريحا بالبيع، وعلى فرض أنه صريح، أو يفهم منه الوعد بالبيع له، فهو غير ملزم. وإذا افترضنا أنه وعد، وملزم، فلا مدخل للوعد في تحديد ثمن البيت، ولا معنى لما ذكره من تقييد الزمن بسنتين، أو أكثر، أو أقل، ومتى أردت بيع نصيبك، أو أردتما بيع البيت، فإنما يكون ذلك بسعر يومه، أو ما تتراضيان عليه الآن، ولا يلزمك أن تبيعه بسعر سابق. وينظر للأهمية التفصيل المذكور في الجواب المطول
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.
ذهب الجمهور إلى استحباب الوفاء بالوعد، وألزم به المالكية إذا كان الوعد مرتبطا بسبب، ودخل الموعود في السبب، فإنه يجب الوفاء به، أما إذا لم يباشر الموعود السبب فلا شيء على الواعد.
وذلك كما إذا وعده أن يسلفه ثمن دار يريد شراءها، فاشتراها الموعود حقيقة، أو أن يقرضه مبلغ المهر في الزواج، فتزوج اعتمادا على هذا الوعد، ففي هاتين الحالتين وأمثالهما يُلزم الواعدُ قضاءً بإنجاز وعده.
أما إذا لم يباشر الموعود السبب، فلا يلزم الواعد بشيء.
قال الباجي رحمه الله في “المنتقى” (3/227) : “وَلا يَخْلُو أَنْ يَكُونَ الْوَعْدُ يُدْخِلُ الإِنْسَانَ فِي أَمْرٍ، أَوْ لا يُدْخِلُهُ فِيهِ ، مِثْلُ أَنْ يَقُولَ لَهُ : اشْتَرِ ثَوْبًا أَوْ دَابَّةً وَأَنَا أُعِينُك عَلَى ذَلِكَ بِدِينَارٍ، أَوْ أُسَلِّفُك الثَّمَنَ، أَوْ أُسَلِّفُك مِنْهُ ، كَذَا اتَّفَقَ أَصْحَابُنَا أَنَّ هَذِهِ الْعِدَةَ لازِمَةٌ، يُحْكَمُ بِهَا عَلَى الْوَاعِدِ .
( مَسْأَلَةٌ ) : وَأَمَّا إنْ كَانَتْ عِدَةٌ لا تُدْخِلُ مَنْ وَعَدَ بِهِ فِي شَيْءٍ:
فَلا يَخْلُو مِنْ أَنْ تَكُونَ مُفَسَّرَةً، أَوْ مُبْهَمَةً.
فَإِنْ كَانَتْ مُفَسَّرَةً، مِثْلُ أَنْ يَقُولَ الرَّجُلُ لِلرَّجُلِ أَعِرْنِي دَابَّتَك إلَى مَوْضِعِ كَذَا، فَيَقُولُ أَنَا أُعِيرُك غَدًا. أَوْ يَقُولُ : عَلَيَّ دَيْنٌ فَأَسْلِفْنِي مِائَةَ دِينَارٍ أَقْضِهِ ، فَيَقُولُ : أَنَا أُسَلِّفُك؛ فَهَذَا قَالَ أَصْبَغُ فِي الْعُتْبِيَّةِ : يَحْكُمُ بِإِنْجَازِ مَا وَعَدَ بِهِ، كَاَلَّذِي يُدْخِلُ الإِنْسَانَ فِي عَقْدٍ.
وَظَاهِرُ الْمَذْهَبِ عَلَى خِلافِ هَذَا ، لأَنَّهُ لَمْ يُدْخِلْهُ بِوَعْدِهِ فِي شَيْءٍ يَضْطَرُّهُ إلَى مَا وَعَدَهُ .
( مَسْأَلَةٌ ) : وَأَمَّا إنْ كَانَتْ مُبْهَمَةً، مِثْلَ أَنْ يَقُولَ لَهُ : أَسْلِفْنِي مِائَةَ دِينَارٍ وَلا يَذْكُرُ حَاجَتَهُ إلَيْهَا ، أَوْ يَقُولَ : أَعِرْنِي دَابَّتَك أَرْكَبُهَا ، وَلا يَذْكُرُ لَهُ مَوْضِعًا وَلا حَاجَةً ، فَهَذَا قَالَ أَصْبَغُ : لا يُحْكَمُ عَلَيْهِ بِهَا” انتهى.
وقال القرافي رحمه الله في “الفروق” (4/25): “وَاعْلَمْ أَنَّ الْفُقَهَاءَ اخْتَلَفُوا فِي الْوَعْدِ: هَلْ يَجِبُ الْوَفَاءُ بِهِ شَرْعًا أَمْ لا؟
قَالَ مَالِكٌ: إذَا سَأَلَك أَنْ تَهَبَ لَهُ دِينَارًا، فَقُلْت: نَعَمْ ، ثُمَّ بَدَا لَك؛ لا يَلْزَمُك.
وَلَوْ كَانَ افْتِرَاقُ الْغُرَمَاءِ عَنْ وَعْدٍ وَإِشْهَادٍ، لأَجْلِهِ؛ لَزِمَك، لإِبْطَالِك مَغْرَمًا بِالتَّأْخِيرِ.
قَالَ سَحْنُونٌ: الَّذِي يَلْزَمُ مِنْ الْوَعْدِ قَوْلُهُ: اهْدِمْ دَارَك، وَأَنَا أُسَلِّفُك مَا تَبْنِي بِهِ، أَوْ اُخْرُجْ إلَى الْحَجِّ، وَأَنَا أُسَلِّفُك، أَوْ اشْتَرِ سِلْعَةً أَوْ تَزَوَّجْ امْرَأَةً، وَأَنَا أُسَلِّفُك؛ لأَنَّك أَدْخَلْته بِوَعْدِك فِي ذَلِكَ.
أَمَّا مُجَرَّدُ الْوَعْدِ: فَلا يَلْزَمُ الْوَفَاءُ بِهِ، بَلْ الْوَفَاءُ مِنْ مَكَارِمِ الأَخْلاقِ…
وَحِينَئِذٍ نَقُولُ: وَجْهُ الْجَمْعِ بَيْنَ الأَدِلَّةِ الْمُتَقَدِّمَةِ الَّتِي يَقْتَضِي بَعْضُهَا الْوَفَاءَ بِهِ , وَبَعْضُهَا عَدَمَ الْوَفَاءِ بِهِ: أَنَّهُ إنْ أَدْخَلَهُ فِي سَبَبٍ يَلْزَمُ بِوَعْدِهِ: لَزِمَ، كَمَا قَالَ مَالِكٌ وَابْنُ الْقَاسِمِ وَسَحْنُونٌ، أَوْ وَعَدَهُ مَقْرُونًا بِذِكْرِ السَّبَبِ كَمَا قَالَهُ أَصْبَغُ؛ لِتَأَكُّدِ الْعَزْمِ عَلَى الدَّفْعِ حِينَئِذٍ، وَيُحْمَلُ عَدَمُ اللُّزُومِ عَلَى خِلافِ ذَلِكَ” انتهى.
وينظر: “الموسوعة الفقهية” (39/314).
وليس في سؤالك ما يفيد أن شريكك دخل في سبب لأجل وعدك.
على أنه لو دخل في سبب، لزمك البيع له فقط، دون أن يلزمك البيع بالقيمة التي كانت في ذلك الوقت، لأنك لم تَعِده بالبيع بثمن معين.
وأما إذا لم يدخل في سبب، كما هو واضح من سؤالك، فلا يلزمك البيع له، وإذا أردت البيع فبالثمن الذي تتراضيان عليه.
والحاصل:
أن ما ذكرت لشريك لا يعتبر وعدا صريحا بالبيع، وعلى فرض أنه صريح، أو يفهم منه الوعد بالبيع له، فهو غير ملزم.
وإذا افترضنا أنه وعد، وملزم، فلا مدخل للوعد في تحديد ثمن البيت، ولا معنى لما ذكره من تقييد الزمن بسنتين، أو أكثر، أو أقل، ومتى أردت بيع نصيبك، أو أردتما بيع البيت، فإنما يكون ذلك بسعر يومه، أو ما تتراضيان عليه الآن، ولا يلزمك أن تبيعه بسعر سابق.
والله أعلم.
هل انتفعت بهذه الإجابة؟
المصدر:
موقع الإسلام سؤال وجواب