يسأل عن حديث: عَنْ عَلِيٍّ رضي الله عنه قَالَ : سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ : ( مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَعُودُ مُسْلِمًا غُدْوَةً إلا صَلَّى عَلَيْهِ سَبْعُونَ أَلْفَ مَلَكٍ حَتَّى يُمْسِيَ , وَإِنْ عَادَهُ عَشِيَّةً إلا صَلَّى عَلَيْهِ سَبْعُونَ أَلْفَ مَلَكٍ حَتَّى يُصْبِحَ ، وَكَانَ لَهُ خَرِيفٌ فِي الْجَنَّةِ ) هل الحديث صحيح؟ هل هذا الحديث ينطبق فقط على من يزور مرضى المسلمين في بيوتهم؟ متخصصو الرعاية الصحية وخاصة الأطباء والممرضات يعالجون المرضى في المستشفيات لكن يفعلون ذلك كجزء من مهنتهم ، ليس بقصد زيارة مرضى المسلمين. كيف يمكنهم تطبيق هذا الحديث والحصول على الأجر؟
هل ينال الأطباء والممرضون فضل عيادة المرضى؟
السؤال: 403949
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.
أولا:
روى أبو داود (3099)، والإمام أحمد في "المسند" (2 / 47 – 48)، وغيرهما؛ عَنْ عَلِيٍّ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: ( إِذَا عَادَ الرَّجُلُ أَخَاهُ الْمُسْلِمَ، مَشَى فِي خِرَافَةِ الْجَنَّةِ حَتَّى يَجْلِسَ، فَإِذَا جَلَسَ غَمَرَتْهُ الرَّحْمَةُ، فَإِنْ كَانَ غُدْوَةً صَلَّى عَلَيْهِ سَبْعُونَ أَلْفَ مَلَكٍ حَتَّى يُمْسِيَ، وَإِنْ كَانَ مَسَاءً صَلَّى عَلَيْهِ سَبْعُونَ أَلْفَ مَلَكٍ حَتَّى يُصْبِحَ ).
وقال أبو داود عقب الحديث رقم (3100): " أُسْنِدَ هَذَا عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ صَحِيحٍ " انتهى.
وهذا حديث اختلف فيه رواته؛ فمنهم من ساقه مرفوعا إلى النبي صلى الله عليه وسلم، ومنهم من ساقه موقوفا من كلام علي رضي الله عنه.
قال الترمذي عقب الحديث (969): " وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ هَذَا الحَدِيثُ مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ مِنْهُمْ مَنْ وَقَفَهُ وَلَمْ يَرْفَعْهُ " انتهى.
وقال محققو المسند: "صحيح موقوفا، رجاله ثقات رجال الشيخين، لكن اختُلِفَ في وقفه ورفعه، والوقفُ أصح " انتهى.
وعلى القول بترجيح الوقف، فإن له حكم الرفع؛ لأن مثله لا يقال بالرأي؛ لأنه من علم الغيب.
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى:
" ومثال المرفوع من القول حكما لا تصريحا: أن يقول الصحابيّ الذي لم يأخذ عن الإسرائيليات ما لا مجال للاجتهاد فيه، ولا تعلّق له ببيان لغة أو شرح غريب، كالإخبار عن الأمور الماضية: من بدء الخلق، وأخبار الأنبياء، أو الآتية: كالملاحم، والفتن، وأحوال يوم القيامة، وكذا الإخبار عما يحصل بفعله ثواب مخصوص، أو عقاب مخصوص. وإنّما كان له حكم المرفوع؛ لأنَّ إخباره بذلك يقتضي مخبرا له، وما لا مجال للاجتهاد فيه يقتضي موقِّفا للقائل به، ولا مُوَقِّفَ للصحابة إلا النبيّ صلى الله عليه وسلم، أو بعض من يخبر عن الكتب القديمة، فلهذا وقع الاحتراز عن القسم الثاني.
وإذا كان كذلك، فله حكم ما لو قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهو مرفوع سواء كان مما سمعه منه، أو عنه بواسطة " انتهى. "نزهة النظر" (ص 132 – 134).
ثانيا:
وهذا الحديث يتناول كل من نوى زيارة المريض وعيادته احتسابا للأجر، سواء كان العائد غريبا أو قريبا أو طبيبا أو ممرضا؛ لأن الأعمال متعلقة بالنيات، فلكل عامل ما نواه؛ لحديث عُمَرَ بْن الخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: ( إِنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ، وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى، فَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إِلَى دُنْيَا يُصِيبُهَا، أَوْ إِلَى امْرَأَةٍ يَنْكِحُهَا، فَهِجْرَتُهُ إِلَى مَا هَاجَرَ إِلَيْهِ ) رواه البخاري (1) ومسلم (1907).
والعمل الواحد يصح أحيانا أن يؤدى بنية عبادتين أو عبادة وعادة، وهذا رحمة من الله بهذه الأمة.
قال الشيخ عبد الرحمن السعدي رحمه الله تعالى:
" من نعمة الله وتيسيره أن العمل الواحد يقوم مقام أعمال، فإذا دخل المسجد وقت حضور الراتبة وصلى ركعتين، ينوي بهما الراتبة وتحية المسجد حصل له فضلهما " انتهى. "القواعد والأصول الجامعة" (ص 168).
ومن أمثله ذلك ما ورد في حديث زَيْنَبَ امْرَأَةِ عَبْدِ اللَّهِ بن مسعود رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا لما سألت النبي صلى الله عليه وسلم وهي راغبة في الصدقة بمال لها: ( أَيَجْزِي عَنِّي أَنْ أُنْفِقَ عَلَى زَوْجِي، وَأَيْتَامٍ لِي فِي حَجْرِي؟
قَالَ: نَعَمْ، ولَهَا أَجْرَانِ: أَجْرُ القَرَابَةِ، وَأَجْرُ الصَّدَقَةِ ) رواه البخاري (1466) ومسلم (1000).
ومن هذا الباب الطبيب أو الممرض يصح أن يؤدي عمله المطلوب منه بنية عيادة المرضى وإعانتهم.
قال الشيخ عمر سليمان الأشقر رحمه الله تعالى:
" إن العاملين بأعمال دنيوية من المسلمين: أطباء ومهندسين وباحثين، يستطيعون أن يجعلوا أعمالهم قربات عند إحداث نية صالحة حين القيام بهذه الأعمال، وهذا لا يلزمهم ألا يقصدوا حظوظهم من وراء هذه الأعمال " انتهى. "مقاصد المكلفين" (ص 400).
وهذه النية من الأعمال الصالحة، فهي تؤدي بالطبيب والممرض إلى الإحسان إلى المرضى والصبر عليهم، وعدم التضجر منهم أو الإساءة إليهم.
والله أعلم.
هل انتفعت بهذه الإجابة؟
المصدر:
موقع الإسلام سؤال وجواب