ذكر في حديث (من غسل واغتسل وابكر وابتكر… ولم يركب..)، فهل يمكنني الذهاب مبكرًا، مغتسلًا، راكبًا إلى الحرم لأداء الجمعة أن يُكتب لي ثواب هذا الحديث، وإذا لم تُكتب لي أجر ركوبي إلى السيارة، فهل يكتب لي ثواب المشي من موقف السيارة إلى الحرم لأداء الجمعة؟ وهل يكتب لي ثواب أجر سنة قيام وصيام بالمشي من موقف السيارة إلى الحرم لأداء الجمعة؟
من ركب يوم الجمعة إلى موقف المسجد ثم مشى إليه، هل يدرك فضل الماشي؟
السؤال: 405553
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.
عن أَوْس بْن أَوْسٍ الثَّقَفِيّ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: ( مَنْ غَسَّلَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَاغْتَسَلَ، ثُمَّ بَكَّرَ وَابْتَكَرَ، وَمَشَى وَلَمْ يَرْكَبْ، وَدَنَا مِنَ الْإِمَامِ فَاسْتَمَعَ وَلَمْ يَلْغُ، كَانَ لَهُ بِكُلِّ خُطْوَةٍ عَمَلُ سَنَةٍ أَجْرُ صِيَامِهَا وَقِيَامِهَا ) رواه أبو داود (345)، والنسائي (1384)، والترمذي (496)، وقال: “حَدِيثُ أَوْسِ بْنِ أَوْسٍ حَدِيثٌ حَسَنٌ”. ولم يذكر الترمذي: ( وَمَشَى وَلَمْ يَرْكَبْ ).
وصححه الألباني رحمه الله في “صحيح أبي داود (2 /176-177) .
وقوله: (وَمَشَى وَلَمْ يَرْكَبْ ).
اختلف أهل العلم في توجيه عبارة: (وَلَمْ يَرْكَبْ).
فذهب بعضهم إلى أنها مجرد توكيد للفعل: (مَشَى).
قال الخطابي رحمه الله تعالى:
” قوله: ( غسل واغتسل وبكر وابتكر )، اختلف الناس في معناهما، فمنهم من ذهب إلى أنه من الكلام المُظاهَر، الذي يراد به التوكيد، ولم تقع المخالفة بين المعنيين لاختلاف اللفظين. وقال: ألا تراه يقول في هذا الحديث: ( وَمَشَى وَلَمْ يَرْكَبْ )، ومعناهما واحد، وإلى هذا ذهب الأثرم صاحب أحمد ” انتهى. “معالم السنن” (1/108).
وذهب بعضهم إلى أن المراد منها نفي الركوب مطلقا ولو لمسافة قصيرة ، بل يقطع كل المسافة بين البيت إلى المسجد ماشيا.
قال بدر الدين العيني رحمه الله تعالى:
” قوله: ( وَلَمْ يَرْكَبْ ) تأكيد لقوله: ( وَمَشَى )، ويحتمل أن لا يكون تأكيدا ويكون المعنى: ولم يركب بالكلية في الذهاب والإياب؛ لأنه إذا مشى في الذهاب فقط، أو في الإياب فقط، أو مشى شيئاً يسيرا في الذهاب، أو الإياب، يصدق عليه أنه مشى، ولم يصدق عليه أنه لم يركب، فحينئذ لا يكون قوله: ( وَلَمْ يَرْكَبْ ) تأكيدا، فافهم ” انتهى من “شرح سنن أبي داود” (2/168).
وقال الإمام النووي رحمه الله تعالى:
” وأما قوله صلى الله عليه وسلم: ( وَمَشَى وَلَمْ يَرْكَبْ ) فقد قدمنا حكاية الخطابي عن الأثرم أنه للتأكيد وأنهما بمعنى.
والمختار أنه احتراز من شيئين:
أحدهما:
نفي توهم حمل المشي على المضي والذهاب وإن كان راكبا.
والثاني: نفي الركوب بالكلية لأنه لو اقتصر على ( مَشَى) لاحتمل أن المراد وجود شيء من المشي ولو في بعض الطريق، فنفى ذلك الاحتمال وبين أن المراد مشى جميع الطريق ولم يركب في شيء منها…
أما حكم المسألة فاتفق الشافعي والأصحاب وغيرهم على أنه يستحب لقاصد الجمعة أن يمشي وأن لا يركب في شيء من طريقه إلا لعذر كمرض ونحوه، والله أعلم” انتهى من”المجموع” (4 / 543 – 544).
فالحاصل؛ أن الذي يترجح من معنى الحديث أن من ركب إلى موقف سيارات المسجد لم يحقق الشرط الذي يستحق به هذا الأجر العظيم، لكنه على خير في تبكيره إلى الصلاة ولو راكبا فإنه موعود بما ورد في حديث أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ( مَنِ اغْتَسَلَ يَوْمَ الجُمُعَةِ غُسْلَ الجَنَابَةِ ثُمَّ رَاحَ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ بَدَنَةً، وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الثَّانِيَةِ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ بَقَرَةً، وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الثَّالِثَةِ، فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ كَبْشًا أَقْرَنَ، وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الرَّابِعَةِ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ دَجَاجَةً، وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الخَامِسَةِ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ بَيْضَةً، فَإِذَا خَرَجَ الإِمَامُ حَضَرَتِ المَلاَئِكَةُ يَسْتَمِعُونَ الذِّكْرَ ) رواه البخاري (881)، ومسلم (850).
وبما في حديث سَلْمَانَ الفَارِسِيِّ، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (لاَ يَغْتَسِلُ رَجُلٌ يَوْمَ الجُمُعَةِ، وَيَتَطَهَّرُ مَا اسْتَطَاعَ مِنْ طُهْرٍ، وَيَدَّهِنُ مِنْ دُهْنِهِ، أَوْ يَمَسُّ مِنْ طِيبِ بَيْتِهِ، ثُمَّ يَخْرُجُ فَلاَ يُفَرِّقُ بَيْنَ اثْنَيْنِ، ثُمَّ يُصَلِّي مَا كُتِبَ لَهُ، ثُمَّ يُنْصِتُ إِذَا تَكَلَّمَ الإِمَامُ، إِلَّا غُفِرَ لَهُ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الجُمُعَةِ الأُخْرَى) رواه البخاري (883).
ولمزيد الفائدة حول هذا الحديث تحسن مطالعة جواب السؤال رقم: (170090).
وإذا ركب لعذر، كمرض أو بعدٍ للمسافة بعدا يشق عليه ، فإنه يرجى له أن ينال ذلك الثواب ، وفضل الله واسع .
وقد روى البخاري (4423) عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: ” أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجَعَ مِنْ غَزْوَةِ تَبُوكَ فَدَنَا مِنْ الْمَدِينَةِ فَقَالَ : (إِنَّ بِالْمَدِينَةِ أَقْوَامًا مَا سِرْتُمْ مَسِيرًا ، وَلا قَطَعْتُمْ وَادِيًا إِلا كَانُوا مَعَكُمْ) قَالُوا : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، وَهُمْ بِالْمَدِينَةِ ؟ قَالَ: (وَهُمْ بِالْمَدِينَةِ، حَبَسَهُمْ الْعُذْرُ).
والله أعلم.
هل انتفعت بهذه الإجابة؟
المصدر:
موقع الإسلام سؤال وجواب
موضوعات ذات صلة