قيل لي: إن مد حرف الألف في كلمة يارب محرما، فهل هذا صحيح أم لا، و لماذا؟
ما حكم مد حرف الألف عند الدعاء بـ (يا رب)؟
السؤال: 406148
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.
لا حرج في الدعاء بـ “يا رب” ، مع ذكر حرف النداء (يا) ؛ بل هو حسن مشروع ، وقد جاء ذلك في القرآن والسنة.
قال الله تعالى: (وَقِيلِهِ يَارَبِّ إِنَّ هَؤُلَاءِ قَوْمٌ لَا يُؤْمِنُونَ * فَاصْفَحْ عَنْهُمْ وَقُلْ سَلَامٌ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ) الزخرف/88، 89.
وفي حديث الشفاعة الذي أخرجه البخاري (4712) (ثُمَّ يُقَالُ: يَا مُحَمَّدُ ارْفَعْ رَأْسَكَ سَلْ تُعْطَهْ، وَاشْفَعْ تُشَفَّعْ فَأَرْفَعُ رَأْسِي، فَأَقُولُ : أُمَّتِي يَا رَبِّ، أُمَّتِي يَا رَبِّ، أُمَّتِي يَا رَبِّ).
وفي ” صحيح مسلم ” (920) أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( اللهُمَّ اغْفِرْ لِأَبِي سَلَمَةَ وَارْفَعْ دَرَجَتَهُ فِي الْمَهْدِيِّينَ، وَاخْلُفْهُ فِي عَقِبِهِ فِي الْغَابِرِينَ، وَاغْفِرْ لَنَا وَلَهُ يَا رَبَّ الْعَالَمِينَ، وَافْسَحْ لَهُ فِي قَبْرِهِ، وَنَوِّرْ لَهُ فِيهِ).
وأخرج مسلم (2380) من دعاء موسى عليه السلام لربه أن يدله على الخضر فقال: ( يَا رَبِّ فَدُلَّنِي عَلَيْهِ ).
وجاء استعمال حرف النداء مع اسم الحي، وغيره من أسماء الله تعالى الحسنى .
ففي سنن أبي داود (1495): عَنْ أَنَسٍ: ” أَنَّهُ كَانَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلم جَالِسًا وَرَجُلٌ يُصَلِّي ، ثُمَّ دَعَا: اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ بِأَنَّ لَكَ الْحَمْدُ، لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ الْمَنَّانُ ، بَدِيعُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ ، يَا ذَا الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ ، يَا حَيُّ يَا قَيُّومُ ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( لَقَدْ دَعَا اللَّهَ بِاسْمِهِ الْعَظِيمِ، الَّذِي إِذَا دُعِيَ بِهِ أَجَابَ ، وَإِذَا سُئِلَ بِهِ أَعْطَى).
وفي ” سنن الترمذي ” (3524) عن أنس بن مالك، قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا كربه أمر قال: ( يا حي يا قيوم برحمتك أستغيث ).
وفي ” مسند ” أحمد (17143) وغيره عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ عَامِرٍ قَالَ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : ( أَلِظُّوا بِـ” يَا ذَا الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ” ) .
وإنما ذكرنا هذا ؛ لأن هناك من زعم أنه لا يؤتى بحرف النداء في الدعاء.
وينظر: جواب السؤال رقم:(220241).
ثانيا:
أما مد (يا) فإنها تمد مدا طبيعيا بمقدار حركتين، والزيادة على الحركتين لحن.
فيراعى هذا في قراءة القرآن الكريم، وكذلك في الحديث الشريف، لأن من أهل العلم من منع اللحن في قراءته وجعل ذلك من الكذب على النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأنه لم يكن يلحن.
قال عبد الله بن إبراهيم العلوي الشنقيطي في “طلعة الأنوار”:
قد خوفوا اللاحن من وعيد ** في مفتر على النبي شديد
وقال العراقي في ألفيته:
(639) وَلْيَحْذَرِ اللَّحَّانَ وَالْمُصَحِّفَا … عَلَى حَدِيثِهِ بِأَنْ يُحَرَّفَا
(640) فَيُدْخِلَا فِي قَوْلِهِ مَنْ كَذَبَا … فَحَقٌّ النَّحْوُ عَلَى مَنْ طَلَبَا
(641) وَالْأَخْذُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ لَا الْكُتُبِ … أُدْفَعُ لِلتَّصْحِيفِ فَاسْمَعْ وَادْأَبِ
قال السخاوي في شرحها (3/ 158): ” (وَلْيَحْذَرِ) الشَّيْخُ الطَّالِبَ (اللَّحَّانَ) بِصِيغَةِ الْمُبَالَغَةِ، أَيِ: الْكَثِيرَ اللَّحْنِ فِي أَلْفَاظِ النُّبُوَّةِ، وَكَذَا لِيَحْذَرِ (الْمُصَحِّفَا) فِيهَا وَفِي أَسْمَاءِ الرُّوَاةِ، وَلَوْ كَانَ لَا يَلْحِنُ (عَلَى حَدِيثِهِ بِأَنْ يُحَرِّفَا) أَيْ: خَوْفَ التَّحْرِيفِ فِي حَرَكَاتِهِ أَوْ ضَبْطِهِ (مِنْ كُلٍّ مِنْهُمَا) فِي الْحَالِ وَالْمَآلِ (فَيُدْخِلَا) أَيِ: الشَّيْخُ، وَكَذَا الطَّالِبُ مِنْ بَابِ أَوْلَى (فِي) جُمْلَةِ (قَوْلِهِ) صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (مَنْ كَذَبَا) أَيْ: (كَذَبَ عَلَيَّ مُتَعَمِّدًا فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ) لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَكُنْ يَلْحَنُ.
قَالَ النَّضْرُ بْنُ شُمَيْلٍ: جَاءَتْ هَذِهِ الْأَحَادِيثُ عَنِ الْأَصْلِ مُعْرَبَةً، يَتَأَكَّدُ الْوَعِيدُ مَعَ اخْتِلَالِ الْمَعْنَى فِي اللَّحْنِ وَالتَّصْحِيفِ. وَإِلَى الدُّخُولِ أَشَارَ الْأَصْمَعِيُّ، فَقَالَ أَبُو دَاوُدَ السِّنْجِيُّ: سَمِعْتُ الْأَصْمَعِيَّ يَقُولُ: إِنَّ أَخْوَفَ مَا أَخَافُ عَلَى طَالِبِ الْعِلْمِ إِذَا لَمْ يَعْرِفِ النَّحْوَ أَنْ يَدْخُلَ فِي جُمْلَةِ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مَنْ كَذَبَ عَلَيَّ) . لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ يَلْحَنُ، فَمَهْمَا رَوَيْتَ عَنْهُ وَلَحَنْتَ فِيهِ فَقَدْ كَذَبْتَ عَلَيْهِ” انتهى.
وأما في غير القرآن والحديث، فالأمر فيه يسير، والقول بتحريم الزيادة في المد هنا، وليس هو قرآنا، بل ولا حتى حديثا من حديث النبي صلى الله عليه وسلم : من التنطع والتشدد الزائد الذي لا وجه له .
هذا مع أن ترك اللحن أحسن وأولى؛ إلا أن الأحسن والأولى شيء، والجزم بتحريم، من غير برهان من الله: شيء آخر.
وقد سئل شيخ الإسلام ابن تيمية :
عن رجلٍ دعا دعاءً ملحوناً ، فقال له رجل : ما يقبل الله دعاءً ملحوناً؟
فأجاب :
“من قال هذا القول فهو آثمٌ مخالفٌ للكتاب والسنَّة ولما كان عليه السلف ، وأمَّا مَن دعا الله مخلصاً له الدين بدعاءٍ جائزٍ سمعه الله وأجاب دعاه ، سواء كان معرباً أو ملحوناً ، والكلام المذكور لا أصل له ، بل ينبغي للداعي إذا لم يكن عادته الإعراب أن لا يتكلف الإعراب .
قال بعض السلف : إذا جاء الإعراب ذهب الخشوع .
وهذا كما يكره تكلف السجع في الدعاء ، فإذا وقع بغير تكلفٍ : فلا بأس به ، فإنَّ أصل الدعاء مِن القلب ، واللسان تابعٌ للقلب ، ومَن جعل همَّته في الدعاء تقويم لسانه أضعف توجه قلبه ، ولهذا يدعو المضطر بقلبه دعاء يفتح عليه ، لا يحضره قبل ذلك ، وهذا أمرٌ يجده كلُّ مؤمنٍ في قلبه ، والدعاء يجوز بالعربيَّة وبغير العربيَّة ، والله سبحانه يعلم قصد الداعي ومراده ، وإن لم يقوِّم لسانه فإنه يعلم ضجيج الأصوات باختلاف اللغات على تنوع الحاجات”.
والحاصل:
أنه ينبغي على الداعي ألا يمد الف من “يا رب” ونحوها، إلا بقدار حركتين، كما هو حق المد الطبيعي فيه.
فإن زاد على ذلك، لم يكن ذلك من باب “الحرام” ، لا سيما أن كثيرا من الملحين في دعائهم يزيد ذلك بغرض الاجتهاد في الدعاء، وإطالة أمده مع الله جل جلاله.
وينظر للفائدة: جواب السؤال رقم: (262254).
والله أعلم.
هل انتفعت بهذه الإجابة؟
المصدر:
موقع الإسلام سؤال وجواب
موضوعات ذات صلة