لا تخن من خانك ؟
السؤال: 40649
يوجد شخص يعمل في مكتب خاص لكن حصلت له ظروف صحية فاضطر لترك الشغل فترة العلاج ، بعد ذلك عاد إلى عمله وطالب بحقه في الأيام التي اشتغل فيها ، لكن صاحب العمل لم يعترف له بأي حق ، وهذا الشخص محتاج إلى المال ، فصار يأخذ ( دينار) من المبلغ الذي يجمعه كل يوم نتيجة عمله . لا يريد إلا أن يأخذ حقه فقط ، لا أكثر من ذلك . فهل هذا حرام أم حلال ؟.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.
لا يحل له ذلك ، لأن هذا المال الذي يأخذ منه ما يَدَّعِي أنه
حقه قد ائتمنه عليه صاحب العمل، والواجب على من ائْتُمِن على أمانة أن يؤديها إلى
صاحبها ، ولا يجوز له أن يخون فيها .
قال الله تعالى : ( إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا
الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا ) النساء /58 .
وقال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( أَدِّ
الْأَمَانَةَ إِلَى مَنْ ائْتَمَنَكَ ، وَلا تَخُنْ مَنْ خَانَكَ ) . رواه
الترمذي (1264) وصححه الألباني في صحيح الترمذي .
فأمر النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ برد الأمانة إلى
صاحبها ، ونهى عن خيانة من خان .
وسئلت اللجنة الدائمة : عن رجل يعمل في بقالة وصاحب العمل لا
يعطيه راتبه إلا كل أربعة أشهر أو ستة ، فهل يجوز له أن يأخذ راتبه الشهري من أموال
البقالة التي يعمل بها بدون علم صاحبها ؟
فأجابت :
لا يجوز لك أخذ راتبك من البقالة التي تشتغل فيها بدون علم
صاحبها وإذنه لك بذلك ، وعليك بمطالبة صاحب العمل بمرتبك ، فإن أبى فإنك تقوم برفع
شكايتك إلى الجهة المختصة لتلزمه بذلك اهـ . “فتاوى اللجنة الدائمة”
(15/145) .
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية في “مجموع الفتاوى” (30/372) :
“وَأَمَّا إذَا كَانَ لِرَجُلِ عِنْدَ غَيْرِهِ حَقٌّ . فَهَلْ
يَأْخُذُهُ أَوْ نَظِيرَهُ بِغَيْرِ إذْنِهِ ؟ فَهَذَا نَوْعَانِ :
أَحَدُهُمَا : أَنْ يَكُونَ سَبَبُ الاسْتِحْقَاقِ ظَاهِرًا لا
يَحْتَاجُ إلَى إثْبَاتٍ مِثْلَ اسْتِحْقَاقِ الْمَرْأَةِ النَّفَقَةَ عَلَى
زَوْجِهَا ، وَاسْتِحْقَاقَ الْوَلَدِ أَنْ يُنْفِقَ عَلَيْهِ وَالِدُهُ
وَاسْتِحْقَاقِ الضَّيْفِ الضِّيَافَةَ عَلَى مَنْ نَزَلَ بِهِ ، فَهُنَا لَهُ أَنْ
يَأْخُذَ بِدُونِ إذْنِ مَنْ عَلَيْهِ الْحَقُّ بِلَا رَيْبٍ ; كَمَا ثَبَتَ فِي
الصَّحِيحَيْنِ ( أَنَّ هِنْدَ بِنْتَ عتبة بْنِ رَبِيعَةَ قَالَتْ : يَا رَسُولَ
اللَّهِ: إنَّ أَبَا سُفْيَانَ رَجُلٌ شَحِيحٌ وَإِنَّهُ لا يُعْطِينِي مِنْ
النَّفَقَةِ مَا يَكْفِينِي وَبَنِيَّ . فَقَالَ : خُذِي مَا يَكْفِيك وَوَلَدَك
بِالْمَعْرُوفِ ) . فَأَذِنَ لَهَا أَنْ تَأْخُذَ نَفَقَتَهَا بِالْمَعْرُوفِ
بِدُونِ إذْنِ وَلِيِّهِ . وَهَكَذَا مَنْ عُلِمَ أَنَّهُ غُصِبَ مِنْهُ مَالُهُ
غَصْبًا ظَاهِرًا يَعْرِفُهُ النَّاسُ فَأَخَذَ الْمَغْصُوبَ أَوْ نَظِيرَهُ مِنْ
مَالِ الْغَاصِبِ . وَنَحْوُ ذَلِكَ .
وَالثَّانِي : أَلا يَكُونَ سَبَبُ الاسْتِحْقَاقِ ظَاهِرًا .
مِثْلَ أَنْ يَكُونَ قَدْ جَحَدَ دَيْنَهُ أَوْ جَحَدَ الْغَصْبَ وَلا بَيِّنَةَ
لِلْمُدَّعِي . فَهَذَا فِيهِ قَوْلانِ : أَحَدُهُمَا : لَيْسَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ
وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ وَأَحْمَد . وَالثَّانِي : لَهُ أَنْ يَأْخُذَ وَهُوَ
مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ .
ومَنْ مَنَعَ الأَخْذَ مَعَ عَدَمِ ظُهُورِ الْحَقِّ اسْتَدَلَّ
بِمَا فِي السُّنَنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم
أَنَّهُ قَالَ : ( أَدِّ الأَمَانَةَ إلَى مَنْ ائْتَمَنَك وَلا تَخُنْ مَنْ خَانَك
) ، وَفِي الْمُسْنَدِ عَنْ بَشِيرِ بْنِ الخصاصية أَنَّهُ قَالَ : يَا رَسُولَ
اللَّهِ إنَّ لَنَا جِيرَانًا لا يَدَعُونَ لَنَا شَاذَّةً وَلا فَاذَّةً إلا
أَخَذُوهَا فَإِذَا قَدَرْنَا لَهُمْ عَلَى شَيْءٍ أَنَأْخُذُهُ ؟ قَالَ : ( لا ،
أَدِّ الأَمَانَةَ إلَى مَنْ ائْتَمَنَك ، وَلا تَخُنْ مَنْ خَانَك ) . فَهَذِهِ
الأَحَادِيثُ تُبَيِّنُ أَنَّ حَقَّ الْمَظْلُومِ إذَا كَانَ سَبَبُهُ لَيْسَ
ظَاهِرًا وأَخْذُهُ خِيَانَةً لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ ، وَإِنْ كَانَ هُوَ
يَقْصِدُ أَخْذَ نَظِيرِ حَقِّهِ ; لَكِنَّهُ خَانَ الَّذِي ائْتَمَنَهُ ،
فَإِنَّهُ لَمَّا سَلَّمَ إلَيْهِ مَالَهُ فَأَخَذَ بَعْضَهُ بِغَيْرِ إذْنِهِ
وَالاسْتِحْقَاقُ لَيْسَ ظَاهِرًا كَانَ خَائِنًا .
وَذَلِكَ أَنَّ نَفْسَ الْخِيَانَةِ مُحَرَّمَةُ الْجِنْسِ .
فَلا يَجُوزُ اسْتِيفَاءُ الْحَقِّ بِهَا . . . وَالْخِيَانَةُ مِنْ جِنْسِ
الْكَذِبِ . فَإِنْ قِيلَ : هَذَا لَيْسَ بِخِيَانَةِ ; بَلْ هُوَ اسْتِيفَاءُ
حَقٍّ . وَالنَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم نَهَى عَنْ خِيَانَةِ مَنْ خَانَ وَهُوَ
أَنْ يَأْخُذَ مِنْ مَالِهِ مَا لا يَسْتَحِقُّ . قِيلَ هَذَا ضَعِيفٌ لِوُجُوهِ :
أَحَدُهَا : أَنَّ الْحَدِيثَ فِيهِ : ( أَنَّ قَوْمًا لا يَدَعُونَ لَنَا شَاذَّةً
وَلا فَاذَّةً إلا أَخَذُوهَا . أَفَنَأْخُذُ مِنْ أَمْوَالِهِمْ بِقَدْرِ مَا
يَأْخُذُونَ ؟ فَقَالَ : لا ، أَدِّ الأَمَانَةَ إلَى مَنْ ائْتَمَنَك . وَلا
تَخُنْ مَنْ خَانَك ) . الثَّانِي : أَنَّهُ قَالَ : ( وَلا تَخُنْ مَنْ خَانَك ) .
أي : أَنَّك لا تُقَابِلُهُ عَلَى خِيَانَتِهِ فَتَفْعَلَ بِهِ مِثْلَ مَا فَعَلَ
بِك . الثَّالِثُ : أَنَّ كَوْنَ هَذَا خِيَانَةً لا رَيْبَ فِيهِ ، وَإِنَّمَا
الشَّأْنُ فِي جَوَازِهِ عَلَى وَجْهِ الْقِصَاصِ ; فَإِنَّ الأُمُورَ مِنْهَا مَا
يُبَاحُ فِيهِ الْقِصَاصُ كَالْقَتْلِ وَقَطْعِ الطَّرِيقِ وَأَخْذِ الْمَالِ .
وَمِنْهَا مَا لا يُبَاحُ فِيهِ الْقِصَاصُ كَالْفَوَاحِشِ وَالْكَذِبِ وَنَحْوِ
ذَلِكَ . فَلَمَّا قَالَ هَاهُنَا : ( وَلا تَخُنْ مَنْ خَانَك ) عُلِمَ أَنَّ
هَذَا مِمَّا لَا يُبَاحُ فِيهِ الْعُقُوبَةُ بِالْمِثْلِ اهـ باختصار .
المصدر:
Islam Q&A
هل انتفعت بهذه الإجابة؟