أخي الكبير يتاجر في المخدرات، وأنا ليس لي علاقة به، وأنا شخص الحمد لله محافظ علي صلوات، وفي كلية قمة، هو يسكن معانا في نفس البيت، ولكن اقنعت أمي أن تفصله عنا، ولا يأكل معنا؛ لأني لا أريد أن أكل من حرام، وجلس هو وزوجته في الدور الثاني مع حاله، ليس لي علاقة به، ولكني منزعج من رؤيته هكذا، وهو يسيء لسمعتي، وأنا لست مثله، والناس عندنا بتمشي بمبدأ السيئة تعم، وهو دخل السجن مرة وأنا صغير، وعشت طفولة سيئة، والناس كانت تعيريني به، والأولاد أيضا في الشارع، وأمي كانت تصرف عليه أغلب مالها وهو في السجن، ولم يكن يحتاج لشيء، وأول ما خرج أمي زوجته، واشترت له توكتوك يشتغل عليه، وجهزت شقته، وهو لم يتعب في شيء وقال: إنه لن يرجع لهذه المعاصي وطريق الحرام مرة أخرى، ولكنه بعد عدة سنوات رجع لأفعاله السيئة، وباع التوكتوك، والآن متفرغ لبيع المخدرات، أنا أكثر شخص متضرر من هذا الإنسان في حياتي، أخشى أن أتقدم لخطبة فتاة فيتم رفضي بسببه، هو نقطة سوداء في حياتي، أرغب بعد إنهاء الجامعة أتقدم للعمل في الجيش، لكنه سيبقى عائقا لتحقيق هدفي، أن أريد حلا أقنع به أمي أن تخرجه من البيت؛ فأنا دائما في قلق وخوف وتوقع لمجيء الشرطة للقبض عليه في أ ي وقت، وقد حدث بالفعل جاءت الشرطة فجأة للقبض عليه، وكان أحد زملائي يبيت عندي ساعتها، ولكن صديقي ـ والحمد لله رب العالمين ـ لم يستيقظ وقت مجيء الشرطة، ومنذ ذلك الوقت كل ليلة إذا سمعت أي صوتا في الشارع أفزع، وأظن الشرطة قادمة، أمي أخرجته من بيتنا لمدة أسبوعين، ثم أرجعته مرة أخري، وهو على حاله لم يتغير، وأمي غير قادرة عن الابتعاد عنه؛ لأنها أمه، ولكني متضرر جدا، ووالدي متوفي، وتستلم أمي معاش أبي ـ رحمه الله تعالى ـ لي ولها، لأنني مازلت طالبا، وعندنا محل بقالة صغير، والحمد لله يكفينا وزيادة، ولا أحتاج لشيء من أخي هذا، وطلبت من أمي أنه لا يدفع شيئا في شقتي، أعتذر عن الإطالة، ولكني أريد حلا لمشكلتي.
هل يدعو والدته لطرد أخيه الذي يتاجر في المخدرات من البيت؟
السؤال: 409311
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.
أولا :
الأصل أنه لا يجوز هجر المسلم أكثر من ثلاثة أيام؛ لما روى البخاري (5727)، ومسلم (2560) عن أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يَهْجُرَ أَخَاهُ فَوْقَ ثَلَاثِ لَيَالٍ).
فهجر الأخ العاصي لا يكون مشروعا إلا إذا كان في ذلك إصلاح له، بأن يؤثر فيه هذا الهجر فيندم على ما فعله ويتوب ويعود إلى رشده، أو يكون الهجر لدفع أذاه وشره.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: “وهذا الهجر يختلف باختلاف الهاجرين في قوتهم ، وضعفهم ، وقلتهم ، وكثرتهم ؛ فإن المقصود به : زجر المهجور ، وتأديبه ، ورجوع العامة عن مثل حاله .
فإن كانت المصلحة في ذلك راجحة بحيث يفضي هجره إلى ضعف الشر وخفيته : كان مشروعاً ، وإن كان لا المهجور ولا غيره يرتدع بذلك ، بل يزيد الشر ، والهاجر ضعيف بحيث يكون مفسدة ذلك راجحة على مصلحته : لم يشرع الهجر ، بل يكون التأليف لبعض الناس أنفع من الهجر .
والهجر لبعض الناس أنفع من التأليف ، ولهذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يتألف قوماً ويهجر آخرين ، كما أن الثلاثة الذين خلِّفوا كانوا خيراً من أكثر المؤلفة قلوبهم ؛ لما كان أولئك كانوا سادة مُطاعين في عشائرهم ، فكانت المصلحة الدينية في تأليف قلوبهم ، وهؤلاء كانوا مؤمنين ، والمؤمنون سواهم كثير ، فكان في هجرهم عزُّ الدين ، وتطهيرهم من ذنوبهم ، وهذا كما أن المشروع في العدو القتال تارة ، والمهادنة تارة ، وأخذ الجزية تارة ، كل ذلك بحسب الأحوال والمصالح” انتهى ، ” مجموع الفتاوى ” (28 / 206) .
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: “فإن كان في الهجر مصلحة أو زوال مفسدة بحيث يكون رادعاً لغير العاصي عن المعصية ، أو موجباً لإقلاع العاصي عن معصيته ، كان الهجر حينئذٍ جائزاً ، بل مطلوباً طلباً لازماً ، أو مرغباً فيه ، حسب عظم المعصية التي هجر من أجلها… .
أما اليوم فإن كثيراً من أهل المعاصي لا يزيدهم الهجر إلاّ مكابرة وتمادياً في معصيتهم ، ونفوراً وتنفيراً عن أهل العلم والإيمان ؛ فلا يكون في هجرهم فائدة لهم ولا لغيرهم .
وعلى هذا فنقول: الهجر دواء يستعمل حيث كان فيه الشفاء ، وأما إذا لم يكن فيه شفاء ، أو كان فيه إشفاء – وهو الهلاك -: فلا يستعمل.
فأحوال الهجر ثلاث :
إما أن تترجح مصلحته : فيكون مطلوباً .
وإما أن تترجح مفسدته : فينهى عنه بلا شك .
وإما أن لا يترجح هذا ولا هذا : فالأقرب النهي عنه ؛ لعموم قول النبي صلى الله عليه وسلم : (لا يحل للمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاثة)” انتهى ، “مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين ” (33/17) .
وإذا كان في صلة هذا الأخ حصول أذى وضرر، فلا حرج في الهجر لدفع الأذى.
قال ابن عبد البر رحمه الله: “وأجمع العلماء على أنه لا يجوز للمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث إلا أن يكون يخاف من مكالمته وصلته ما يفسد عليه دينه ، أو يولد به على نفسه مضرة في دينه أو دنياه ، فإن كان ذلك فقد رخص له في مجانبته وبعده ، ورب صرم [أي : مقاطعة وهجر] جميل خير من مخالطة مؤذية .
قال الشاعر:
إذا ما تقضي الود إلا تكاشرا … فهجر جميل للفريقين صالح ” انتهى من “التمهيد” (6/ 127).
وقال الخطيب الشربيني في “مغني المحتاج” (4/ 426): ” يجوز هجر المبتدع والفاسق ونحوهما، ومن رجا بهجره صلاح دين الهاجر أو المهجور، وعليه يحمل هجره – صلى الله عليه وسلم – كعب بن مالك وصاحبيه، ونهيه صلى الله عليه وسلم الصحابة عن كلامهم، وكذا هجران السلف بعضهم بعضا” انتهى مختصرا.
ثانيا:
أما طرد أخيك من البيت، ففيه تفصيل:
1-فإن كان له نصيب في البيت: فليس لك طرده، ولا تحريض والدتك على ذلك، إلا أن يتم ذلك بإقناعه، ورضاه.
2-وإن لم يكن له نصيب في البيت، فلا حرج في دعوة والدتك لإخراجه، وتُعينه-إن استطاعت- على السكن في مكان آخر، والأولى أن يكون بعيدا عن الحي والمنطقة التي تعيشون فيها.
وإقناع والدتك بذلك، يكون ببيان خطر بقاء أخيك في البيت، وأثره على سمعتك فيما يتعلق بعملك وزواجك ونظرة الناس إليك.
فإن لم ترض والدتك بإخراجه، فالسبيل هو خروجك أنت، ولو ببيع نصيبك من الإرث إن وجد، أو البحث عن عمل أثناء الدراسة تعيش منه، إن لم يكفك نصيبك من معاش والدك.
ونسأل الله تعالى أن يهدي أخاك ويصلح حاله، وأن يجعل لك فرجا ومخرجا.
والله أعلم.
هل انتفعت بهذه الإجابة؟
المصدر:
موقع الإسلام سؤال وجواب