قرأت في أحد الأجوبة أنه يجب على من بدأ الصلاة وهو يعلم أن الوقت الكافي لن يسعها كلها، أنه يجب عليه الاقتصار على الواجبات، وكذلك في الوضوء، فما حكم الأفعال المختلف فيها، مثل: دعاء الاستفتاح ومسح الأذن في الوضوء، والمضمضة، وغيرها؟ وهل يأثم من فعل هذه الأمور خروجا من الخلاف على الرغم من ضيق وقت الصلاة؟ وهل يشمل ذلك الحكم الصلاة التي ضاق وقت الاختيار فيها، ومازال وقت الضرورة متسعا مثل صلاة العصر؟
الاقتصار على الواجبات في الوضوء والصلاة عند ضيق الوقت
السؤال: 410780
Table Of Contents
أولا:
حكم تأخير الصلاة حتى يخرج وقتها
يحرم تأخير الصلاة حتى يخرج وقتها، كما يحرم تأخيرها إلى وقت الضرورة إن كان للصلاة وقت اختيار ووقت ضرورة، ويحرم تأخير الصلاة بحيث لا يبقى وقت يتسع لفعلها كاملة.
قال ابن قدامة رحمه الله: "ولا يأثم بتعجيل الصلاة التي يستحب تأخيرها، ولا بتأخير ما يستحب تعجيله، إذا أخره عازما على فعله، ما لم يخرج الوقت، أو يضِق عن فعل العبادة جميعها؛ لأن جبريل صلاها بالنبي صلى الله عليه وسلم في أول الوقت وآخره، وصلاها النبي صلى الله عليه وسلم في أول الوقت وآخره، وقالا: "الوقت ما بين هذين" …
وإن أخرها بحيث لم يبق من الوقت ما يتسع لجميع الصلاة أثم؛ لأن الركعة الأخيرة من جملة الصلاة، فلا يجوز تأخيرها عن الوقت، كالأولى" انتهى من "المغني" (1/286).
وقال الحجاوي في "الإقناع" (1/74): "ولا يجوز لمن وجبت عليه تأخيرها، أو بعضها، عن وقت الجواز، إن كان ذاكرا لها قادرا على فعلها؛ إلا لمن ينوى الجمع، أو لمشتغل بشرطها الذي يحصله قريبا، كالمشتغل بالوضوء والغسل" انتهى.
وقال في "كشاف القناع" (1/227): "(ويحرم التأخير) للصلاة أو بعضها (بلا عذر إلى وقت الضرورة) كما يحرم إخراجها عن وقتها" انتهى.
ثانيا:
كلام بعض الفقهاء أنه إن ضاق الوقت اقتصر على الواجبات في الوضوء
نص جماعة من الفقهاء على أنه إن ضاق الوقت اقتصر على الواجبات في الوضوء.
جاء في فتح المعين : "(وليقتصر) أي المتوضئ، (حتما) أي وجوبا، (على) غسل أو مسح (واجب) أي فلا يجوز تثليث ولا إتيان سائر السنن (لضيق وقت) عن إدراك الصلاة كلها فيه، كما صرح به البغوي وغيره، وتبعه المتأخرون.
لكن أفتى في فوات الصلاة: لو أكمل سننها بأن يأتيها، ولو لم يدرك ركعة.
وقد يفرق بأنه ثَمَّ اشتغل بالمقصود، فكان كما لو مد في القراءة".
قال الدمياطي في "حاشية إعانة الطالبين" (1/ 69): "والحاصل المراد: أنه لو ثلث، أو أتى بالسنن كلها، لخرج جزء من الصلاة عن وقتها، فيجب عليه حينئذ ترك التثليث وترك الإتيان بالسنن.
(قوله: لكن أفتى إلخ) أي لكن يشكل على ما ذكره هنا: إفتاء البغوي نفسه في الصلاة؛ بأنه يأتي بجميع سننها، ولو خرج جزء منها عن وقتها بسبب ذلك، بل ولو لم يدرك ركعة فيه.
وقوله: (وقد يفرق) إلخ: أي يفرق بين ما هنا وبين ما ذكره هناك، بأنه هنا لم يشتغل بالمقصود، وهناك اشتغل بالمقصود الذي هو الصلاة، فاغتفر الإخراج هناك ولم يغتفر هنا.
(قوله: كما لو مد في القراءة) أي كما لو طول في قراءة السورة بحيث خرج الوقت، وهو لم يدرك ركعة فيه؛ فإنه لا يحرم." انتهى.
ومال بعضهم إلى ترك سنن الصلاة عند ضيق الوقت.
قال البجيرمي في "حاشيته على الخطيب" (1/403): " من أحرم بصلاة في وقتها، بقدر يسع جميعها فأكثر، فله الإتيان بمندوباتها، وإن خرج الوقت؛ لأنه من المد الجائز، وينوي فيها الأداء، ثم إن أوقع منها ركعة في الوقت، فهي أداء، وإلا فقضاء مع عدم الإثم عليه، لكنه خلاف الأولى.
وإن كان الوقت لا يسع جميع فرائضها: وجب الاقتصار على واجباتها، ثم إن وقع منها ركعة في الوقت فهي أداء، وإلا فقضاء، مع الإثم فيهما، وينوي الأداء إن كان الوقت يسع ركعة فأكثر، وإلا وجبت نية القضاء.
ولو أدرك آخر الوقت؛ بحيث لو أدى الفريضة بسنتها يفوت الوقت، ولو اقتصر على الأركان أدركها في الوقت؛ فالأفضل أن يتم السنن.
والنفسُ إلى الاقتصار على الواجبات أميل؛ لأن درء المفاسد مقدم على جلب المصالح، وهذا غير المد الجائز؛ لأن المد فيما إذا أحرم وبقي ما يسعها بسننها.
فالأحوال ثلاثة: تارة يبقى من الوقت ما يسعها بسننها، وتارة يبقى ما يسع واجباتها فقط، وتارة يبقى ما لا يسع واجباتها. فتأمل" انتهى.
ثالثا:
إذا خرج وقت الاختيار، وصلى الإنسان في وقت الضرورة فإنه يأتي بالواجبات والسنن، ولا يلزمه ترك شيء منها، لا في وضوئه ولا في صلاته ما دام الوقت الباقي يتسع لذلك.
رابعا:
إذا قيل: يقتصر على الواجبات في الوضوء، فالواجبات تختلف باختلاف المذاهب، فمن كان يرى وجوب البسملة والمضمضة والاستنشاق ومسح الأذنين كما هو مذهب الحنابلة، لزمه الإتيان بذلك كله.
وكذا لو اقتصر على الواجبات في الصلاة فيلزمه عندهم- أي الحنابلة- التسبيح في الركوع والسجود مرة، كما يلزمه تكبير الانتقال؛ لأن ذلك واجب عندهم.
فإن كان يقلد من لا يقول بوجوب شيء من ذلك، فلا يفعله حينئذ مراعاة للخلاف، فيما يظهر؛ لأنه يأثم بذلك، والاحتياط لا يكون فيما يعود على صاحبه بالإثم.
وأما دعاء الاستفتاح فمستحب لا واجب عند عامة أهل العلم، إلا ما نقل عن أحمد في رواية.
والله أعلم.
هل انتفعت بهذه الإجابة؟
المصدر:
موقع الإسلام سؤال وجواب