لقد قرأت هذا الكلام في أحد المواقع، وهو شرح حديث: (من قال : سبحان الله وبحمده في يوم مائة مرة حُطت خطاياه ، وإن كانت مثل زبد البحر) متفق عليه، نقل الحافظ ابن حجر عن ابن بطال حكاية عن بعض العلماء أن الفضل الوارد في حديث الباب وما شابهه إنما هو لأهل الفضل في الدين والطهارة من الجرائم العظام، وليس من أصرّ على شهواته، وانتهك دين الله وحرماته بلا حق، بالأفاضل المطهرين في ذلك ، ويشهد له قوله تعالى: (أًمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أّن نَّجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاء مَّحْيَاهُم وَمَمَاتُهُمْ سَاء مَا يَحْكُمُونَ) انتهى.
السؤال :
هل صحيح أن فضل من قال سبحان الله وبحمده 100 مرة يكون فقط لأهل الفضل والدين؟ وإذا كان ذلك، فلماذا كان الحديث بصفة عامة ولم يخصص فئة معينة، ومن منا لا يخطيء أو يذنب، فكيف يحكم الشخص على نفسه هل هو من أهل الفضل والدين أم لا؟
هل يشترط لنيل فضائل الأذكار أن يكون الذاكر متقيا لله تعالى؟
السؤال: 411422
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى:
” وذكر ابن بطال عن بعض العلماء أن الفضل الوارد في حديث الباب وما شابهه؛ إنما هو لأهل الفضل في الدين والطهارة من الجرائم العظام، وليس من أصر على شهواته وانتهك دين الله وحرماته بلاحقٍ بالأفاضل المطهرين في ذلك.
ويشهد له قوله تعالى: (أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاءً مَحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ) ” انتهى من “فتح الباري” (11/208).
وهذا القول نقله عدد من أهل العلم غير متعقبين له.
وللوقوف من هذا القول موقفا صحيحا؛ يجب التنبه:
أنه لا يتناول كل صاحب سيئة، أو من يفعل الكبائر ويتوب منها ، وإنما يدور حول أصحاب الجرائم العظام ، كالزنا والقتل والسرقة والظلم، مع الإصرار عليها من غير توبة ولا ندم ولا خوف ولا وجل.
وهو لا ينفي حصول الحسنات للذاكرين من هذا الصنف؛ وإنما ينفي عنهم نيلهم لفضائلها الخاصة من محو كل الذنوب.
وجمهور العلماء على أن فضائل الأعمال ، كالصلاة والصيام والحج والعمرة والذكر … وغيرها لا تكفر كبائر الذنوب ، وإنما تكفر الصغائر فقط ، بل ذهب بعضهم إلى أنها لا تكفر الصغائر إلا بشرط اجتناب الكبائر ، فإذا لم يجتنب الكبائر لم تكفر شيئا ، واستدلوا بقول النبي صلى الله عليه وسلم: (الصَّلَوَاتُ الْخَمْسُ ، وَالْجُمْعَةُ إِلَى الْجُمْعَةِ ، وَرَمَضَانُ إِلَى رَمَضَانَ ، مُكَفِّرَاتٌ مَا بَيْنَهُنَّ إِذَا اجْتَنَبَ الْكَبَائِرَ) رواه مسلم (233) .
قال العراقي رحمه الله في “طرح التثريب” (4/163):
“قَالَ النَّوَوِيُّ، وَفِي مَعْنَى هَذِهِ الْأَحَادِيثِ تَأْوِيلَانِ:
أَحَدُهُمَا: تُكَفَّرُ الصَّغَائِرُ بِشَرْطِ أَلَا يَكُونَ هُنَاكَ كَبَائِرُ فَإِنْ كَانَتْ كَبَائِرُ لَمْ يُكَفَّرْ شَيْءٌ لَا الْكَبَائِرُ وَلَا الصَّغَائِرُ.
وَالثَّانِي وَهُوَ الْأَصَحُّ الْمُخْتَارُ: أَنَّهُ يُكَفِّرُ كُلَّ الذُّنُوبِ الصَّغَائِرِ، وَتَقْدِيرُهُ تُغْفَرُ ذُنُوبُهُ كُلُّهَا إلَّا الْكَبَائِرَ.
قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ رَحِمَهُ اللَّهُ هَذَا الْمَذْكُورُ فِي الْأَحَادِيثِ مِنْ غُفْرَانِ الصَّغَائِرِ دُونَ الْكَبَائِرِ هُوَ مَذْهَبُ أَهْلِ السُّنَّةِ، وَأَنَّ الْكَبَائِرَ إنَّمَا تُكَفِّرُهَا التَّوْبَةُ أَوْ رَحْمَةُ اللَّهِ تَعَالَى” انتهى.
وقال الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله:
“ولهذا ذهب جمهور أهل العلم -أي أكثر أهل العلم- إلى أن هذه الأحاديث التي جاءت في فضل كذا ، وفضل كذا ، فضل الصلاة, وأنها تكفر الذنوب أو الوضوء أو صوم عرفة ، أو صوم يوم عاشوراء ، أو إحصاء أسماء الله الحسنى أو ما أشبه ذلك ؛ كل ذلك مقيد باجتناب الكبائر ، بالاستقامة على ما أوجب الله وترك الكبائر ، وأن هذه الفضائل وهذه الأعمال من أسباب المغفرة مع الأسباب الأخرى التي شرعها الله عز وجل ، ومع السلامة من الموانع التي تمنع المغفرة, وذلك هو الإصرار على الكبائر ، كما قال الله عز وجل : وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ ؛ فشرط في هذا عدم الإصرار ، والإصرار هو الإقامة على المعصية وعدم التوبة منها, وهو من أسباب عدم المغفرة ولا حول ولا قوة إلا بالله.
والخلاصة : أن هذه الفضائل وهذا الوعد الذي وعد الله به من أحصى أسماءه الحسنى بدخول الجنة ، ووعد من صام يوم عاشوراء أن يكفر السنة التي قبلها ، وهكذا في صوم عرفة, وهكذا غير ذلك : كله مقيد بعدم الإصرار على المعاصي ، وهكذا ما جاء في أحاديث التوحيد, وأن من شهد أن لا إله إلا الله صادقا من قلبه دخل الجنة ؛ كل ذلك مقيد بعدم إقامته على المعاصي .
فأما إذا أقام على المعاصي فهو تحت مشيئة الله قد يغفر له, وقد يدخل النار بذنوبه التي أصر عليها ولم يتب, حتى إذا طهر ونقي منها أخرج من النار إلى الجنة.
فالواجب على كل مسلم ومسلمة أن يحذر الاتكال على أحاديث الترغيب والوعد ، والإعراض عن أحاديث الوعيد وآيات الوعيد, بل يجب أن يأخذ بهذا وهذا ؛ يجب أن يحذر مما حرمه الله من المعاصي ، وأن تكون على باله الأحاديث والآيات التي فيها الوعيد ، لمن تعدى حدود الله وانتهك محارمه ، ومع ذلك يحسن ظنه بربه ويرجوه ويتذكر وعده بالمغفرة والرحمة لمن يعمل الأعمال الصالحات ، فيجمع بين هذا وهذا ، بين الرجاء والخوف ، فلا يقنط ولا يأمن ، وهذا هو طريق أهل العلم والإيمان كما قال جل وعلا عن أنبيائه : إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا أي: رجاء وخوفا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ وقال سبحانه: أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ وهكذا أهل الإيمان من أتباع الرسل هم على هذا السبيل يوحدون الله ويخشونه, ويؤدون فرائضه ويدعون محارمه، ويرجونه ويخافونه سبحانه وتعالى” انتهى من “فتاوى الشيخ ابن باز” (26/79).
فهذا القول الذي حكاه ابن بطال عن بعض العلماء، قريب مما قرره أهل العلم في تكفير السيئات بالأعمال الصالحة.
والله أعلم.
هل انتفعت بهذه الإجابة؟
المصدر:
موقع الإسلام سؤال وجواب