أنا في حيرة من أمري فيما يتعلق بمسألة الحفاظ على الصلة مع الأقارب المحارم وغير المحارم، لقد ذكرت في فتواك: ( 72834) رأيين للعلماء: يقول أحدها: من الواجب الحفاظ على الصلة مع الأقارب المحارم، أمّا بالنسبة للأقارب غير المحارم فهو مستحب، بينما يقول آخر: إنه من الواجب الحفاظ على الصلة مع كل من الأقارب المحارم وغير المحارم.
فأيّ رأي يُفتَرض أن أتّبعه؟ هل ينبغي عليّ التواصل مع المحارم فقط، وأتجنّب غير المحارم، أم ينبغي أن أتواصل مع أقاربي غير المحارم أيضا؟
وضّح لي قائمة في الإسلام عن كيفية اعتبار قُرب الأقارب بعد الوالدين والأشقاء الذين سيكونون جميعا أقرب الأقارب إلى المسلم.
هل يلزمه صلة بنات عمه وخاله وكيف تكون صلتهم؟
السؤال: 415072
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.
أولا:
سبق في جواب السؤال رقم: (72834) أن الرحم نوعان: رحم مَحْرَم، ورحم غير مَحْرَم.
وضابط الرحم المَحرَم: كل شخصين لو كان أحدهما ذكرا والآخر أنثى، لم يجز لهما أن يتناكحا ، كالآباء والأمهات والإخوة والأخوات والأجداد والجدات وإن علوا ، والأولاد وأولادهم وإن سفلوا ، والأعمام والعمات، والأخوال والخالات.
والرحم غير المَحرَم: ما عدا ذلك من الأقارب، كابن عمتك، وبنت عمتك، وابن خالك، وبنت خالك، وهكذا؛ لجواز التناكح بينهم .
وقد ذهب بعض الفقهاء إلى أن الرحم التي يجب صلتها: هي الرحم المحرم فقط، وأما غير المَحْرَم، فتستحب صلتها ولا تجب، وهذا قول للحنفية، وغير المشهور عند المالكية، وقول أبي الخطاب من الحنابلة.
والقول الثاني في المسألة : أنه يجب صلة الرحم كلها، لا فرق بين المحرَم وغيره ، “وهو قول للحنفية، والمشهور عند المالكية، وهو نص الإمام أحمد، وهو ما يفهم من إطلاق الشافعية , فلم يخصصها أحد منهم بالرحم المحرم” . “الموسوعة الفقهية الكويتية” (3/83).
وينظر : “غذاء الألباب” للسفاريني (1/354)، “بريقة محمودية” (4/153).
والأحوط هو الأخذ بالقول الثاني، وصلة جميع الأرحام، ولو كان غير رحم محرم، كابن العم وبنت العم، وابن الخال، وبنت الخال، وهكذا، وتكون صلتهم ولو بأدنى درجات الصلة كما سيأتي.
ثانيا:
سواء قيل بوجوب الصلة، أو استحبابها للرحم غير المحرم، كبنت العم وبنت الخالة؛ فإنه يجب مراعاة أن بنت العم ونحوها لها حكم الأجنبية، فلا يجوز مصافحتها، ولا الخلوة بها، ولا النظر إليها، كغيرها من النساء الأجنبيات، فتكون صلتها بالسلام عليها، وسؤالها عن حالها، ونصحها وهي مستورة، ودون مصافحة.
وقد يكتفى في صلتها بالاتصال الهاتفي المنضبط الذي لا يقع فيه خضوع بالقول منها، ولا كلام زائد على الحاجة منك. وقد تكون فقيرة فيكون من صلتها: إعانتها بالمال والنفقة؛ وهذا من آكد أنواع صلة الأرحام.
وكذلك تصل المرأة ابن عمها وابن خالها وخالتها، بالسؤال ولو بالهاتف بين الحين والآخر، مع أمن الفتنة، وإذا زارت عمها وخالها وخالتها: سلمت على أبنائهم بالقول دون مصافحة، مع لزومها الحجاب أمامهم.
ومعلوم أن صلة الرحم- كما قال القاضي عياض-: ” درجات، بعضها فوق بعض، وأدناها ترك المهاجرة، وصلتها ولو بالسلام كما قال – عليه الصلاة والسلام.
وهذا بحكم القدرة على الصلة، وحاجتها إليها، فمنها ما يتعين ويلزم، ومنها ما يستحب ويُرغب فيه، وليس من لم يبلغ أقصى الصلة يسمى قاطعًا، ولا من قصّر عما ينبغى له، ويقدر عليه: يسمى واصلاً” انتهى من “إكمال المعلم” (8/20).
وقال القرطبي في تفسيره (16/247): ” وبالجملة فالرحم على وجهين: عامة وخاصة، فالعامة رحم الدين، ويجب مواصلتها بملازمة الإيمان والمحبة لأهله ونصرتهم، والنصيحة وترك مضارتهم، والعدل بينهم، والنصفة في معاملتهم، والقيام بحقوقهم الواجبة، كتمريض المرضى وحقوق الموتى من غسلهم والصلاة عليهم ودفنهم، وغير ذلك من الحقوق المترتبة لهم.
وأما الرحم الخاصة، وهي رحم القرابة من طرفي الرجل، أبيه وأمه، فتجب لهم الحقوق الخاصة وزيادة، كالنفقة وتفقد أحوالهم، وترك التغافل عن تعاهدهم في أوقات ضروراتهم، وتتأكد في حقهم حقوق الرحم العامة، حتى إذا تزاحمت الحقوق، بدئ بالأقرب فالأقرب” انتهى.
والله أعلم.
هل انتفعت بهذه الإجابة؟
المصدر:
موقع الإسلام سؤال وجواب
موضوعات ذات صلة