وجدت جملة لم أفهم معناها في "نيل الإطار" للإمام الشوكاني رحمه الله، وهي: "أن الوعيد على الاعتقاد يشعر بتحريم الملابسة بفحوى الخطاب، وأما دعوى التجوز فالأصل الحقيقة، ولا ملجأ إلى الخروج عنه"، فما معنى هذه الجملة؟
إذا كان الوعيد في حديث المعازف على من يعتقد إباحتها، فكيف يستدل به على تحريم الفعل؟
السؤال: 418597
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.
أورد الشوكاني هذا الكلام في سياق حديثه عن حكم المعازف، والاحتجاج على حرمتها بحديث: لَيَكُونَنَّ مِنْ أُمَّتِي أَقْوَامٌ، يَسْتَحِلُّونَ الحِرَ وَالحَرِيرَ، وَالخَمْرَ وَالمَعَازِفَ ذكره البخاري (5590) معلقًا، وأبو داود (4039).
ونص الكلام كاملًا: "وأجاب المجوزون أيضا على الحديث المذكور من حيث دلالته، فقالوا لا نسلم دلالته على التحريم، وأسندوا هذا المنع بوجوه: أحدها أن لفظة يستحلون ليست نصا في التحريم، فقد ذكر أبو بكر بن العربي لذلك معنيين، أحدهما أن المعنى يعتقدون أن ذلك حلال، الثاني أن يكون مجازا عن الاسترسال في استعمال تلك الأمور.
ويجاب: بأن الوعيد على الاعتقاد، يشعر بتحريم الملابسة؛ بفحوى الخطاب.
وأما دعوى التجوز: فالأصل الحقيقة، ولا مُلْجئ إلى الخروج عنه" انتهى، من "نيل الأوطار" (8/116).
ومعنى الكلام هنا: أن الذين يبيحون المعازف يقولون إن الوعيد في حديث المعازف ليس مقصودًا به من يستمع للمعازف؛ بل المقصود به من يعتقد حلها.
فيجيب الشوكاني: لو فرضنا أن المقصود هنا بالوعيد من يعتقد حلها؛ فهذا في الحقيقة يدل على تحريم الملابسة، التي هي الاستماع للمعازف من باب أولى، فلا معنى لأن يتوعد الله من يعتقد حل شيء، إلا أن يكون عمل هذا الشيء – ملابسته، أو التلبس به – حرامًا في نفسه، بل عمله أولى بالتحريم من مجرد اعتقاد الحل الذي لم يقترن به عمل؛ وإلا فلو لم يكن حرامًا، فما الداعي لتوعد من يعتقد الحل؟
والمراد بفحوى الخطاب في كلام الشوكاني: قياس الأولى؛ وهو أن يكون المسكوتُ عنه، أولى بالحكم من المنطوق به .
يقول الشوكاني في "إرشاد الفحول" (2/37): "والمفهوم: ينقسم إلى مفهوم موافقة، ومفهوم مخالفة.
فمفهوم الموافقة: حيث يكون المسكوت عنه موافقا للملفوظ به.
فإن كان أولى بالحكم من المنطوق به؛ فيسمى فحوى الخطاب.
وإن كان مساويا فيسمى لحن الخطاب".
وحاصل ذلك:
أنه، وعلى فرض أن يكون منطوق حديث المعازف قد توعد من يعتقد الحل؛ فالمفهوم من مضمون هذا الكلام، وسياقه : أن هذا الفعل الذي يتوعد الله من يعتقد حله، يُعد فعلًا محرمًا، وأن "الوقوع" في هذا المحرم، عمليا، أولى بالتحريم، وأظهر في المنع، من مجرد أن يعتقد الإنسان أن هذا الفعل حلال، لكنه لا يفعله؛ فإن فاعله "المستحل له" قد جمع بين الأمرين معا: استباحة الفعل، عمليا، واعتقاد حله، أو على الأقل: عدم اعتقاد تحريمه؛ أو عدم المبالاة بحله، أو حرمته.
فيفيدنا الحديث:
أولًا: توعد من يعتقد الحل وهذه الإفادة حدثت بمنطوق الحديث.
ثانيًا: حرمة هذا الفعل الذي يتوعد الله من يعتقد حله، وهذه الإفادة حدثت بمفهوم الحديث.
ثم يقول الشوكاني، في تمام رده لكلام المجيزين:
"وأما دعوى التجوز: فالأصل الحقيقة، ولا مُلْجئ إلى الخروج عنه".
وهو بذلك يجيب عن الكلام المنقول عن ابن العربي: " ..أن يكون مجازا عن الاسترسال في استعمال تلك الأمور".
ومعن كلام ابن العربي: أن لفظ "الاستحلال" هنا: مستعمل في معناه المجازي؛ ومعناه على ذلك: ليس المنع من مطلق "السماع" أو "الاستعمال" للمعازف، بل المنع من "الاسترسال" فيها؛ بمعنى: الانهماك في استعمالها، والإكثار منها.
فيرد الشوكاني ذلك بما حاصله:
أن هذه مجرد دعوى، وهي مردودة هنا، لأن الأصل في الكلام أن يحمل على الحقيقة، ولا يجوز صرفه إلى المجاز إلا بدليل، وليس هنا دليل يوجب ذلك الخروج عن المعنى الحقيقي.
ولتتميم الفائدة راجع جواب السؤال رقم: (5000).
والله أعلم.
هل انتفعت بهذه الإجابة؟
المصدر:
موقع الإسلام سؤال وجواب
موضوعات ذات صلة