سؤالي حول الذكر، هل يؤجر المسلم على جميع الأجور المترتبة على الإذكار وإن جهلها؟ فمثلا: هناك عدة أجور متعلقة بسبحان الله وبحمده، وقس على ذلك كل العبادات، وقد قرأت أن العمل الصالح لابد فيه من شرطين ليكون مقبولا: الإخلاص، وأن يكون على هدي النبي صلى الله عليه وسلم. فمثلا: إذا نويت بذكر معين كيفما كان طاعة الله، فهل آخذ كل الأجور المترتبة عليه؟ أم لابد من استحضار كل أجر على حدة؟
عند الشروع في عبادة، هل يشترط استحضار الثواب الخاص بها؟
السؤال: 422414
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.
يحصل العبد على أجر العبادة ويدرك فضائلها؛ بتحقيق:
1 – الاتباع: بأن تكون العبادة على الوجه الذي بيّنه الشرع، فلا يبتدع العبد فيها ما لم يشرعه الله ورسوله.
عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مَنْ أَحْدَثَ فِي أَمْرِنَا هَذَا مَا لَيْسَ فِيهِ، فَهُوَ رَدٌّ) رواه البخاري (2697)، ومسلم (1718).
2 – النية: لقول رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( إِنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ، وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى ) رواه البخاري (1)، ومسلم (1907).
والنية تتناول نية تعيين العبادة، وكذا نية الإخلاص.
والمقصود بالإخلاص، أن يقصد بالعبادة وجه الله تعالى، لا غيره.
فإذا حقق هذين الأمرين، فيرجى له الأجر، وإن لم يستحضر نية إدراك الثواب الخاص بتلك العبادة، لأنه لا يعلم دليل على هذا، بل نصوص الشرع تشير إلى عدم لزوم هذه النية.
كما في قول الله تعالى: (بَلَى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ) البقرة/112.
قال ابن كثير رحمه الله تعالى:
" قال تعالى: (بَلَى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ) أي: من أخلص العمل لله وحده لا شريك له…
قال سعيد بن جبير: ( بَلَى مَنْ أَسْلَمَ ) أخلص، (وَجْهَهُ) قال: دينه، (وَهُوَ مُحْسِنٌ) أي: متبع فيه الرسول صلى الله عليه وسلم. فإن للعمل المتقبل شرطين، أحدهما: أن يكون خالصا لله وحده.
والآخر: أن يكون صوابا موافقا للشريعة. فمتى كان خالصا ولم يكن صوابا لم يتقبل؛ ولهذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد ). رواه مسلم من حديث عائشة، عنه، عليه السلام…
وأما إن كان العمل موافقا للشريعة في الصورة الظاهرة، ولكن لم يخلص عامله القصد لله فهو أيضا مردود على فاعله وهذا حال المنافقين والمرائين… ولهذا قال تعالى: ( فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا ).
وقوله: ( فَلَهُ أَجْرُهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ )، ضمن لهم تعالى على ذلك تحصيل الأجور، وآمنهم مما يخافونه من المحذور " انتهى من "تفسير ابن كثير" (1/385).
فلم يشترط لتحصيل الأجر إلا الإحسان والإخلاص.
وكما في حديث أَنَسٍ: أَنَّ رَجُلًا جَاءَ فَدَخَلَ الصَّفَّ وَقَدْ حَفَزَهُ النَّفَسُ، فَقَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ حَمْدًا كَثِيرًا طَيِّبًا مُبَارَكًا فِيهِ، فَلَمَّا قَضَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَاتَهُ قَالَ: أَيُّكُمُ الْمُتَكَلِّمُ بِالْكَلِمَاتِ؟
فَأَرَمَّ الْقَوْمُ.
فَقَالَ: أَيُّكُمُ الْمُتَكَلِّمُ بِهَا؟ فَإِنَّهُ لَمْ يَقُلْ بَأْسًا.
فَقَالَ رَجُلٌ: جِئْتُ وَقَدْ حَفَزَنِي النَّفَسُ فَقُلْتُهَ.
فَقَالَ: (لَقَدْ رَأَيْتُ اثْنَيْ عَشَرَ مَلَكًا يَبْتَدِرُونَهَا، أَيُّهُمْ يَرْفَعُهَا ) رواه مسلم (600).
فالرجل نال هذا الفضل الخاص ولم يقصده قطعا؛ لأنه لم يكن يعلمه حينما قال تلك الكلمة.
وروى البخاري (6478) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (إِنَّ العَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بِالكَلِمَةِ مِنْ رِضْوَانِ اللَّهِ، لاَ يُلْقِي لَهَا بَالًا، يَرْفَعُهُ اللَّهُ بِهَا دَرَجَاتٍ، وَإِنَّ العَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بِالكَلِمَةِ مِنْ سَخَطِ اللَّهِ، لاَ يُلْقِي لَهَا بَالًا، يَهْوِي بِهَا فِي جَهَنَّمَ).
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى:
" قوله: ( لاَ يُلْقِي لَهَا بَالًا ) أي : لا يتأملها بخاطره، ولا يتفكر في عاقبتها، ولا يظن أنها تؤثر شيئا" انتهى من "فتح الباري" (11/311).
ولأن استحضار نية كل الأجور الخاصة لأي عبادة يقوم بها العبد، فيه حرج شديد على عموم الناس، والشرع لم يأت بالحرج.
قال الله تعالى: (مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ) المائدة/6.
كما أن الأجور الخاصة لأي عبادة داخلة في عموم نية الثواب التي لا يكاد يخلو منها قلب مسلم، فعموم هذه النية كاف؛ فالشرع لم يفصل لنا كثيرا من أنواع الثواب الذي سيلقاه المسلم يوم القيامة.
كما في حديث أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (لَوْ يَعْلَمُ النَّاسُ مَا فِي النِّدَاءِ وَالصَّفِّ الأَوَّلِ، ثُمَّ لَمْ يَجِدُوا إِلَّا أَنْ يَسْتَهِمُوا عَلَيْهِ لاَسْتَهَمُوا) رواه البخاري (615)، ومسلم (437).
قال النووي رحمه الله تعالى:
" ومعناه أنهم لو علموا فضيلة الأذان وقدرها ، وعظيم جزائه : ثم لم يجدوا طريقا يحصلونه به ، لضيق الوقت عن أذان بعد أذان ، أو لكونه لا يؤذن للمسجد إلا واحد ؛ لاقترعوا في تحصيله " انتهى من "شرح صحيح مسلم" (2/158).
فالحاصل؛ أن العبد إذا أحسن عبادته، فهو موعود بأجرها وإن جهله أو لم يستحضره.
قال الله تعالى: (إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلًا) الكهف/30.
والله أعلم.
هل انتفعت بهذه الإجابة؟
المصدر:
موقع الإسلام سؤال وجواب