عندي مرض الخجل الزائد من الناس، وكلما بحثت في علاج هذا المرض وجدت الغرب الكافر هو من يكتب في علاج هذا المرض، وإن وجدت عربا وجدتهم مثل الغرب لا يربطون العلاج بالدين، فهل يوجد من علماء الإسلام من تحدث عن هذا العلاج من السلف أو أئمة الدين أو من علمائنا المعاصرين؟ بحيث يكون استفاض في الحديث عن العلاج، وله منهجية، وليس مجرد إجابة عن سؤال.
هل في الإسلام علاج لمرض الخجل؟
السؤال: 424354
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.
نسأل الله العظيم رب العرش العظيم أن يشفيك شفاءً لا يغادر سقمًا.
أولًا:
إن الدين الإسلامي دين هداية للناس، رسالته تعبيد الناس لرب الناس، وهدايتهم لما ينفعهم في آخرتهم ودنياهم، وليس من شأنه وضع علاج تفصيلي لكل مرض من الأمراض، بل اكتفى بالدلالة على أصل التداوي، عن أنس رضي الله عنه قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ حَيْثُ خَلَقَ الدَّاءَ خَلَقَ الدَّوَاءَ فَتَدَاوَوْا) رواه أحمد (12186)، وحسنه الألباني في “السلسلة الصحيحة” (1633).
وقد أخرج مسلم في صحيحه (2200) عَنْ عَوْفِ بْنِ مَالِكٍ الْأَشْجَعِيِّ، قَالَ: كُنَّا نَرْقِي فِي الْجَاهِلِيَّةِ، فَقُلْنَا: يَا رَسُولَ اللهِ، كَيْفَ تَرَى فِي ذَلِكَ؟ فَقَالَ: ( اعْرِضُوا عَلَيَّ رُقَاكُمْ، لَا بَأْسَ بِالرُّقَى مَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ شِرْكٌ ).
فإذا كان ذلك في الرقى، وهي أولى أبواب الطب والعلاج أن تؤخذ من الشرع، وتتلقى بتفاصيلها منه؛ فأولى في ذلك أن يكون في الأدوية والعقاقير المادية الحسية المجربة.
وعلى ذلك؛ فالعلاج المشروع: ليس هو الذي جاء الشرع بعينه؛ بل هو ما لم يمنع منه الشرع، ولم يصادم نصا، ولا أصلا شرعيا.
ونحن نجد في كتب، وأبواب “الطب النبوي”، فيما صح من حديث النبي صلى الله عليه وسلم: ذكرا، أو إشارة إلى بعض أنواع العلاج وليس كلها، روى البخاري (5684)، ومسلم (2217) عَنْ أَبِى سَعِيدٍ: “أَنَّ رَجُلاً أَتَى النَّبِىَّ -صلى الله عليه وسلم- فَقَالَ: أَخِى يَشْتَكِى بَطْنَهُ. فَقَالَ: (اسْقِهِ عَسَلاً)، ثُمَّ أَتَى الثَّانِيَةَ، فَقَالَ: (اسْقِهِ عَسَلاً)، ثُمَّ أَتَاهُ، فَقَالَ: فَعَلْتُ.
فَقَالَ: (صَدَقَ اللَّهُ، وَكَذَبَ بَطْنُ أَخِيكَ، اسْقِهِ عَسَلاً)، فَسَقَاهُ، فَبَرَأَ”.
كما حث الشرعُ الكريمُ على بعض الأذكار والأدعية عند المرض، فعَن عَائِشَةَ رَضِيَ اللّهُ عَنهَا، أَنَّ رَسُولَ اللّهِ صَلَّى اللّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ، كَانَ إِذَا اشتَكَى مِنَّا إِنسَانٌ مَسَحَهُ بِيَمِينِهِ، ثُمَّ قَالَ: (أَذهِبِ البَاسَ، رَبَّ النَّاسِ، وَاشفِ أَنتَ الشَّافِي، لا شِفَاءَ إِلا شِفَاؤُكَ، شِفَاءً لَا يُغَادِرُ سَقَمًا) رواه البخاري (5675)، ومسلم (2191) واللفظ له.
وَعَن عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهَا قَالَت: “كَانَ رَسُولُ اللّهِ صَلَّى اللّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ إِذَا مَرِضَ أَحَدٌ مِن أَهلِهِ نَفَثَ عَلَيهِ بِالمُعَوِّذاتِ، فَلَمَّا مَرِضَ مَرَضَه الذي مَاتَ فِيهِ، جَعَلتُ أَنفُثُ عَلَيهِ وَأَمسَحُ بِيَدِ نَفسِهِ، لِأَنَّهَا كَانَت أَعظَمَ بَرَكَةً مِن يَدِي. رواه البخاري (5735)، ومسلم (2192) واللفظ له.
إذا تبين ذلك؛ فلا يصح السؤال عن علاج الإسلام لمرض السرطان مثلًا، أو مرض ثُنائي القطب، عافانا الله وإياكم، ولا يصح أيضًا أن لا يتعالج المريض المسلم، من مثل هذا المرض، إلا من علاج اخترعه طبيب مسلم.
وأين هو في الصيدليات والمستفيات، وفي علم الأدوية: تعيين الأدوية والعلاجات التي ابتدعها المسلمون؟ بل أين هي الآن؟ وأين من يبحث عنها، أو يسأل سؤالها؟
وأما إذا كانت حساسيتك لأجل أن هذا مرض نفسي، وله نوع ارتباط بالجانب “الأخلاقي”؛ فنعم؛ ما يتعلق بالأخلاق، واستصلاحها، وما ينبغي فيها: أمر إسلامي، ينظر فيه إلى أدب الشرع، لا إلى آداب الفلاسفة، وأفكار المفكرين سواهم.
لكن الجانب “المرضي” في أحوال النفس، الذي يحتاج إلى “علاج” و”طب نفسي”: صار شأنه شأن “طب الأبدان”، ولهذا يتعاطى المريض “أدوية” و”عقاقير”، كالتي يتعاطاها مريض البدن، ولا فرق.
كل ما هنالك، أنه ينبغي في التداوي في مثل هذه المساحات الحساسة: أن تجتهد في الوصول إلى طبيب مسلم ثقة في طبه، مأمون في دينه، لئلا يكون دواؤه، داء، من حيث لا تدري.
ثانيًا:
جاء الشرع الحنيف بالحث على خلق الحياء، روى البخاري (6117)، ومسلم (165) عن عِمْرَانَ بْن حُصَيْنٍ أن النَّبِىَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: (الْحَيَاءُ لاَ يَأْتِي إِلاَّ بِخَيْرٍ). وفي لفظ عند مسلم (166): (الْحَيَاءُ خَيْرٌ كُلُّهُ).
وروى الحاكم عن ابن عمر رضي الله عنهما، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن الحياء والإيمان قُرِنا جميعا، فإذا رُفع أحدهما، رفع الآخر) صححه الألباني في “صحيح الجامع” (2483).
قال النووي في “رياض الصالحين” (ص295): “قال العلماء: حقيقة الحياء: خلق يبعث على ترك القبيح، ويمنع من التقصير في حق ذي الحق” انتهى.
لذلك جاء عن عدد من الصحابة والتابعين بيان حقيقة الحياء، ومن ذلك:
– أن أم سليم جاءت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت يا رسول الله، إن الله لا يستحيي من الحق، فهل على المرأة من غسل إذا احتلمت؟ قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا رأت الماء)، فغطت أم سلمة، تعني وجهها، وقالت: يا رسول الله، وتحتلم المرأة ؟ قال: (نعم، تربت يمينك، فبم يشبهها ولدها) رواه البخاري ومسلم.
– قالت عائشة رضي الله عنها: “نِعم النساء نساء الأنصار لم يكن يمنعهن الحياء أن تتفقهن في الدين” رواه مسلم (332).
– وقال مجاهد -رَحِمَهُ اللهُ-: “لا يَتَعَلَّمُ العلمَ مُسْتَحْي ولا مُسْتَكْبِرٌ” علَّقه البخاري في “صحيحه” كتابَ العلم، (٥٠) باب الحياء في العلم، -مجزومًا به-.
ثالثًا:
الخجل سمة إنسانية، وهذا يعني أن الجميع لديه قدرٌ من الخجل، هذا القدر قد يزيد وقد ينقص من فرد إلى فرد، إذا زاد هذا القدر عن حد معين أصبح الخجل مرضًا نفسيًا واجتماعيًا.
فالدرجة المرَضية من الخجل: يُرجع فيها للأطباء النفسسين المختصين، كأي مرض من الأمراض الجسدية أو النفسية.
والدرجة غير المرَضية هذه، قد تعرَّض لها العلماء المتقدمون في كتب الأخلاق والتربية والسلوك تحت مسمى (الحياء المذموم)، وتعرضوا لها كذلك في شروح الأحاديث التي تتكلم عن فضل الحياء، وغير ذلك من المواضع المتفرقة.
رابعًا:
هذه بعض المؤشرات التي تدل على أن الخجل قد يكون وصل إلى مرحلة مرَضيَّة:
1- خوف ملحوظ من موقف أو أكثر من المواقف الاجتماعية، التي يتعرض الفرد فيها إلى أشخاص غير مألوفين له، أو التي يحتمل أن يكون الفرد فيها محورًا لانتباه الآخرين وتفحصهم، ويخاف الفرد من أن يسلك في تلك المواقف بطريقة تكشف عن ارتباكه، أو تظهر أعراض القلق لديه.
2- دائما يؤدي تعرض الفرد للموقف الاجتماعي الذي يخافه إلى استثارة قلقه، والذي ربما يأخذ شكل نوبة هلع.
3- يدرك الفرد تمامًا أن هذا الخوف غير معقول، وزائد عن الحد.
4- يحاول الفرد تجنب المواقف الاجتماعية المخيفة بالنسبة إليه، وإذا لم يكن ذلك ممكنًا، فإنه يحاول تحملها ومعايشتها، لكن وهو يعاني قلقًا شديدًا وانضغاطًا.
5- يؤثر تجنب الفرد تلك المواقف، أو اضطراره إلى تحملها في ظل درجة عالية من الشعور بالانضغاط والقلق= في كثير من جوانب حياته اليومية المعتادة، وفي حياته الوظيفية، أو في نشاطاته الاجتماعية وعلاقاته بالآخرين، وشعوره بالانضغاط نتيجة ما يعانيه من رُهاب.
6- بالنسبة للأفراد الذين يقل عمرهم عن ثماني عشرة سنة، فلا بد من استمرار وجود تلك المخاوف مدة لا تقل عن ستة شهور متواصلة.
7- لا يرجع هذا الخوف، أو هذا التحاشي للموقف الاجتماعي، إلى عوامل فسيولوجية مباشرة، نتيجة تعاطي مادة مؤثرة في الأعصاب، ولا إلى الحالة الصحية العامة للفرد، ولا إلى إصابته باضطراب أو مرض نفسي آخر.
انظر: كتاب “الخجل” لراي كروزير (ص322-323).
خامسًا:
إليك هذه النصائح لعلاج الخجل:
1– عليك بمجاهدة النفس، والتدرب على مواجهة الناس والتحدث إليهم، والمطالبة بحقوقك، درِّبْ نفسك على هذا وتدرج فيه.
2 – واجه الخجل بالعلم، فالخجل عادة هو نتاج أفكار خاطئة، فأنت تخجل من التحدث أمام الناس، لأنك تخشى ألا يعجبهم كلامك، أو أن يسخروا من كلامك، حدث نفسك كم مرة حدث هذا؟ كم شخص أُحدِّثه في اليوم ولا يسخر مني؟
3- اكتسب مهارات توكيد الذات، واعلم أن الله كرمك بوصفك إنسانا، وكرمك بوصفك مسلما، وأمرك العزة، والاعتزاز. وإن كان أمرك بعدم الكبر وعدم الغرور؛ فقد أمرك بألا تذل نفسك، ففي الحديث: (لَا يَنْبَغِي لِمُسْلِمٍ أَنْ يُذِلَّ نَفْسَهُ) رواه الترمذي (2254)، وصححه الألباني في “صحيح الجامع”.
كل هذه المعاني (المجاهدة- العلم- العزة) معاني وأعمال شرعية تفيدك في التخلص من الخجل، مع عدم غنايتها عن العلاج، إذا وصل الأمر إلى حد المرض.
وأخيرا:
ننصحك بسماع هذه المحاضرة النافعة للدكتور محمد إسماعيل المقدم عن الخجل وعلاجه، فقد جمع الشيخ بين العلم بالكتاب والسنة، والعلم بعلم النفس فهو مجال تخصصه.
والله أعلم.
هل انتفعت بهذه الإجابة؟
المصدر:
موقع الإسلام سؤال وجواب