يحتج البعض بأن ابتداع بعض الأفعال التي من شأنها تعظيم النبي صلى الله عليه وسلم واحترامه هي جائزة؛ وذلك لأن الإمام مالك كان يمشي حافياً في المدينة المنورة من شدة تعظيمه للنبي صلى الله عليه وسلم، ولم يسبقه إلى هذا الفعل أحد من الصحابة، فما صحة هذا القول، رغم معرفتنا أن الإمام مالك كان من أشد الناس اتباعاً للسنة وتعظيمها، فكيف يأتي بفعل ليس من السنة؛ حيث إن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الاحتفاء الدائم، وأمر به أحياناً لنفي الإرفاه؟
هل من السنة المشي حافيا في المدينة النبوية؟
السؤال: 426958
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.
أولا:
لم نقف على ما يدل على أن الإمام مالك رحمه الله تعالى كان يمشي حافيا في المدينة، والمصنفات التي تناولت مناقبه رحمه الله تعالى، لم تذكر هذا، بل نقلت ما يناقضه، حيث تطرقوا إلى ذكر تنعله.
روى ابن مخلد في “ما رواه الأكابر عن مالك بن أنس” (ص 66 – 67)، قال: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سُلَيْمَانَ بْنِ الْحَارِثِ، حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سُوَيْدٍ الرَّمْلِيُّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَمَاعَةَ، حَدَّثَنَا مَهْدِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ: ( كُنْتُ أَرَى مَالِكَ بْنَ أَنَسٍ يُغَيِّرُ ثِيَابَهُ يَوْمَ الْجُمْعَةِ، حَتَّى نَعْلَهُ ).
ولم يتطرق علماء المالكية إلى هذا في مظانه، فقد تطرق ابن العربي إلى ما يلائم هذا الخبر ولم يذكره، وهذا في تفسيره لقوله تعالى: ( فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى ) طه (12).
حيث قال رحمه الله تعالى:
” إن قلنا: إن خلع النعلين كان لينال بركة التقديس، فما أجدره بالصحة، فقد استحق التنزيه عن النعل، واستحق الواطئ التبرك بالمباشرة، كما لا تدخل الكعبة بنعلين، وكما كان مالك لا يركب دابة بالمدينة، برا بتربتها المحتوية على الأعظم الشريفة، والجثة الكريمة ” انتهى. “أحكام القرآن” (3 / 254).
ونقله عنه القرطبي في “التفسير” (14 / 21)، ولم يذكر أنه كان يمشي حافيا.
ونحو هذا نقل القاضي عياض، حيث قال رحمه الله تعالى:
” كان مالك رحمه الله لا يركب بالمدينة دابة، وكان يقول: أستحيي من الله أن أطأ تربة فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم بحافر دابة، وروي عنه أنه وهب للشافعي كراعا كثيرا كان عنده، فقال الشافعي: أمسك منها دابة فأجابه بمثل هذا الجواب ” انتهى. “الشفا” (2 / 57).
وكما نرى أن هذا موضع لائق بخبر مشي الإمام مالك حافيا، لو كان قد ورد.
وخبر عدم الركوب هذا لم نقف له على إسناد، فالله أعلم بحاله.
وقد ذكره عيسى بن مسعود الزواوي في “مناقب الإمام مالك، المطبوع في مقدمة المدونة” غير قاطع بصحته، حيث قال رحمه الله تعالى:
” ومما يؤيد أن مالكا لم يكن يركب بالمدينة، أن رواة سيرته وأخباره قد ذكروا جميع صفاته وأحواله وملابسه حتى نعاله وجملة تركته ولم أعلم أحدا ذكر له دابة لركوبه، ولا في تركته، والله أعلم بصحة ذلك من سقمه ” انتهى. “المدونة” (1 / 83).
ثانيا:
كان النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه يمشون في المدينة منتعلين النعال.
ثم كان الصحابة بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم يمشون في المدينة بنعالهم.
وهذا المروي عن مالك رحمه الله، لم نقف على إسناده، وليس هو من السنة، والعلماء يحتج لهم، ولا يحتج بهم.
وقد سئل الشيخ عبد المحسن العباد حفظه الله: “هل من السنة المشي بدون نعل في مدينة النبي صلى الله عليه وسلم، فقد رأيت بعض الناس يفعل ذلك؟!
فأجاب: ليس من السنة، فالرسول صلى الله عليه وسلم كان يمشي فيها بالنعل، والصحابة كانوا يمشون بالنعال، وهم خير الناس وأفضل الناس” انتهى:
والله أعلم.
هل انتفعت بهذه الإجابة؟
المصدر:
موقع الإسلام سؤال وجواب