0 / 0

ما المقصود بالغيار الذي يتميز به أهل الذمة؟

السؤال: 429701

بناء على النصوص التي سأقوم بنقلها، فماهي أحكام لبس الغيار؟ هل يجب على المسلمين إجبار الكفار على لبس الغيار، أم يجب على المسلمين لبس الغيار في حالة امتناع الكفار، وهل هذه الأحكام ثابتة أم متغيرة، وما موقف المسلم في الزمن المعاصر من الملابس المشتركة بين الكفار والمسلمين في حالة عدم تطبيق أحكام الغيار؟
قال شيخ الإسلام ابن تيمية في كتاب “الاقتضاء”: ” قال القاضي أبو يعلى في مسألة حدثت في وقته: أهل الذمة مأمورون بلبس الغيار، فإن امتنعوا لم يجز لأحد من المسلمين صبغ ثوب من ثيابهم؛ لأنه لا يتعين عليهم صبغ ثوب بعينه وهذا فيه خلاف، هل يلزمون بالتغير أو الواجب علينا إذا امتنعوا أن نغير نحن؟… وأما وجوب أصل المغايرة: فما علمت فيه خلافاً”.
 

الجواب

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.

أولا:

من المقرر في أحكام أهل الذمة أنه يلزمهم الغيار، وهو أن يلبسوا شيئا يتميزون به، ضِمن ملابسهم؛ كأن يلبسوا إزارا بلون يخالف لون الرداء، ونحو ذلك.

ويكفي في الغيار تميز قطعة واحدة من اللباس، كالرداء أو الإزار أو العمامة، ولا يلزم أن يكون لباسهم كله مغايرا.

قال في “كشاف القناع” (3/128): “ويلزمهم التمييز أيضا في لباسهم بالغيار؛ فيلبسون ثوبا يخالف لونه بقية ثيابهم، كعسلي ليهود، وهو ضرب من اللباس معروف، وأدكن لنصارى، وهو لون يضرب إلى السواد، وهو الفاختي، ويكون هذا في ثوب واحد، لا في جميعها؛ أي: الثياب لحصول المقصود بواحد منها.

ولامرأة: غيارٌ بخفين مختلفي اللون، كأبيض وأحمر ونحوهما، إن خرجت بخف.

قال في المبدع: فإن أَبَوُا الغيار، لم يُجبروا ، ونغيره نحن.

ومما يتميزون به: شد الخرق الصفر ونحوها، كالزرق، في قلانسهم وعمائمهم، مخالفة للونها أي: تكون الخرق مخالفا لونها لون القلانس والعمائم، ليحصل التمييز.

ولما صارت العمامة الصفراء والزرقاء والحمراء من شعارهم حرم على المسلم لبسها، قاله الشيخ تقي الدين لكن في الزرقاء والصفراء واضح، لا في الحمراء.

والظاهر: أنه يجتزئ بها أي: بالعمامة الزرقاء ونحوها، كالذي اعتاده اليهود ببلدنا، (في حق الرجال: عن الغيار ونحوه)، كشد الزُّنَّار، (لحصول التمييز الظاهر بها، وهو في هذه الأزمنة وقبلها كالإجماع؛ لأنها صارت مألوفة لهم.

فإن أرادوا العدول عنها مُنعوا. وإن تزيَّا بها مسلم، أو علق صليبا بصدره: حرم) لحديث من تشبه بقوم فهو منهم” انتهى.

ثانيا:

يحرم التشبه بالكفار فيما اختُصوا به من لباس، كعمامة السيخ، أو فيما تميزوا به من الغيار، كالعمامة الصفراء في ذلك الزمن.

ولا يحرم لبس ما عدا ذلك مما يشترك فيه الجميع.

ثالثا:

ذهب الحنابلة إلى أنه إن أبى الذمي الغيار، أي تمييز شيء من لباسه، لم يُجبر على ذلك، ونغير نحن، أي يتميز المسلمون بشيء، كالعمامة التي لها ذؤابة ونحو ذلك.

وأما قول القاضي أبي يعلى رحمه الله: ” أهل الذمة مأمورون بلبس الغيار، فإن امتنعوا؛ لم يجز لأحد من المسلمين صبغ ثوب من ثيابهم؛ لأنه لم يتعين عليهم صبغ ثوب بعينه “.

فالمراد أنهم لما خالفوا الأمر، ولم يصبغوا شيئا من ثيابهم بلون مغاير، فإن المسلمين يمتنعون عن صبغ ثياب أهل الذمة بالألوان التي يريدون، مع تركهم الغيار؛ لما في ذلك من إعانتهم على مخالفة ما يلزمهم من الغيار.

وهذا على القول بأنهم يجبرون على الغيار.

وأما على القول الآخر، وهو أنهم لا يجبرون، وأنهم إن أبوا الغيار: تميز المسلمون، فلا حرج في صبغ ثيابهم.

قال شيخ الإسلام بعد نقل كلام القاضي:

“قلت: وهذا فيه خلاف: هل يلزمون بالتغيير؟ أم الواجب إذا امتنعوا أن نغير نحن؟

وأما وجوب أصل المغايرة: فما علمت فيه خلافا” انتهى من “اقتضاء الصراط المستقيم” (1/ 366).

وأصل المغايرة ثبت من الشروط العمرية التي وضعها عمر رضي الله عنه، واتفق عليها الصحابة ومن بعدهم.

قال ابن القيم رحمه الله: “وقولهم: ” وأن نلزم زينا حيثما كنا، وألا نتشبه بالمسلمين في لبس قلنسوة ولا عمامة، ولا فرق شعر، ولا في مراكبهم “.

هذا أصل الغيار، وهو سنةٌ؛ سنَّها مَنْ أمر رسولُ الله صلى الله عليه وسلم باتباع سنته، وجرى عليها الأئمة بعده في كل عصر ومصر، وقد تقدمت بها سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم” انتهى من “أحكام أهل الذمة” (3/ 1262).

رابعا:

هذه الأحكام تختلف باختلاف الزمان والمكان، والقوة والضعف، والمصلحة والمفسدة.

قال ابن القيم رحمه الله: ” ومدار هذا الباب وغيره مما تقدم على المصلحة الراجحة.

فإن كان في كنيته، وتمكينه من اللباس، وترك الغيار، والسلام عليه أيضا، ونحو ذلك، تأليف له، ورجاء إسلامه وإسلام غيره؛ كان فعله أولى، كما يعطيه من مال الله لتألفه على الإسلام، فتألفه بذلك أولى.

وقد ذكر وكيع، عن ابن عباس أنه كتب إلى رجل من أهل الكتاب: ” سلام عليك “.

ومن تأمل سيرة النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه في تأليفهم الناس على الإسلام بكل طريق؛ تبين له حقيقة الأمر، وعلم أن كثيرا من هذه الأحكام التي ذكرناها من الغيار وغيره، تختلف باختلاف الزمان والمكان، والعجز والقدرة، والمصلحة والمفسدة.

ولهذا لم يغيرهم النبي صلى الله عليه وسلم، ولا أبو بكر رضي الله عنه، وغيرهم عمر رضي الله عنه” انتهى من “أحكام أهل الذمة” (3/ 1321).

لكن على المؤمن – بكل حال – : أن يجتنب لبس ما يختص به الكافر، كما تقدم؛ فهذا ممنوع منه بأصل تحريم التشبه بهم.

والله أعلم.

الذمة

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر

موقع الإسلام سؤال وجواب

at email

النشرة البريدية

اشترك في النشرة البريدية الخاصة بموقع الإسلام سؤال وجواب

phone

تطبيق الإسلام سؤال وجواب

لوصول أسرع للمحتوى وإمكانية التصفح بدون انترنت

download iosdownload android