ما حكم مناداة البنت أو الولد من غير الصلب يا " ابنتي" أو "يا بني" فعندنا قد تعارف الناس على مناداة كل صغير أو صغيرة بهذا الإسم وقد سمعت أن مناداتهما بهذا الاسم يعتبر طعنا في شرف الأم لان المنادي ليس بوالد البنت أو الولد ولكن جرى هذا عرفا وأن الكبير هو مثل الوالد للصغير. والسلام عليكم.
ما حكم مناداة غير الأولاد بابني أو ابنتي؟؟
السؤال: 437369
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.
أولًا:
جرت عادة الناس، على اختلاف بلدانهم وبيئاتهم وأعرافهم على المسامحة في مناداة غير أولادهم بـ: يا بنيَّ، أو يا ابني، ويا بنيتي، أو يا بنتي، من غير نكير على ذلك فيما بينهم، ولا ارتياب فيه، وهو أمر واسع لا حرج فيه ، والمعنى من ذلك معروف مقرر لدى العالم والجاهل؛ وأنه لا علاقة لذلك بإثبات نسب الشخص المنادى لمن ناداه بابنه أو ابنته، ولا انتفاء الولد من نسبه الحقيقي؛ فضلا أن يكون ذلك طعنا في نسب المنادى، فذلك الظن أو التوهم: تنطع محض، وذوق بارد في الفهم، لا معنى له، ولا يطرأ ببال أحد، في مثل ذلك المقام، قط!!
وإنما مراد الناس بذلك الخطاب ونحوه، الترفق بالمنادى، وتقريبه، حتى كأنه ممن ناداه بمنزلة الولد من أبيه.
وقد كثرت نظائر ذلك في موارد النصوص الشرعية. فمن ذلك:
1-قول الراهب للغلام في قصة أصحاب الأخدود: (أَيْ بُنَيَّ، أَنْتَ الْيَوْمَ أَفْضَلُ مِنِّي) أخرجه مسلم(3005).
2-عن الْحَسَنُ، أَنَّ عَائِذَ بْنَ عَمْرٍو -وَكَانَ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- دَخَلَ عَلَى عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ زِيَادٍ، فَقَالَ: أَيْ بُنَيَّ، إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: (إِنَّ شَرَّ الرِّعَاءِ الْحُطَمَةُ، فَإِيَّاكَ أَنْ تَكُونَ مِنْهُمْ) أخرجه مسلم (1830)
3-وعَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ مَوْلَى أَسْمَاءَ، عَنْ أَسْمَاءَ: أَنَّهَا نَزَلَتْ لَيْلَةَ جَمْعٍ عِنْدَ المُزْدَلِفَةِ، فَقَامَتْ تُصَلِّي، فَصَلَّتْ سَاعَةً ثُمَّ قَالَتْ: يَا بُنَيَّ، هَلْ غَابَ القَمَرُ؟، قُلْتُ: لاَ، فَصَلَّتْ سَاعَةً، ثُمَّ قَالَتْ: يَا بُنَيَّ هَلْ غَابَ القَمَرُ؟، قُلْتُ: نَعَمْ، قَالَتْ: فَارْتَحِلُوا، فَارْتَحَلْنَا وَمَضَيْنَا …. ، فذكر الحديث. أخرجه البخاري (1679)، ومسلم (1291).
وفي تراجم "صحيح مسلم": " بابُ جَوازِ قَوْلِهِ لِغَيْرِ ابْنِهِ: يا بُنَيَّ واسْتِحْبابِهِ لِلْمُلاطَفَةِ".
ثم روى في الباب (2151): عَنْ أنَسِ بْنِ مالِكٍ، قالَ: قالَ لِي رَسُولُ اللهِ : يا بُنَيَّ.
وروى أيضا (2152): عَنِ المُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ، قالَ: ما سَألَ رَسُولَ اللهِ أحَدٌ عَنِ الدَّجّالِ أكْثَرَ مِمّا سَألْتُهُ عَنْهُ، فَقالَ لِي: أيْ بُنَيَّ وما يُنْصِبُكَ مِنهُ؟ إنَّهُ لَنْ يَضُرَّكَ قالَ قُلْتُ: إنَّهُمْ يَزْعُمُونَ أنَّ مَعَهُ أنْهارَ الماءِ وجِبالَ الخُبْزِ، قالَ: هُوَ أهْوَنُ عَلى اللهِ مِن ذَلِكَ.
قال الإمام النووي، رحمه الله: " وفِي هَذَيْنِ الحَدِيثَيْنِ جَوازُ قَوْلِ الإنْسانِ لِغَيْرِ ابْنِهِ مِمَّنْ هُوَ أصْغَرُ سِنًّا منه يا ابنى ويا بني مصغرا ويا ولدي، ومَعْناهُ تَلَطَّفْ وإنَّكَ عِنْدِي بِمَنزِلَةِ ولَدِي فِي الشَّفَقَةِ، وكَذا يُقالُ لَهُ ولِمَن هُوَ فِي مثل سن المتكلم ياأخى لِلْمَعْنى الَّذِي ذَكَرْناهُ وإذا قَصَدَ التَّلَطُّفَ كانَ مُسْتَحَبًّا كَما فَعَلَهُ النَّبِيُّ ". انتهى، من "شرح مسلم" (14/129).
وقد سبق إلى نحو من ذلك الإمام البخاري، رحمه الله، فقال في كتابه "الأدب المفرد":
" باب قول الرجل للصغير يا بنى". ثم روى فيه (369): عَنْ أَبِي الْعَجْلاَنِ الْمُحَارِبِيِّ قَالَ: كُنْتُ فِي جَيْشِ ابْنِ الزُّبَيْرِ، فَتُوُفِّيَ ابْنُ عَمٍّ لِي، وَأَوْصَى بِجَمَلٍ لَهُ فِي سَبِيلِ اللهِ، فَقُلْتُ لِابْنِهِ: ادْفَعْ إِلَيَّ الْجَمَلَ، فَإِنِّي فِي جَيْشِ ابْنِ الزُّبَيْرِ، فَقَالَ: اذْهَبْ بِنَا إِلَى ابْنِ عُمَرَ حَتَّى نَسْأَلَهُ، فَأَتَيْنَا ابْنَ عُمَرَ، فَقَالَ: يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ، إِنَّ وَالِدِي تُوُفِّيَ، وَأَوْصَى بِجَمَلٍ لَهُ فِي سَبِيلِ اللهِ، وَهَذَا ابْنُ عَمِّي، وَهُوَ فِي جَيْشِ ابْنِ الزُّبَيْرِ، أَفَأَدْفَعُ إِلَيْهِ الْجَمَلَ؟ قَالَ ابْنُ عُمَرَ: يَا بُنَيَّ، إِنَّ سَبِيلَ اللهِ كُلُّ عَمَلٍ صَالِحٍ، فَإِنْ كَانَ وَالِدُكَ إِنَّمَا أَوْصَى بِجَمَلِهِ فِي سَبِيلِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، فَإِذَا رَأَيْتَ قَوْمًا مُسْلِمِينَ يَغْزُونَ قَوْمًا مِنَ الْمُشْرِكِينَ، فَادْفَعْ إِلَيْهِمُ الْجَمَلَ، فَإِنْ هَذَا وَأَصْحَابَهُ فِي سَبِيلِ غِلْمَانِ قَوْمٍ أَيُّهُمْ يَضَعُ الطَّابَعَ.
ومن لطيف صنيع الإمام البخاري، رحمه الله في هذا الموضع: أنه روى بعد هذا الحديث مباشرة (370): عن جرير، عَنِ النَّبِيِّ صَلى الله عَلَيهِ وسَلم قَالَ: ( مَنْ لاَ يَرْحَمِ النَّاسَ لاَ يَرْحَمْهُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ ). وبعده أيضا (371) عن جابر نحوا من هذا المعنى؛ وليس في أي منهما ذكر للمناداة بـ"ابني" أو نحو ذلك؛ وإنما قصد بذلك الإشارة إلى أن هذا النداء ونحوه : إنما يخرج على وجه الرحمة المندوب إليها.
والله أعلم .
هل انتفعت بهذه الإجابة؟
المصدر:
موقع الإسلام سؤال وجواب