هل يجوز التسمية باسم من أسماء الله الحسنى مثل شافي؟ وإذا تمت التسمية، فما الواجب على صاحب الاسم؟
هل تجوز التسمية باسم: ( شافي)؟
السؤال: 439400
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.
أولا:
الاسم عنوان المسمى ودليل عليه ، وضرورة للتفاهم معه ومنه وإليه ، وهو للمسمى زينة ووعاء وشعار يُدعى به في الآخرة والأولى ، وإشعار بأنه من أهل هذا الدين ، وهو في طبائع الناس له اعتباراته ودلالاته ، فهو عندهم كالثوب ؛ إن قَصُر شان ، وإن طال شان .
والأصل في الأسماء الإباحة والجواز ، غير أن هناك بعض المحاذير الشرعية التي ينبغي اجتنابها عند اختيار الأسماء ، سبق بيانها في الفتوى رقم: (7180).
ثانيًا:
من المحاذير التي يجب اجتنابها عند تسمية المولود : التسمية باسم من أسماء الله تبارك وتعالى التي اختص بها نفسه ، كأن يسمي الخالق أو الرازق أو الرب أو الرحمن ونحوها مما اختص بها الله عز وجل ، أو باسم لا يصدق وصفه لغير الله عز وجل مثل ملك الملوك ، أو القاهر ونحوه ، وهذا النوع من الأسماء يحرم التسمي به ويجب تغييره .
و" الشافي " اسم من أسماء الله تعالى ، وقد ثبت في السنة النبوية ، كما في الصحيحين عَن عَائِشَةَ رَضِيَ اللّهُ عَنهَا أَنَّ رَسُولَ اللّهِ صَلَّى اللّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا اشتَكَى مِنَّا إِنسَانٌ مَسَحَهُ بِيَمِينِهِ ثُمَّ قَالَ: (أَذهِبِ البَاسَ، رَبَّ النَّاسِ، وَاشفِ أَنتَ الشَّافِي، لا شِفَاءَ إِلا شِفَاؤُكَ، شِفَاءً لَا يُغَادِرُ سَقَمًا) رواه البخاري (5675)، ومسلم (2191) واللفظ له.
وهو من الأسماء المختصة بالله تعالى، والتي لا يجوز للعبد أن يتسمى بها ، لأنه سبحانه هو الشافي، ولا أحد يشفي غيره.
قال الله تعالى: (وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ) الشعراء/80.
وروى البخاري (5742) عَنْ عَبْدِ العَزِيزِ بن صهيب قَالَ: " دَخَلْتُ أَنَا وَثَابِتٌ عَلَى أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، فَقَالَ ثَابِتٌ: يَا أَبَا حَمْزَةَ ، اشْتَكَيْتُ ، فَقَالَ أَنَسٌ: أَلاَ أَرْقِيكَ بِرُقْيَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قَالَ: بَلَى، قَالَ: (اللَّهُمَّ رَبَّ النَّاسِ ، مُذْهِبَ البَاسِ ، اشْفِ أَنْتَ الشَّافِي، لاَ شَافِيَ إِلَّا أَنْتَ ، شِفَاءً لاَ يُغَادِرُ سَقَمًا).
فقوله (أنت الشافي)، وقوله (لا شافي إلا أنت) يدل على أنه لا أحد يشفي أحدا إلا الله سبحانه وتعالى.
قال القاري رحمه الله:
" قَالَ الطِّيبِيُّ : قَوْلُهُ : (لَا شِفَاءَ) خَرَجَ مَخْرَجَ الْحَصْرِ تَأْكِيدًا لِقَوْلِهِ : (أَنْتَ الشَّافِي) ؛ لِأَنَّ خَبَرَ الْمُبْتَدَأِ إِذَا كَانَ مُعَرَّفًا بِاللَّامِ أَفَادَ الْحَصْرَ ؛ لِأَنَّ تَدْبِيرَ الطَّبِيبِ ، وَدَفْعِ الدَّوَاءِ : لَا يَنْجَعُ فِي الْمَرِيضِ إِذَا لَمْ يُقَدِّرِ اللَّهُ الشِّفَاءَ " انتهى من "مرقاة المفاتيح" (3/1124).
ويدل على ذلك المعنى أيضا: ما جاء عند مسلم (3005) في قصة أصحاب الأخدود في قول : ( جَلِيس الْمَلِكِ ، وكَانَ قَدْ عَمِيَ، فَأَتَى الغلامَ بِهَدَايَا كَثِيرَةٍ، فَقَالَ: مَا هَاهُنَا لَكَ أَجْمَعُ، إِنْ أَنْتَ شَفَيْتَنِي ؟
فَقَالَ الغلام : إِنِّي لَا أَشْفِي أَحَدًا ؛ إِنَّمَا يَشْفِي اللهُ ، فَإِنْ أَنْتَ آمَنْتَ بِاللهِ : دَعَوْتُ اللهَ فَشَفَاكَ ؟ فَآمَنَ بِاللهِ ، فَشَفَاهُ اللهُ …) الحديث .
فتأمل كيف نفى الغلام الذي كان يشفي اللهُ الناسَ على يديه من جميع الأدواء ، كيف نفى نسبة الشفاء إلى نفسه ، ونسبه إلى ربه ، وكذلك فعل جليس الملك لما آمن وفقه .
وفي موطأ الإمام مالك – مرسلا – عَنْ زَيْدِ بْنِ أسْلَمَ؛ أنَّ رَجُلًا فِي زَمانِ رَسُولِ اللهِ أصابَهُ جُرْحٌ. فاحْتَقَنَ الجُرْحُ الدَّمَ. وأنَّ الرَّجُلَ دَعا رَجُلَيْنِ مِن بَنِي أنْمارٍ. فَنَظَرا إلَيْهِ. فَزَعَما أنَّ رَسُولَ اللهِ قالَ: (لَهُما أيُّكُما أطَبُّ؟).
فَقالاَ: أوَ فِي الطِّبِّ خَيْرٌ يا رَسُولَ اللهِ؟
فَزَعَمَ زَيْدٌ أنَّ رَسُولَ اللهِ قالَ: (أنْزَلَ الدَّواءَ الَّذِي أنْزَلَ الأدْواءَ).
قال ابن عبد البر، رحمه الله: " وفي هذا الحديث: إباحة التعالج، لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم ينكر ذلك عليهم.
وفيه إتيان المتطبب إلى صاحب العلة.
وفيه بيان أن الله عز وجل هو الممرض والشافي وأنه لا يكون في ملكه إلا ما شاء وأنه أنزل الداء والدواء وقدره وقضى به .
وكذلك ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يرقي ويقول : ( اشف أنت الشافي يا رب لا شفاء إلا شفاؤك، اشف شفاء لا يغادر سقما ).
وهذا يصحح لك أن المعالجة إنما هي لتطيب نفس العليل، ويأنس بالعلاج، ورجاء أن تكون من أسباب الشفاء، كالتسبب لطلب الرزق الذي قد فرغ منه.
وفي قوله صلى الله عليه وسلم : ( أنزل الدواء الذي أنزل الأدواء ) : دليل على أن البرء ليس في وسع مخلوق أن يعجله قبل أن ينزل ويقدَّر وقته وحينه .
وقد رأينا المنتسبين إلى علم الطب : يعالج أحدهم رجلين ، وهو يزعم أن علتهما واحدة ، في زمن واحد ، وسن واحد ، وبلد واحد ، وربما كانا أخوين توأمين غذاؤهما واحد ؛ فعالجهما بعلاج واحد ؛ فيفيق أحدهما ، ويموت الآخر أو تطول علته ؛ ثم يفيق عند الأمد المقدور له " انتهى، من "التمهيد" (5/264).
ثالثًا:
من سمَّى ولده باسم " الشافي " أو " شافي " فينبغي عليه تغيير اسمه ؛ لأنه من الأسماء المختصة بالله ، كما تقدم بيانه .
فإن لم يستطع تغييره في الأوراق الرسمية ؛ فيغيره بين أوساط الناس والمجتمع الذي يعيش فيه حتى يتمكن من تغييره رسميًا ..
وإذا كان صاحب الاسم قد كَبِر، فإنه يحاول تغييره متى تمكن من ذلك .
وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يغير الأسماء القبيحة إلى أسماء حسنة ؛ فعن ابن عمر : أن ابنة لعمر كانت يقال لها عاصية فسماها رسول الله صلى الله عليه وسلم جميلة . رواه مسلم (2139).
فكيف إذا كان الاسم مختصًا بالله تعالى ولا يجوز لأحد أن يتسمى به ؟! فهو بلا شك أولى بالتغيير من غيره .
والحاصل: أنه لا يجوز التسمي باسم (شافي)؛ لأنه من الأسماء المختصة بالله تعالى ، فهو سبحانه وتعالى الشافي وحده ، ولا أحد يشفي غيره ، ومن تسمى بهذا الاسم فينبغي عليه تغيير اسمه متى أمكنه ذلك.
والله أعلم.
هل انتفعت بهذه الإجابة؟
المصدر:
موقع الإسلام سؤال وجواب
موضوعات ذات صلة