تنزيل
0 / 0
2,58001/09/2023

ما حكم الذهاب للأماكن العامة التي فيها منكرات؟

السؤال: 444120

هل يجوز أن نذهب إلى الأماكن العامة التي يجوز في حد ذاتها الذهاب إليها، مثل المكتبات، أو المقاهي، حيث توجد الصور المعلقة، و/ أو التماثيل، وأيضًا أماكن يتم فيها تشغيل الموسيقى، إذا كان المرء غير قادر على وضع حد لها؟ أم إنه يحظر الذهاب إلى هذه الأماكن؟

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.

المتأمل في أحول الناس اليوم يجد أن مما عمت به البلوى أنه لا يكاد يوجد مكان عام إلا وتغشاه بعض المنكرات، صغرت أو كبرت، مما جعل البعض في حرج من حضور هذه الأماكن التي قد تكون الحاجة لحضورها ضرورية أو حاجية أو تكميلية .

والذي يظهر والله أعلم أن المسألة تحتاج إلى تفصيل وعدم إعطاء حكم واحد لكل الأماكن والأحوال والأشخاص.
أولاً:

الأماكن العامة التي لابد للناس منها وإلا تعطلت مصالحهم، مثل المستشفيات ومرافق العمل ووسائل المواصلات العامة؛ فمثل هذه الأماكن لا يمكن أن يمنع الناس منها لأجل ما فيها من المنكرات.

لكن يخاطب المرء بما استطاع من ذلك؛ فما استغنى عنه منها، ولم يوقعه ذلك في حرج، فهو مخاطب بتركه والإعراض عنه. وما احتاج إليه، اجتهد في ألا يلابس ما فيها من منكرات، لا برؤية ولا سماع، ولا غير ذلك؛ ما وجد إلى ذلك سبيلا، مع الاستغفار لما لم يمكن الانفكاك منه من هذه المخالفات.

وهذا هدي الصحابة رضي الله عنهم في التعامل مع ما يشق الاحتراز منه، فعن أبي أيوب الأنصاري: "أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال:(إِذَا أَتَيْتُمُ الْغَائِطَ فَلَا تَسْتَقْبِلُوا الْقِبْلَةَ وَلَا تَسْتَدْبِرُوهَا، بِبَوْلٍ وَلَا غَائِطٍ. وَلَكِنْ شَرِّقُوا أَوْ غَرِّبُوا).

قَالَ أَبُو أَيُّوبَ: فَقَدِمْنَا الشَّامَ. فَوَجَدْنَا مَرَاحِيضَ قَدْ بُنِيَتْ قِبَلَ الْقِبْلَةِ. ‌فَنَنْحَرِفُ ‌عَنْهَا ‌ونستغفر ‌الله" رواه مسلم (264).

وقد سئلت اللجنة الدائمة عن مثل هذه فأجابت:

 "إذا كنت لا تستطيع منع الأغاني في الحافلة وأنت محتاج إلى ركوبها لبعد المسافة، ولا تجد وسيلة غيرها – فلا بأس عليك في ذلك، مع إنكار المنكر حسب استطاعتك ، ولو في قلبك.
"فتاوى اللجنة الدائمة للإفتاء" (26/241).

ثانياً:

الأماكن التي الأصل فيها عرض المنكرات والمحرمات، مثل الحفلات الغنائية التي تجمع بين الغناء والتبرج والاختلاط، فمثل هذه الحكم فيها تحريم حضورها، سواء بنفسه أو بأهله وأولاده.

وأشدها في التحريم: ما أنشئ أصالة لأجل المنكر الذي يكون فيه.

جاء في فتاوى اللجنة الدائمة للإفتاء ما نصه:

"يحرم على المسلم إقامة حفلات أو مهرجانات مشتملة على أمور منكرة ؛ كالغناء والموسيقى، واختلاط الرجال بالنساء، وإحضار السحرة المشعوذين؛ للأدلة الشرعية الكثيرة الدالة على تحريم هذه الأمور، وأنها من أسباب الوقوع فيما حرم الله من الفواحش والفجور.

وقد توعد الله عز وجل من أحب شيوع الفاحشة بين المؤمنين ودعا إلى ذلك ، وأعان عليه بالعذاب الأليم ، فقال سبحانه : (إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ) النور/19.

وإذا تقرر أن إقامة هذه الحفلات والمهرجانات محرم، فحضورها محرم أيضاً ؛ لأنه من إضاعة المال والأوقات فيما لا يرضي الله سبحانه ، ومن التعاون على الإثم والعدوان ، والله تعالى يقول : (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ) المائدة/2 ، وفي ذلك الحديث المتفق على صحته أن النبي صلى الله عليه وسلم (كان ينهى عن إضاعة المال) " انتهى من "فتاوى اللجنة الدائمة" (26/225).

ثالثا:

الأماكن التي الأصل فيها أنها للترفيه المباح، مثل الحدائق العامة والواجهات البحرية(الكورنيش)، فهذه قد يكون فيها بعض المنكرات من تبرج ونحوه، ولكن لا يلزم أن يلابسه كل من حضر.

فمنع الناس من هذه الأماكن فيه تضييق ظاهر، ومشقة زائدة، وحاجتهم إليها أصبحت ملحة في عصرنا الحاضر.

فلا مانع من الحضور، مع تأكد اجتهاد المرء في إقامة المعروف في نفسه ومن معه، ومن يملك إقامة المعروف فيه، من غير مفسدة زائدة. واجتهاده أيضا في ترك المنكر في نفسه، وأهله، ومن معه، فعلا، وملابسة، واجتهاده في النهي عما يمكنه من المنكرات حوله، ما استطاع إلى ذلك سبيلا.

وأعظم المعروف الذي يقيمه في أماكن خروجه ونزهته: إقامة الصلاة في وقتها. ولعله بحضور أهل الخير أن يخف الشر، وهذا مشاهد، فتجد الرجل يقوم بالأذان في مثل هذه الأماكن، فيتبعه فئام من الناس، وإنما قاموا لأذانه وجهره بالدعوة لصلاة الجماعة، كما أن أهل الشر عندما يجدون في هذه المواطن المستقيم والمتحجبة الحجاب الشرعي، يلحق الحياء عددًا منهم، وخاصة ممن لم يستمرئوا الباطل، مع استصحاب النصح والتوجيه لمن أمكن نصحه وتوجيهه في هذه الأماكن ممن يقع في المخالفات، مع الحرص على تلمس أوقات وأماكن يكون فيها ما يتوقع من المخالفات أقل.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: " والأمر والنهي إنما يتعلّق بالاستماع، لا بمجرد السماع كما في الرؤية، فإنه إنما يتعلق بقصد الرؤية لا ما يحصل منها بغير الاختيار…، وكذلك في مباشرة المحرمات كالحواس الخمس من السمع والبصر والشم والذوق واللمس، إنما يتعلّق الأمر والنهي في ذلك بما للعبد فيه قصد وعمل، وأما ما يحصل بغير اختياره فلا أمر فيه ولا نهي " انتهى من" مجموع الفتاوى" (5/566).

والله أعلم.

المصدر

موقع الإسلام سؤال وجواب

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

at email

النشرة البريدية

اشترك في النشرة البريدية الخاصة بموقع الإسلام سؤال وجواب

phone

تطبيق الإسلام سؤال وجواب

لوصول أسرع للمحتوى وإمكانية التصفح بدون انترنت

download iosdownload android
at email

النشرة البريدية

اشترك في النشرة البريدية الخاصة بموقع الإسلام سؤال وجواب

phone

تطبيق الإسلام سؤال وجواب

لوصول أسرع للمحتوى وإمكانية التصفح بدون انترنت

download iosdownload android