ما حكم شراء سلعة من شخص آخر بالسعر القديم مع معرفتي بارتفاع ثمنها وهو لا يعلم؟
إذا كنت تعلم أن السعر في السوق قد تغير، ولم يعلم به البائع: لزمك البيان، ولم يجز الشراء بالسعر القديم دون علمه؛ لأن ذلك غبن، والغبن محرم، سواء كان غبنا للبائع أو للمشتري.
قال في "كشاف القناع" (3/213): " (والغبن محرم) لأنه تغرير وغش" انتهى.
وفي "الموسوعة الفقهية" (31/139): "الغبن محرم؛ لما فيه من التغرير للمشتري والغش المنهي عنه، ويحرم تعاطي أسبابه؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: ”من غشنا فليس منا". قال ابن العربي: إن الغبن في الدنيا ممنوع بإجماع في حكم الدنيا؛ إذ هو من باب الخداع المحرم شرعا في كل ملة. لكن اليسير منه لا يمكن الاحتراز منه لأحد، فمضى في البيوع، إذ لو حكمنا برده ما نفذ بيع أبدا؛ لأنه لا يخلو منه، حتى إذا كان كثيرا أمكن الاحتراز: منه وجب الرد به.
والفرق بين القليل والكثير أصل في الشريعة معلوم.
أنواع الغبن:
ذهب الفقهاء إلى أن الغبن نوعان: غبن يسير، وغبن فاحش. وللفقهاء في تحديد كل من الغبن الفاحش واليسير أقوال:
فذهب الحنفية إلى أن اليسير: ما يدخل تحت تقويم المقوّمين. والفاحش: ما لا يدخل تحت تقويم المقوّمين، لأن القيمة تعرف بالحزر والظن بعد الاجتهاد، فيعذر فيما يشتبه؛ لأنه يسير لا يمكن الاحتراز عنه، ولا يعذر فيما لا يشتبه لفحشه، ولإمكان الاحتراز عنه، لأنه لا يقع في مثله عادة إلا عمدا...
هذا كله إذا كان سعره غير معروف بين الناس، ويحتاج فيه إلى تقويم المقوّمين.
وأما إذا كان معروفا، كالخبز واللحم والموز: لا يعفى فيه الغبن، وإن قل وإن كان فلسا.
وذهب المالكية إلى أن الغبن عبارة عن بيع السلعة بأكثر مما جرت العادة أن الناس لا يتغابنون بمثله، وهي الزيادة على الثلث وقيل: الثلث. وأما ما جرت به العادة فلا يوجب الرد باتفاق.
وقال الشافعية: الغبن اليسير هو ما يحتمل غالبا فيغتفر فيه، والغبن الفاحش هو ما لا يحتمل غالبا، والمرجع في ذلك عرف بلد البيع والعادة .
وقال الحنابلة: يرجع في الغبن إلى العرف والعادة، وهو الصحيح من المذهب نص عليه، وهو قول جماهير الأصحاب، وقيل: يقدر الغبن بالثلث وهو اختيار أبي بكر، وجزم به في الإرشاد. ونقل المرداوي عن المستوعب: المنصوص أن الغبن المثبت للفسخ ما لا يتغابن الناس بمثله. وحده أصحابنا بقدر ثلث قيمة البيع" انتهى.
والغبن لا يختص بصورة معينة.
قال الشيخ محمد بن إبراهيم رحمه الله: "قوله: "والغبن محرم"، لأنه من الغش، هو إبداء غير الحقيقة، فيحرم تعاطي أسبابه: بأن يتلقى جلباً، أو يرضى بالنجش، أو يقول: أعطيت كذا وهو كاذب.
ثم هذا التحريم ليس خاصاً بالثلاث الصور، يحرم أنك تبيع ما يساوي سبعة بعشرة، وهذا كثير في بياعات الناس، فلا يصح وحرام إذا باع ما يساوي سبعة بإثنى عشر.
ولعل هذا يستثنى منه أحوال الموسم، لأنه حدوث رغبة، فليس غبناً، فهذه الزيادة لا باس بها، إنما الذي يحرم الذي بالنسبة إلى وقته" انتهى من "فتاوى محمد بن إبراهيم" (7/95).
وقال الشيخ ابن باز رحمه الله بعد أن قرر أنه ليس للربح حد معين:
"ليس له أن يخدع الناس، إذا كان يعرف أن السعر في السوق هذا الشيء بريال، ليس له أن يبيع بريال ونص، بل يبين للناس أن السعر كذا وكذا، ولكن أنا ما أبيعك إلا بكذا، ترى تشتري مني، وإلا روح اشتر من المحلات الأخرى، أما أنه يخدع الناس، السعر في السوق بريال، وهو يبيع بريالين يخدع الجاهل ما يجوز له بل يدله على الخير؛ لأن المؤمن أخو المؤمن يرشده، يقول: هذا الشيء يباع في السوق بكذا وكذا، وأنا أرشدك إلى المحلات الفلانية، أما أنا إذا كان ما يستطيع يبيع بها السعر، يقول: أنا ما أبيع بها السعر، أبيع بكذا وكذا، ترى تشتري مني بهذا الشيء لأنه علي غالي، وأنه دخل علي غالي، يبين الأسباب التي تدعوه إلى ذلك.
المقصود: أن عليه عدم خيانة أخيه وعدم خداعه، فإذا كانت الأسعار في السوق رخيصة ومعروفة كالسلعة المعينة، أو فيها الطعام المعين أو في الأواني المعينة معروفة، فليس له أن يخدع أخاه بأن يبيع عليه بأكثر، "المسلم أخو المسلم"" انتهى من "فتاوى نور على الدرب" (19/53).
والله أعلم.